خيوط صغيرة
خاص ألف
2011-12-04
كنت أستقل الميكرو- باص لأذهب إلى منطقة في ريف دمشق حين صعد شابّان في أوائل العشرينات من العمر. في بداية الأمر لم ألتفت إليهما أو أعرهما أي اهتمام. كنت أقرأ في كتابٍ كعادتي حين أكون في ميكرو إلى منطقة بعيدة للاستفادة من الوقت وإنجاز كمٍ لا بأس به من الصفحات، و لكي لا أحس بطول الطريق.جلس أحدهما بجانبي والآخر في المقعد المقابل. في الطريق بدأ الشابان يتحدثان بشكل مختزل و شبه مشفّر و متقطّع، بنبرة فيها جرأة كبيرة و واثقة. ولأنني حشرية بطبعي لم أستطع منع نفسي من التقاط و تلقف بعض خيوط المحادثة، فأحدهما كان يريد من الثاني أن يبقى و يعتني بآخر يبدو أنه مريض جداً أو جريح، بينما الآخر يصرّ بأن هناك من يفعل ذلك عوضاً عنه و ظلّ يردد بإلحاح: بدي إطلع ..يعني بدي إطلع.إذا قرّر الشباب يطلعوا اليوم أنا طالع معهم... الأمر محسوم عندي.
كنت أرفع نظري عن الكتاب كل فينة و أخرى لأراقب انفعالات الشابين و أبتسم ابتسامة كَمَنْ يريد أن يقول: ليتكما تخفضان صوتكما قليلاً حين نظر إلي الشاب الذي يجلس في الكرسي المقابل و قال: مدام عم نزعجك شي؟! أحسست عندها و كأن الكرة صارت في ملعبي لأتلقفها و أدخل في ذلك الحديث الغريب فتجرأتُ و سألت: طالعين مظاهرة؟؟؟ ارتبكا في بداية الأمر و لمّا أحسّا بالأمان بأنني لست مندسة أو من النوع الذي يمكن أن يودي بهما إلى المجهول أو الإفشاء بسرهما ارتاحا، و بدأ كل واحد يتكلم معي بشكل ودي و منفصل. سألني الشاب الذي يجلس بجانبي: كيف عرفتِ مدام إنو عم نحكي عن مظاهرة؟ قلت: من الطريقة الملغزة و المتقطعة ثم إن المتتبع الذي يريد أن يعرف عمّا كنتما تتحدثان يستطيع أن يعرف، و صوتكما كان ليس منخفضاً لدرجة الحذر الواجب ...
قاطعني الثاني: صوتنا لم يكن عالياً، و لكنك قريبة جداً و لهذا استطعت فك الشيفرة، ثم مدام نحن ما عدنا خائفين ... هل يوجد أكثر من الموت؟؟ والله الموت ولا المذلة.
قاطعته: إخفض صوتك، هل تريد أن تبدأ مظاهرتك هنا في الميكرو؟!
أجاب بتهذيب شديد و بلهجة ودودة: إنتي بس أمري.
تبادلنا الأسئلة القتضبة بعدها، وكانا أكثر ارتياحاً لتكملة حديثهما الشبابي المنفعل.
سألتهما فيما إذا كانا يعملان في مكان ما أو صنعة ما وعرفت أنهما طلاب في الجامعة، أحدهما يدرس الهندسة و الآخر المعلوماتية، ولكنّهما توقفا عن متابعة الدراسة و يعملان في مطعم الآن.
و منذ عرفت أنهما يخرجان في المظاهرات و سؤال ألحّ علي أن اسأله استجمعت شجاعتي من ابتساماتهما وأدبهما وسألت:
هل صحيح أن المتظاهرين يتلقون نقوداً مقابل المظاهرات التي تخرج، وأن كل واحد منهم يأخذ ألفي ليرة سورية كلّما خرج في مظاهرة؟؟
قالا وبكل ثقة: هل يبيع أي شخص في العالم حياته مقابل ألفي ليرة أو مليون ليرة؟!
ثم تابع الشاب الذي بجانبي وقال: مدام عفواً ... انظري .. و أشار هنا إلى حذائه الذي بدا مهترئاً وقديماً وشبه تالف ... لو كان الأمر كذلك لاشتريت واحداً جديداً....!!!!!!!
08-أيار-2021
24-نيسان-2021 | |
13-آذار-2021 | |
19-كانون الأول-2020 | |
07-تشرين الثاني-2020 | |
12-أيلول-2020 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |