الحب .... و الحرب قصة : كارا نويل ترجمة :
خاص ألف
2011-09-26
تسللت يده إلى ما تحت قميصي حينما بدأت أجراس الإنذار تطن في شوارع العراق. وميض التلفزيون كان الضوء الوحيد الذي تبقى في غرفة المعيشة. لقد بدأنا بالنظر إلى المشاهد و هي تظهر أمامنا في الأخبار و ذلك لحظة غروب الشمس في الظلام الدامس.
قال جيمس حينما وطأ بقدمه على أرض المنزل في ذلك اليوم الآذاري البارد : هلا أشعلت التلفزيون؟.
" ماذا ، هل أعلنت الحرب ؟ هل رأيت هذا في الأخبار ؟ هل لديك علم فيما إذا دق النفير ؟".
عمدت إلى إيقاف جهاز السي دي الذي كان يترنم بأنغام الجاز ، و انتقلت إلى تلفزيون ، من نوع سوني.
قال لي و أنا أضغط على أزرار التحكم عن بعد : ارفعي الصوت . بالكاد أسمع.
رفعت من نبرة التلفزيون ، أعلى ، و أعلى حتى بدأ صوت الرئيس بوش يرن في أرجاء المنزل ، و ينهمر عبر الأرض الخشبية الصلبة ، و يفيض من النوافذ إلى الشارع.معا ، أنا و جيمس ، جلسنا في أحضان كنبة العشاق ذات اللون الكريمي ، و بدأنا نصغي إلى بيتر جيننغز ( 1 ) و هو يعلق على أحداث هذا اليوم: لقد بدأت الحرب. صفارات الإنذار تدق في سماء العراق. و القنابل تدك أهدافها حتى في الليل.
وضع جيمس راحته على ساقي اليسرى ، لقد سقطت فوقي كأنها عضو معطوب مفصول عن باقي أطراف جسده ، و هكذا بدأ بتدليك ركبتي.
هيمن على رؤوسنا الطير و نحن نشاهد شوارع العراق الملتهبة في بث تلفزيوني مباشر ، كان يتخلل ذلك إضاءة مبهرة و متقطعة. لم نسمع تعليقا لعدة ثوان كانت أطول من عمرنا. غاب صوت دونالد رامسفيلد . و كذلك كولن باول . و لم يتبق غير بم ... بم ...بم . ألعاب نارية في شوارع مهجورة. و عتمات رمادية لها ظل أخضر كانت تخيم على كل شيء من وراء بريق ينذر بالموت. جمود لا يقاطعه غير انفجارات الدمار و الخراب.
ثم استمعنا إلى كلمة ألقاها الرئيس على الأمة ، و كانت مسجلة في وقت سابق من ذلك اليوم.
تابعنا أيضا الشريط المتحرك الذي ينقل الأنباء حتى اللحظة الراهنة ، و هو يدور في أسفل الشاشة كأنه يعرض أسعار الصرف في سوق البورصة. باختصار كنا نراقب بلدنا و هو يعلن حالة الحرب.
سحب جيمس كيس زيبلوك ( 2 ) من جيب معطفه و أخذ منه قطعة ماريغوانا. تأملته و هو يقطع البراعم الصغيرة الجافة إلى شرائح رقيقة و صغيرة ، ثم و هو يضعها في ورق لف أبيض و ناعم. ثم أضرم طرفها بالنار.
لم أدخن نفسا واحدا منذ خمسة عشر عاما. إنه في الحقيقة ينسف دماغي. إنه السبب في كل تلك الألوان و الصور و الغشيان و تضارب المشاعر و إفلات زمام الأمور من قبضة اليد. و لكن في تلك الليلة بالذات ، لم يكن يتوجب علي أن أغادر بأي اتجاه. و ليس لدي ما أقوم به. حين بدأت يد جيمس تتلامس مع يدي كانت قوية و ثابتة. و هكذا أخذت " اللفافة المعقودة " بين أصابعه ، و رفعتها إلى شفتي.
تلاشى الوقت. و غابت سماء العراق الرمادية الخضراء. قلت له كم أنا تعيسة . قال جيمس إنه تمنى نهاية سلمية. و لكن بيتر جيننغز كان يقول " لو أنك باشرت تستمع الآن .......... ".
وضع جيمس يده على فخذي من تحت الثياب. و في تلك الأثناء كان وجه بوش يذوب بين جدران غرفة المعيشة.
تابع جيمس الكلام و هو يتقدم بأصابعه حتى وصل إلى زر تثبيت السروال الداخلي. و هنا تحولت كلماته إلى ما يشبه لهجة فيلم صور متحركة . لقد كان مثل مربي شارلي براون ( 3 ) و هو يلفظ كلماته كأنه ماء منهمر من ميزاب : وا ، وا ، وا ، وا ، وا. كانت الكلمات تخرج من فمه دون أن تعلم ماذا يقصد؟. ما هو الموضوع إذا ؟. لقد فقدت المعنى و الاتجاه عند نهايات الجملة ، و أنا أحاول بضراوة أن أستوعب كيف تقوده بداياته إلى حيث وصل.
استدرت لأنظر إليه مباشرة. كانت عيناه صافيتين، شعره أشقر ، و يرتدي قميصا أزرق داكنا من قطن رقيق.
لقد كان كتلة من العضلات المتأهبة و دخان السجائر. أصابعه الملتهبة تقدمت تحت قميصي باتجاه الصدر. و هكذا تداعى رأسي فوق الوسادة. استدار بكامل بدنه ليلتصق بجسدي و يغطيني ، و ليحجب عني شاشة التلفزيون.
تحولنا إلى ظلين من غير ملامح في علاقة اندماج ، جسدان يتعانقان ، جلد ملتهب و أصوات بكماء و صفارات إنذار عالية النبرات و صوت الرئيس بوش و بنطال الجينز الذي فتحت أزراره و انفجارات و قنابل و شفتان على صدري ثم صوت الرئيس بوش و انفجارات أخرى و خدي فوق بطنه و لحم أجساد حارة و انفجارات و أصابع في أحشائي و أجراس إنذار و ابتسامته التي ألقاها فوقي و وجهه في خضم ضباب دخاني و انفجارات ثم ظلام حالك و وميض ضوئي يأتي من السقف و تأوهات و صوت الرئيس بوش و صفارات الإنذار و تأوهاته المبحوحة مع تأوهاتي و فرقعات بعد فرقعات في أعقاب انفجارات صاخبة.
لف جيمس ذراعه حول خصري لنتمكن من رؤية التلفزيون مجددا ، كنت أهجع فوق صدره ، و سيقاننا متقاطعة فيما بينها فوق الكنبة الطويلة. كان الشريط الإخباري يدور باستمرار. و الظلام يهيمن على الشاشة. و كان الرئيس بوش في كل مكان. لذلك أغمضت عيني ، و بحثت عن يد جيمس و أنا أستسلم بالتدريج إلى هذه اللحظة من هدنة سلام عابر.
27 – 10 – 2004
* هوامش المترجم :
1- بيتر جيننغز ( 1938 - ؟ ) : مذيع تلفزيوني كندي. من أهم أعماله الفيلم الوثائقي ( لهجات من الجنوب – مخيمات من الشمال ، 1967 ) . غطى أنباء الحرب الأهلية في بيروت ، و أجرى لقاء مع صدام حسين عشية حرب الخليج. من مؤلفاته المطبوعة أيضا : ( القرن ، 1998 ) و قد صدر بالاشتراك مع تود بروستير.
2- زيبلوك : أكياس نايلون شفافة ، و ذات غطاء متميز.
3- شارلي براون : شخصية في أفلام الصور المتحركة الفكاهية. من إنتاج والت ديزني.
* نبذة عن المؤلفة :
كارا نويل : كاتبة مستقلة ، تعيش في سان فرانسيسكو ، كاليفورنيا. تقول إنها لا زالت تحاول أن تتعايش مع كابوس الحرب على العراق ، و مع سياسات بوش العدوانية.
( القصة حائزة على المركز الثالث في مسابقة " الجنسانية و السياسة " برعاية مجلة شراشف نظيفة ).
08-أيار-2021
مقتطفات من : كافكا في المحاكمة الأخرى بقلم : إلياس كانيتي ترجمة : |
17-نيسان-2021 |
03-تشرين الأول-2020 | |
12-أيلول-2020 | |
22-آب-2020 | |
20-حزيران-2020 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |