ولحماةَ أكتبُ.
خاص ألف
2011-08-06
كيفَ أكتبُ والدماءُ تسيلُ بكثرةٍ، وبغزارةٍ أشدُّ من غزارةِ الحبرِ على هذهِ الصفحةِ البيضاءِ المُفترِشة أمامي كسهلٍ واسعٍ.
عن ماذا أكتب؟ عن حماة، تلكَ النائمةُ على أطرافِ نهرٍ ممتدٍ على طولِ خارطتي، واصلاً بين شرياني وحبلِ المشيمةِ الخاصِ بطفلٍ قد وُلِدَ للتوِ. عن تلكَ المدينةِ المسكونةِ بالجراحِ والآلامِ، عن شهداء زرعوا الأرضَ بأسمائِهم كما لو أنّهم أشجارٌ في غابةٍ تُحيي نفسها كلَّ عقدين مرةً.
عن الموتِ الملتفِ حولَ المدينةِ أكتب؟ أم عن الدمار؟ وكأنّ بها تلكَ المسكينةُ قد عقدت قرانَها على ماردٍ أخرقٍ يستمتعُ باغتصابِها كلَّ ما رغبتْ نفسُهُ بذلك. والعجبُ بأنّه يظنُ نفسَهُ يداعبُها ويمتّعُها.
ولماذا أكتب؟ أبالكتابةِ أحيي العظامَ وهي رميم؟ أم أُنزلُ ذلكَ الحِملَ من على كتفي وأقول: سلاحي القلمُ، وبماذا أستطيعُ أن أساعدَ إلا بالكلمةِ؟ أو أكتبُ ﻷمجدّ من ضحى بنفسِهِ من أجلِ مستقبلي وأنا مختبئٌ في جُحرٍ أحتمي بأوراقٍ وبشاشةٍ زرقاءَ تُوصلُني بالعالم.
أعودُ إلى ورقتي متخبطاً بأفكاري، لا أعرف أين وكيف ولماذا. أحاولُ أن أسرقَ العباراتِ فيخيّل إليّ بأنّني أرى أوجهَ الشهداءِ أمامي. أمحي الفكرةَ وأقولُ هي مجردُ تخيلاتٍ وأوهامْ. فإذا بأصدقاءٍ لي يهربُون من ضرباتِ النار. أبعدُ صورتَهم من أمامي، لا أستطيع.
أريدُ أن أكتبَ لهم شيئاً أو لنقل بشكلٍ مجرد بأنني أريدُ أن أكتبَ لحماة، وما هي حماة، أأحاولُ تعريفها هنا؟ لا لن أذكر عددَ السكانِ أو المساحةِ، لا لن أذكر تاريخَها ولا جغرافيّةَ أرضِها. ما الذي تريدُه إذاً؟ أحدثُ نفسي.
خاطبتُها ذاتَ قصيدةٍ: يا حماة كوني على خارطةِ وطني، كما البدرُ في الليلةِ الظلماءِ. لكن لم أكتفِ بذلكَ الوصف، ألا تستحقُ تلكَ النواعير أن توصفَ أيضاً؟ والدماءُ التي تسقي النباتاتِ هناك، أليس من الواجبِ عليّ ذِكرُ تفاصيلَ عنها؟ لا أعرف.
يا حماةُ اعذريني، وإن لم أكتبْ لكِ، لكن سيأتي اليومُ الذي فيه أكتبْ. ولحماةَ سأكتب
دلير يوسف
Dellair You-ssef
رئيس تحرير مجلة بدنا حل الإلكترونية
08-أيار-2021
26-شباط-2014 | |
27-آب-2013 | |
31-تموز-2013 | |
20-أيار-2013 | |
06-أيار-2013 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |