مارتن لانغو يموت مرة ثانية قصة : هيلون هابيلا
خاص ألف
2011-09-16
" اتصل أخوك ".
" أي أخ ؟".
كان خط لاغوس متقطعا.
" أخوك مارتن ".
لم تنطق راشيل لفترة طويلة. و في الخلفية استطعت أن أسمع ضجة الطائرات – كانت بطريقها لحضور مؤتمر في أبوجا. ثم قالت : " لا يمكن أن يكون مارتن ".
" لماذا لا ؟".
" اسمع. أنا على وشك الإجراءات الرسمية. سأعاود الاتصال بك قريبا ".
بالنسبة لراشيل لانغو كلمة " قريبا " لا تعني أي شيء أقل من سنة أو سنتين ، و الحكمة المرجوة من معاودة الاتصال مفقودة. قد تتصل بي فجأة لتخبرني عن صديقها الأخير أو سيارتها الجديدة أو حتى ترقية إضافية ، و لكنها لم ترفع سماعة الهاتف بنفسها. بدأت بالعمل لصالح شركة دمى صينية مباشرة بعد التخرج من الجامعة و شبت عن الطوق بسرعة في السنوات العشرة الأخيرة. و الآن تدير سلسلة من المخازن في كل أرجاء لاغوس.
انقطعت عن الاتصال لأربع سنوات ، و لم نتواصل إلا بعد أن التقيت بشريكة غرفتها – و كانت بالصدفة صديقتي – و هذا قبل أن أنتقل إلى أمريكا في عام 1995 . كانت راشيل قد بدأت للتو بمرافقة أحد زملائها الصينيين – و تكلمنا لحوالي ثلاثين دقيقة تقريبا.
سألتها : " كيف شكله ؟".
" حسنا ، إنه صيني حقا ".
" هل تحبينه ؟".
" يضحكني. أنا بحوالي الأربعين يا شارلز. و الحب ليس مطلبا أساسيا في قائمة اهتماماتي". راشيل دائما عملية. في أيام المدرسة كانت دائما تحتفظ بصديقين أو ثلاثة في وقت واحد ، فقط من باب الاحتياط.
اتصل مارتن في الساعة الرابعة صباحا. نهضت و بحثت بيدي عن الهاتف الموجود على طاولة قرب السرير ، و أنا ألعن من يتصل بي كائنا من كان. على الأغلب هذا من نيجيريا ، و على الأرجح أنهم لا يدركون أن فارق التوقيت بين نيجيريا و الولايات المتحدة يبلغ خمس ساعات ، أو أنهم لا يأبهون لذلك. كان الرقم محجوبا.
" شارلز ؟".
أجبت : " نعم ؟".
" اسمع ، ربما أنت لا تتذكرني ، و لكن من أحد عشر عاما ، أنت و أنا ، اجتمعنا في غرفة أختي في بورت هاركورت و تناقشنا حول بعض الكتب. و أنت أقرضتني رواية ، شعب سمايلي من تأليف ...".
" لي كاري . نعم. أعرف هذا الكتاب. و لكن من أنت ؟".
" أنا مارتن لانغو ، أخ راشيل ".
" مارتن ؟".
ضحك بنزق ، بقلق. و قال : " تتذكرني ، أليس كذلك؟. أخ راشيل. التقينا لمرة واحدة ".
" هل تتصل من نيجيريا ؟. إنها 4 صباحا ".
" اسمع. آسف. أنا في واشنطن المدينة. و بحاجة للمساعدة ".
" إنها 4 صباحا يا مارتن. كيف حصلت على رقمي ؟ ".
قال بغموض : " من دليل الهاتف ".
" و لكن أنا غير موجود بالدليل".
" ألم تربح سحب يا نصيب بطاقة الفيزا ".
لقد ربحت يا نصيب الفيزا و انتقلت لأمريكا من ست سنوات مضت. مثل كل شخص آخر ، كنت أبحث عن حصتي من الحلم الأمريكي ، و لم أكن أعلم إلا قليلا كم يستغرق ذلك ليتحقق. و بدرجة الماجستير في التجارة تمكنت من الحصول على عمل بصفة حارس في سوبر ماركت كبير محلي. و لكن هذا معقول. عندما اتصل مارتن كان يجب أن أنتظر لسنتين قبل أن أحصل على جواز سفري الأمريكي. كنت في الخامسة و الثلاثين من العمر ، و أعزب.
" اسمع. أنا بحاجة لمعونة. القليل من النقود و ليس الكثير. يجب أن أغادر من المكان الذي أنا فيه حاليا. هناك بعض اليهود يبحثون عني. و يجب أن لا أتكلم حول هذا الموضوع على الإطلاق ".
" اسمع . لقد تورطت في عمل يتعلق بالأحجار الثمينة و حصل احتكاك طفيف. احتكاك مع اليهود. و هذا كل ما بمقدوري الإفصاح عنه ".
" هل اتصلت بأختك ؟".
" كلا. كلا. يجب أن لا تعلم أنني أتصل بك. رجاء ".
" و لكن لو أنك بورطة...".
" ليس بمقدورها أن تسدي لي شيئا ".
كان يحتاج لأربعمائة دولار ليبتعد عن " المكان الذي وقع فيه ". فأرسلت له مائتين بواسطة الويسترن يونيون.
* * *
مباشرة من أول لقاء حصل الانسجام . كان هذا هو اللقاء الوحيد ، في شقة راشيل في بورت هاركورت. شقة بغرفة جلوس واسعة و هادئة تشرف على طريق خلفي تحف به الأشجار و هي غير بعيدة عن الكامبوس ، و مزودة بلوحات ضمن أطر و مقاعد و ستائر و سجاد و كلها باللون الزهري. كنت معتادا على التسكع في هذا الجو المؤنث مع صديقتي بولا و التي هي شريكة راشيل في المسكن. دخلت من غير استئذان لأشاهد مارتن أولا. كان يجلس قرب النافذة ، مع كتاب في يده ، و ينظر لي بنصف ابتسامة على وجهه.
قال لي : " اجلس ".
سألته عما يقرأ.
" داشيا هاميت ، الصقر المالطي ".
" كاتب ممتاز ، انتهيت للتو من الرجل الضعيف ".
" قرأته. قرأت كل كتبه".
قلت له: " أنت تحب القصص البوليسية إذا ". و كنت حينها أفكر من هذا ، لا شك أنه أحد أصدقاء راشيل الكثيرين.
" نعم. و لكن أفضل قصص التجسس. جون لي كاري مثلا ".
" أحبه أيضا. لدي نسخة من شعب سمايلي ".
" لم أقرأه ".
" يجب عليك ذلك. بمقدوري أن أعيره لك".
" سأغادر في الغد مساء ".
و هنا دخلت راشيل فالتفت إليها. و قال بنبرة أمريكية : " هيا يا أختي. كم أحب صديقك. يا له من رجل منضبط". وقفت راشيل قرب باب غرفة النوم ، و هي تهز رأسها.
" مرحبا يا شارلز. أرى أنك قابلت أخي الغبي. إنه ليس صديقي يا مارتن. بل هو صديق بولا ".
" هيا ، يمكن لي أن أكون صديقك أيضا ".
" كلا . هذا مستحيل. اخرس. لا أعلم من هو أكثر غباء ، أنت أم هو ".
توقف مارتن هنا و هو في الطريق إلى جامعته ببرلين ، حيث كان يدرس في السنة الثانية من كلية الصيدلة. في اليوم التالي أحضرت نسخة من شعب سمايلي إلى المحاضرة و أعطيتها لراشيل.
قلت : " وعدت بها أخاك".
* * *
كان تحت تأثير المخدرات. لاحظت ذلك مباشرة. و مهما كان ، هروين أو كوكائين ، فقد غير كل شيء بخصوصه. كنا قرابة دوبوان سيركل ، و قد اختار مارتن المكان. كان المطعم الإيطالي الصغير فارغا – تفصلنا عن زحمة الغداء حوالي ساعة أخرى. كان مارتن يرتدي بذة ثقيلة الأكتاف و سخيفة مع ربطة عنق ، كأنه يمثل في فيلم من فترة الثلاثينات. و كل ما ينقصه قبعة قماش خفيفة و حذاء مدبب. كانت البذة قديمة و غير مغسولة. و هي منسدلة فوق حذاء من ماركة الدكتور ماتينيس – كان الكعب باليا و ينزلق مع كل خطوة. و يا لوجهه المنفوش و المتأثر بتوالي الأزمنة. هل هذا هو الرجل الشاب الساخر و الوسيم الذي قابلته من عدة سنوات مضت ؟. كان أصلع أيضا.
قلت و أنا أكتم صدمتي به : " إذا ، ماذا لديك ؟". نظرت إلينا النادلة بطرف عينها و هي تنظف الطاولة. كان يبدو أنها ليست متأكدة ، مثلي ، ماذا تفعل حيال بذة مارتن و الإيماءات العنيفة التي يصنعها و هو يتكلم عن الليالي التي أمضاها على دكة باردة في إحدى الحدائق ، و عن الأيام التي أنفقها في غسل الأطباق في مطعم صيني ليوفر طعامه.
لقد تخلت عنه صديقته ، كما أخبرني ، و لهذا السبب جاء إلى العاصمة أولا – كان يعيش في كاليفورنيا. و قد مر عليه عام هنا. جاءت النادلة و انتظرت بعينين تنظران إلى دفترها الصغير ، و عضلاتها مشدودة لتهرب منا عند أقل إنذار. طلب الهمبرغر بالجبنة و البيرة و كعكة الجزر للتحلية . أما أنا فطلبت الشاي.
سألته : " ماذا عن اليهود الذين يطاردونك ؟".
نظر حوله و فمه ممتلئ و قال : " أي يهود ؟".
" جماعة الأحجار الثمينة ؟".
" كلا. في الواقع هم لبنانيون. عملت بخدمتهم في نيحيريا ، و قطعوا لي وعدا بأشياء كثيرة منها جواز سفر أمريكي...".
توقف عن الكلام و حرك يديه و أضاف : " هذا في الماضي. و الآن ، أنا بحاجة لبعض المعونة... و سأرد لك المبلغ ، أقسم. سأرده لك ، حيا أو ميتا. في هذه الحياة أو في العالم الآخر. أنا أسدد ديوني دائما".
" لا تقلق حول رد نقودي لي ...".
وقف بطريقة دراماتيكية و وضع يده على صدره و هو يقول : " كلا ". خفض عينيه نحوي بيأس مطلق و قال : " حيا أو ميتا. هذا وعد".
قلت له : " اجلس من فضلك". و انتبهت أن النادلة تحوم قرب باب المطبخ. فجلس و تناول الهمبرغر.
" متى غادرت إلى نيجيريا ؟".
" من فترة طويلة. مضى على ذلك فترة طويلة يا رجل. و أمضيت بعض الوقت في أوروبا ، ثم في البرازيل ، و ها أنا هنا الآن ".
" لماذا لم تتصل بأختك ؟".
هز رأسه بقوة و لم يرد.
" حسنا. أخبرتها أنني تكلمت معك ".
ألقى الهمبرغر و وضع كلتا يديه على رأسه. فانسحبت النادلة إلى المطبخ. أما هو فقد قال : " كلا ، كلا يا رجل. لماذا تتصرف هكذا ؟. آه ، كلا ، كلا ، آه ، كلا ". ثم نهض و سار نحو الباب ، ثم عاد أدراجه ، و هو يصيح : " آه ، كلا ". و بدأت أخشى أن يبدأ برمي الكراسي.
بدأت أصيح أيضا قائلا : " مارتن تمالك أعصابك. اهدأ ". و عادت النادلة إلينا مع رئيس الطباخين و مع رجل بربطة عنق و قميص. وقفت و أنا أشير لهم أن الأمر تحت السيطرة ، و ألقيت ببعض النقود على الطاولة.
قلت و أنا أقبض على ذراع مارتن : " دعنا ننصرف ". و لكنه ابتعد عني. فقلت له : " هل تريد المساعدة ؟". و استحوذ هذا على انتباهه . و هكذا غادرنا و جلسنا على كرسي قرب النافورة. قلت له : " حسنا يا مارتن. ماذا تريد ؟".
قال إنه بحاجة لبطاقة ليسافر إلى كاليفورنيا. فاستمارته للتجنس قبلت ، و عليه أن يعود إلى لوس أنجلس ليؤدي قسم الولاء . رافقته إلى مطار دوليس في 11 أيلول 2001 ، و انتظرت معه حتى تخطى حاجز التفتيش. و غادر بواسطة الخطوط الأمريكية رحلة رقم 77 في 9 صباحا ، و كانت وجهته لوس أنجلس.
* * *
قالت راشيل : " إذا أنت الآن أمريكي. تهانينا ".
قلت لها : " أحيانا أعتقد أنني ذهبت إلى أمريكا في وقت متأخر ، لذلك فأنا لست ، حقا ، في مكاني بالضبط".
ذهبت إلى لاغوس مع زوجتي و ابني لعطلة طولها شهر. و هذه هي المرة الأولى التي أزور فيها الوطن منذ سفري الأول قبل عشرة سنوات. كان شعوري مختلفا ، كأنني فقدت طريقي و انتهى بي الحال في عالم بأبعاد مختلفة ، كما كان إحساسي لدى وصولي إلى أمريكا ، في سانت بول في مينيسوتا. و لم أشعر أنه بمقدوري الحياة في الولايات المتحدة حتى انتقلت إلى العاصمة ، هناك يوجد العديد من الجماعات السوداء. كأنني في لاغوس . ما عدا أن الكهرباء لا تنقطع ، و إشارات المرور تعمل ، و رجال االشرطة ينتشرون بكثافة ، و بالأخص في المنطقة التي أقطن فيها و ما حولها.
كنا في مطعم صيني تمتلكه راشيل و زوجها ، يدعى بيكنغ بلايس ، في جزيرة فكتوريا. و قد غادرت لتعمل في شركة للدمى منذ ثلاث سنوات. لقد تغيرت راشيل أيضا بعدة طرق . أصبحت أكبر ، و على نحو واضح. و فكاها يتحركان كلما تكلمت ، و يداها تصنعان إشارات و إيماءات حقيقية. و في النهاية استأذن زوجها الضعيف بأسلوبه الخفي و غير المباشر و غادر الطاولة.
قلت لها بحرج : " لم أتكلم معك عما حصل لأخيك".
تنهدت و قالت : " أخي مات. بعد فترة قصيرة من لقائك معه في غرفتي عندما كنا في الجامعة ...".
" و لكن قابلته في واشنطن. و رافقته إلى إحدى طائرات...".
تابعت و هي تنظر لي مباشرة : " كان يعمل من أجل بعض اللبنانيين كرجل توصيل. أحجار ثمينة. حسنا ، ذات يوم هرب بالأحجار إلى لاغوس. و هي تساوي أطنانا من النقود. ملايين كما قالوا. لقد عرفوا مكانه يا شارلز و قتلوه. سمعنا هذا من الشرطة. هذا كل ما في الأمر".
" هل رأيت الجثمان؟".
" نعم. و دفناه. و بمقدوري أن أذهب معك إلى الضريح لو رغبت. من قابلته ، مهما كان ، ليس أخي ".
بذة الأكتاف الثقيلة ، المطعم ، الرحلة بالسيارة إلى دوليس و الطيران نحو لسان النار و الكارثة – ماتت الكلمات على شفتي. و لكنها رمت نظراتها نحوي من طرف الطاولة المقابل.
و أضافت للتأكيد : " أيا كان من قابلته فهو ليس أخي ".
هيلون هابيلا : مولود في نيجيريا عام 1967 . أول رواية له بعنوان انتظار الملائكة و قد ربحت جائزة كين عام 2001 . روايته الثانية بعنوان قياس الزمن صدرت عام 2007 . حاليا يقوم بتدريس الأدب في جامعة جورج مايسون في فيرفاكس بفرجينيا. متزوج و لديه أطفال.
المصدر :
العنوان : ( The Second Death of Martin Lango ) .
الكاتب : ( Helon Habila ) .
الناشر : ( guardian ) .
تاريخ النشر : . ( Wednesday 7 September 2011)
الترجمة : صيف 2011.
08-أيار-2021
مقتطفات من : كافكا في المحاكمة الأخرى بقلم : إلياس كانيتي ترجمة : |
17-نيسان-2021 |
03-تشرين الأول-2020 | |
12-أيلول-2020 | |
22-آب-2020 | |
20-حزيران-2020 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |