بعد النبي ( 3 ) – أبو بكر بقلم : لیسلي ھازیلتون ترجمة
خاص ألف
2011-07-16
احترم علي رغبات فاطمة، و دفنها في غياهب الليل ، كما فعل من فترة قريبة بأبيه ، ثم ، بعد أن وضعها في باطن الأرض ، قام بما كان يرفضه منذ أن تخطاه منصب الخلافة : أبدى الطاعة ، و أعلن عن تحالفه مع أبي بكر. و انتشرت عدة أقاويل تؤكد أنه فعل ذلك بسبب الحزن و حتى بسبب اليأس ، و لكن في الحقيقة كانت تضغط عليه أسباب أخرى و تحثه على ما فعل. عندما انتشرت أنباء وفاة محمد في طول و عرض الجزيرة العربية ، رافق ذلك العصيان. فعدد من قبائل الشمال و قبائل مركز المساحة المترامية لشبه الجزيرة هددت بالانفصال عن الإسلام ، أو أقله بالامتناع عن دفع الزكاة.
و كما قالوا : هذا لا علاقة له بإيمانهم و لكن بكرامة القبيلة ، فأن تعلن عن احترامك للنبي شيء ، و أن تغني دائرة قبيلة قريش شيء مختلف تماما. و كما تمنى محمد ، التزم علي بالولاء لفاطمة حتى آخر لحظة ، و الآن بعد موتها ، قال إنه سمع صوتا أقوى يدعوه لواجب ملح. و لم يعد أمامه وقت للضغينة. و يجب أن يعلن الولاء لأبي بكر في سبيل وحدة الأمة بوجه التمرد ، و في سبيل مصلحة الجماعة ، و لتجهيز جبهة صلبة ضد قوات الانفصاليين.
و لو أن هذا إعلانا منه لتقديم مصلحة الإيديولوجيا على الارتباطات الشخصية ، فليكن ذلك. في الواقع ، لقد أثنى عليه أتباعه لهذا الموقف في وقت لاحق باعتبار أنه يعكس أخلاقه النبيلة ، و فيما بعد التزم علي في جميع تصرفاته بهذه الأخلاق الرفيعة. ففضائله السامية ، كانت هي أيضا من جملة مزاياه المعروفة. مع انضمام علي لحلف أبي بكر ، اتخذ أبو بكر موقفا متزمتا ضد قبائل المتمردين. و قال علنا : " لو أنهم أمسكوا عنه زمام بعير مما كانوا يقدمون للنبي ، سوف أقاتل من أجله ". و اختار لنفسه لغة مخصصة للذم و الهجوم.
و قال إن هؤلاء عبارة عن رعاة بعير ، فهم من البدو الرحل بنظر أرستقراطية قريش المتمدينة. و إن آلاف الأشعار العربية التي ترمز لنقاء الحياة في الصحراء هي أناشيد نوستالجية ، تشبه تصورات المشاهد المنبسطة للرعاة الأوروبيين في وقت لاحق ، أو تذكر بصورة راعي البقر جون واين في الولايات المتحدة. غير أن رعاة البعير الحقيقيين هؤلاء شيء مختلف حقا. و في الواقع ، إن العدد المحدود من البدو الذين لم تمتصهم الحياة المدينية لا زالوا غير مقبولين في العالم العربي.
أعلن أبو بكر أنه باعتبار أن الضرائب تعود للإسلام ، ففكرة رفض تأديتها هو فعل يقصد منه النكوص. و باعتبار أن الحماية تشمل حتى غير المؤمنين ، لم يعد هناك مجال للارتداد ، و الكلمة الأخيرة تعني القبول بشروط الإيمان ثم الانقلاب عليها. إن مثل هذا الشخص لا يقدم له القرآن حصانة من إراقة دم المسلم بيد المسلمين. ذلك هو تابو ، الحرام بلغة الإسلام ، و لكن لأن المرتد عدو ينشط ضد الإسلام ، فإراقة دمائه ليس تابو. إنه الآن حلال – مسموح به بقوة القانون الإسلامي.
لقد أصبحت هذه الحكاية معروفة ، و كان السنة يوظفونها ضد الشيعة ، أو الشيعة ضد السنة ، أو المتزمتون ضد المعتدلين ، أو رجال الدين القانونيين ضد المتصوفة المبشرين بموقف ينتابه الغموض، و ربما بالأخص ، و على الأقل في الغرب ، وظفها آية الله الخميني ضد الروائي سلمان رشدي. أن تقول عن خصمك إنه مرتد – مارق ، و يمكن أن تفهم من هذا التعبير العربي إن " دمه حلال ". كانت حروب المارقين – حرب الردة – قاسية كما وعد أبو بكر. و خلال عام واحد ، سحقت كل أنواع المقاومة ، و خلال العالم التالي ، شرعت قوات المسلمين تضرب شمالا وراء حدود الجزيرة العربية.
و على ما يبدو أنه تحت حكم أبي بكر ، الخليفة الأول من بين أربعة يطلق عليهم السنة اسم الراشدين " الذين تبعوا الهداية " ، حقق الإسلام إمكانياته الكامنة كلها. و بعد أعوام ، و بينما كانت قواته تحضر لحصار دمشق ، المدينة التي يحكمها البيزنطيون في الشمال ، استلقى أبو بكر على فراش الموت ، و أصيب بالحمى. و سوف يكون وحده من بين زعماء المسلمين الذي يموت بأسباب طبيعية و له من العمر خمسون عاما. و في هذه المرة ، على أية حال ، لم يتطرق الشك لأحد بخصوص هوية الشخص التالي في كرسي الخلافة.
بعض السنة سيقولون فيما بعد إن أبا بكر تصرف كما لو أنه وضع جهده ليوفر على الأمة الانقسامات التي مرت بها قبل انتخابه ، و آخرون سيؤكدون أنه أراد وجود زعيم عسكري قوي في مركز القيادة لأن الفتوحات الإسلامية كانت قد بدأت. و سينظر الشيعة للموضوع بشكل مغاير ، و سيجادلون أنه كان يتحرك بضغط مباشر من غريزته المعادية لعلي و رغبته في منع وصول هذا الشاب الصغير المكافح إلى السلطة.
و مهما كان السبب ، كان البيان الصادر من سرير موت أبي بكر واضحا : لا حاجة للشورى ، و لا داعي لتجمع زعماء و كبار القبائل. لم يكن لدى أبي بكر ثقة كافية بهذا الأسلوب مع أن انتخابه كان بالتوافق.
ما العمل إذا ؟
في الأيام السابقة للإسلام ، كان هذا موضوعا بسيطا ، بمقدور أحد أبناء أبي بكر أن يرث القيادة. فقد استمرت الملكية بالوراثة لفترة طويلة عبر التاريخ لأنها أسست لخط تعاقب واضح ، و تجنبت القلق و الاضطراب الناجم عن المحادثات و الجدل و المناورة السياسية و الآلية الضعيفة و الهشة التي تعرف باسم الديمقراطية.
لقد كان الإسلام بجوهره منفتحا. و كما أكد أبو بكر نفسه حينما تخلص من تحديات علي ، إن القيادة مثل النبوءة ، لا يمكن توريثها. و لذلك قطعت عليه الطريق أسئلة لا تزال تعترض حتى أفضل التوجهات و النوايا في الشرق الأوسط : كيف بمقدور أحد أن يفرض الديمقراطية ؟ و كيف يمكن لها أن تعمل حيث لا يوجد قبول مسبق لآليتها ، باعتبار أنه لا يوجد إطار عمل واضح و مستقر لها ؟. و يمكن لك أن تقول إن أبا بكر اختار نقطة في منتصف الطريق. يجب عليه أن يعيّن خليفته ، و لكن أن يعيّنه على أساس مزاياه ، و ليس قرابته. عليه أن يختار الرجل الأفضل الذي يناسب هذا الواجب ، و لو توفرت له الفرصة لاقترح نفس الرجل الذي رشحه في الشورى قبل عامين ، و هذا بحد ذاته يؤكد كم كان على حق و صواب. و بخطوة ، يعتقد الشيعة أنها إثبات آخر على الصدام المبيت ، أقدم أبو بكر الذي يحتضر على تعيين عمر في منصب خليفة المسلمين الثاني.
مجددا ، تم إقصاء علي بالمناورة. و مجددا ، تخطاه الدور ، و هذه المرة لمصلحة الرجل الذي ضرب زوجته و هدد بإحراق بيته. و بمجرد دفن أبي بكر بجوار النبي – لقد أصبح الجثمان الثاني الذي يرقد تحت ما كان ذات مرة فراش عائشة ، أصر علي أن يلتزم مؤيدوه السكينة. و عوضا عن أن يبدي التحدي لعمر ، صعد باتجاه طريق الشرعية مرة أخرى. و لأنه أقسم يمين الولاء لأبي بكر ، التزم بكلمته ، و طبق نفس القرار على خليفة أبي بكر المعين ، مهما كانت المشاكل بينهما. و لو شك أي شخص بولائه المطلق لوحدة الإسلام ، فقد سارع بإخماده بخطوة غريبة.
بمجرد بداية فترة حكم عمر ، اقترن علي بأسماء أصغر أرملة لأبي بكر. بالنسبة للعقل الحديث ، إن الزواج من أرملة عدوه السابق يشبه خطوة انتقامية. و لكن بالنسبة لعرب شبه الجزيرة في القرن السابع ، فهذا هو النقيض تماما : إنها إشارة أساسية لرأب الصدع. فزواج علي من أسماء طريقة لمد اليد ، و شفاء جروح الانقسامات و تحويلها إلى مصالحة ، و بالنسبة لعلي ، إن قرار وقف النزيف كان عميقا : و هكذا كان تبنيه لابن أسماء من أبي بكر و البالغ من العمر ثلاث سنوات ، و بذلك فقد مد يده بالاتجاه المعاكس – نحو الصبي الذي يعتبر نصف أخ لعائشة .
و تجاه ذلك التزمت عائشة بالصمت على غير عادتها. لو شعرت أنه – علي – سرق جزءا من عائلتها ، فهي لم تترك ما يشير لذلك. و مع ذلك و عبر السنوات و مع تقدم النصف أخ بالعمر من الصبا إلى البلوغ و الرجولة في بيت علي ، كان بغضها لولائه لعلي قد أصبح واضحا. و إن الشاب الذي من المفروض أن يربط بين العدوين ساهم في توسيع المسافة بينهما . و في نفس الوقت ، كان الانقسام ينضج على مهل ، و يدخل في طور آخر بالرغم من خطوات توحيد لاحقة و غريبة.
فقد قدم علي أقوى إشارة على التئام الشمل حينما تشرف بتقديم يد ابنته أم كلثوم للزواج من الخليفة عمر. و هي أصغر حفيدات محمد.
و هكذا أثمر التحالف بالزواج عبر الأجيال و كذلك كان شأن الخلافات السياسية. كان عمر بنفس عمر محمد حينما اقترن بحفيدته. و كان علي أصغر من عمر بثلاث عشرة سنة ، و قد أصبح الآن حماه. و لو أن فاطمة تقلبت في قبرها المتواضع فذلك بسبب فكرة أن إحدى بناتها اقترنت بالرجل الذي اقتحم بيتها و ألقاها على الأرض ، و هذا الزواج هو ثمن التئام الشمل – الاتحاد. و ثمن قرار عمر بعودة جزء كبير من عقارات محمد إلى علي ، كما كانت ترغب فاطمة بالضبط.
المصدر :
After the prophet by Lesley Hazelton. Chapter 6 . Doubleday. epub. 2009.
08-أيار-2021
مقتطفات من : كافكا في المحاكمة الأخرى بقلم : إلياس كانيتي ترجمة : |
17-نيسان-2021 |
03-تشرين الأول-2020 | |
12-أيلول-2020 | |
22-آب-2020 | |
20-حزيران-2020 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |