بعد النبي ( 2 ) – فاطمة و عائشة بقلم : لیسلي ھازیلتون ترجمة
خاص ألف
2011-07-05
غير الجرح لحقت بفاطمة الإهانة. و فقدت العقار الذي اعتقدت أنه لها . ثم سريعا بعد الإجهاض أرسلت رسالة لأبي بكر تطلب فيها حصتها من عقارات أبيها – و هي بستان نخيل البلح في واحة شاسعة بخيبر و فدك تجدها في شمال المدينة المنورة. و كانت إجابته تدعو إلى عدم التصديق. إن عقار النبي من أملاك المجتمع ، و لا يعود الحق فيه لأي شخص مفرد ، هكذا قال لها أبو بكر. و أضاف : إن البستان جزء من مؤسسة صندوق بيت مال المسلمين ، و هو مديره و حارس عليه باعتبار انه الخليفة. و هو لا يتمتع بالحرية ليتصرف و يهب منه ما يشاء للأفراد. فقد أخبره محمد قائلا : " نحن ليس لدينا ورثة ، و كل ما نتركه هو زكاة ". لم يكن أمام فاطمة غير القبول بكلمته. كانت سمعة أبي بكر بالنزاهة فوق الشك ، مهما بلغت درجة الشبهات لديها. و فيما بعد سوف ينظر أهل السنة لموقفه كتأكيد على إعلاء مصلحة الجماعة فوق إرث و حقوق الأفراد. و يبدو أن أبا بكر كان يريد أن يقول : " أنت لست وحدك أهل البيت. نحن جميعا أهل البيت ". و على هذا الأساس سوف ينتاب الشيعة الإعتقاد المؤكد أن أقرب أعضاء عائلة محمد قد لحق بهم الإجحاف المزدوج ، أو الغش ، و كما قال الشاعر ما معناه : لم يحصل علي على ميراثه في الخلافة ، و فاطمة لم تحصل على إرثها من العقار. و لم يكن هناك مجال لإنكار المعنى الشعبي لرسالة أبي بكر التي أنكرت على فاطمة طلبها : إن بيت محمد هو بيت للإسلام ، و كلنا شركاء فيه. و لكن كما هي الحال دائما ، تلحق المساواة بالبعض أكثر من سواهم.
و حينما رفض طلب فاطمة ، أكد أبو بكر أنه سيجزل العطاء لأرامل محمد. و بالأخص لابنته منهن و هي عائشة ، التي تلقت عقارا ثمينا في المدينة و مثله على الطرف الثاني من شبه الجزيرة العربية ، في البحرين.
و كانت هذه هي الشعرة التي قصمت ظهر فاطمة. ذلك أن أصغر زوجات أبيها حصلت بالضرورة على جائزة ، بينما هي منعت عنها ، مع أنها أول بنت لأول زوجة عزيزة على قلب النبي . و هكذا لم تستيقظ من الإجهاض أو من الجدال العقيم مع أبي بكر. و ربما كان العزل هو ما ألحق بها المزيد من الخبرات و المشاعر المؤلمة في تلك الأشهر التي أعقبت فقدان ثالث أبنائها. و هو عقوبة أمر بها أبو بكر ليجبر علي على الالتزام بالنهج – الطاعة.
في مجتمع يتألف من نسيج شديد الترابط ، القطيعة سلاح قوي. كان الضغط بغرض الإخضاع يتراكم يوما بإثر يوم ، و أسبوعا بعد أسبوع ، و كان علي بشكل متصاعد يتحول إلى إنسان مستتر. لا أحد يراه. لقد أدار الناس ظهورهم له ، و ابتعد عنه الأصدقاء ، و كان الأصحاب يمرون من غير أن ينبسوا معه و لو بكلمة ، و ينظرون من خلاله كأنه غير موجود أو حاضر. و حتى في الجامع ، كان علي يصلي وحيدا. و مما يدعو إلى السخرية ، أن هذا السلاح نفسه استخدم سابقا في مكة ضد محمد و عشيرته. و على الرغم من قوته فقد فشل ، و هذا هو السبب الذي حدا بنخبة أهل مكة للتخطيط لجريمة ، و حتى هذه فشلوا في تحقيقها. و كذلك رفضت فاطمة الخضوع للضغوط.
و عندما علمت أن موتها وشيك ، طلبت من علي أن تدفن في ضريح متواضع كما هو حال والدها قبل أقل من ثلاثة شهور. و لم يكن من المفروض إبلاغ أبي بكر بنبأ موتها ، فقد قالت : يجب أن لا نوفر له الفرصة ليهيمن على الجنازة. و أوصت أن تدفن بهدوء ، و بحضور الأقارب من العائلة الصغيرة ، أهل البيت الأوفياء. و لو خامرت عائشة أية مشاعر بالنصر لدى سماع نبأ موت منافستها ، فقد التزمت بالصمت المبالغ به حياله. و لم تكن هناك حاجة لتنبس بكلمة. لقد أحرزت الآن الشرف المضاعف : أصبحت أرملة النبي و ابنة خليفته.
و في الواقع جمعت النصر من ثلاثة أطراف : لفقد كانت غرفتها الموجودة بحذاء جدار باحة الجامع هي ضريح محمد أيضا. بمقدور المرء أن ينتبه كيف يبالغ البعض في تصوير الأرملة الصغيرة و هي تنام مع زوجها المدفون تحت سريرها. للموضوع لمسة من الواقعية السحرية ، مثل مشهد من رواية بقلم غابرييل غارسيا ماركيز ، و لكن هذه ليست رواية ، و في الواقع إن عائشة لم ترقد في تلك الغرفة بعد ذلك الميقات أبدا. و لقد نقلت كل الأرامل إلى دارات خاصة بعيدا عن الجامع ، و تلقت كل واحدة منهن راتبا تقاعديا مريحا – و كان راتب عائشة أكثر من غيرها. و لم يتوجب عليها أن تنام و تتناول الطعام بحضور زوجها الميت ، و لكنها عاشت كما لو أن الأمر كذلك. لقد ناضلت بعناد لتمتلك محمدا في حياته ، و يبدو أنها ستنجح في امتلاكه بموته. و ستصبح مصدرا أساسيا للحديث – سلوك و حديث النبي ، أو السنة ، سواء كان الموضوع صغيرا أو كبيرا ، و من أعظم الأمور المبدئية و حتى أدق التفاصيل الصغيرة : متى يغتسل و كيف ، و ما نوع نكاشة الأسنان التي ينظف بها أسنانه. و في النهاية إن السنة سوف يطلقون على أنفسهم اسم أهل السنة ، و سوف يضعون يدهم على كل ذلك ، كما لو أنه لهم ، مع أن الشيعة ، في الواقع ، اهتموا بهذا الموضوع أيضا.
لا يهم كم من الأحاديث سوف تنسب لعائشة ، و هناك الآلاف منها ، لقد كان المستقبل يتحفز لإلحاق الضنك بها. طوال حياتها ، كانت تحترم بصفة أم المؤمنين ، و لكن بعد أن أصبحت ذكرى استبعدت و تحولت إلى رمز خلافي للفضيلة الجريحة. و في القرون اللاحقة ، نظر إليها رجال الدين المحافظون كمثال للشريحة التي ادعوا أنها خاصة بالنساء في الحياة العامة. هذا هو شأن عائشة المحزن حينما أصبح علي خليفة. كل شيء رفع من الاهتمام بها في عقل الناسوت : طموحها ، صراحتها ، تصميمها – سوف ينقلب عليها في العقل الإسلامي ، حتى بين أهل السنة.
و بغض النظر كم كانت صورة فاطمة شاحبة بالمقارنة مع عائشة ، و بغض النظر أنها توفيت شابة و لم تحصل على فرصة لتملي رؤيتها للتاريخ ، فقد كان الوقت و الزمن إلى جانبها. لقد أطلق عليها الشيعة لقب الزهراء ، السيدة المشعة. لقد كانت طوال حياتها بعيدة عن هذه الصفة ( المشعة ) – فهي شاحبة ، و لها حضور شخصي منحسر ، و لكن هذا لا يهم. لقد كان إشعاعها و بريقها من مصدر روحي ، إنه الضوء النقي للقداسة ، فقد كان خط من دم النبي يسري في عروق فاطمة و منها كان يهدر أيضا في عروق ولديها.
لیسلي ھازیلتون : من موالید بریطانیا. متخصصة بعلوم الأدیان و علم النفس . تعمل بالصحافة و تكتب غالبا عن الشرق الأوسط. من بین مؤلفاتھا الأخرى ( القدس ، القدس : مذكرات عن الحرب و السلام – حيث تهدر الجبال : تقرير شخصي من صحراء سيناء – نساء من إسرائيل : حقائق وراء الأسطورة ) إلخ......
المصدر:
After the prophet by Lesley Hazelton. Chapter 6 . Doubleday. epub. 2009.
الترجمة 2011
08-أيار-2021
مقتطفات من : كافكا في المحاكمة الأخرى بقلم : إلياس كانيتي ترجمة : |
17-نيسان-2021 |
03-تشرين الأول-2020 | |
12-أيلول-2020 | |
22-آب-2020 | |
20-حزيران-2020 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |