شعراء في بلاط الأسد
2011-12-16
لَّة من الشعراء المشاهير مدحوا حافظ الأسد، وكان أبرزهم على الإطلاق محمد مهدي الجواهري صاحب البيتَين اللذين لا يوجد سوري على وجه الأرض لا يحفظهما عن ظهر قلب بسبب التكرار اليومي لهما في التلفزيون السوري طوال عقدَين من الزمن، وهما: «سلاماً أيها الأسدُ/ سلمتُ وتسلمُ البلدُ/ وتسلمُ أمَّةٌ فَخَرت/ بأنك فخرُ من تلدُ».
لكنَّ قلَّةَ الشعراء المشاهير، تقابلها كثرةٌ كاثرةٌ من الشعراء المغمورين الذين تفنَّنوا في تأليه الأسد الأب وعبادته، وليس بوسعنا تعدادهم جميعاً لأنهم بالمئات، ويُشبهون تماماً زملاءهم في العراق الذين مدحوا صدام حسين وكانوا بالمئات أيضاً.
وبعض هؤلاء كتبوا دواوينَ كاملةً عن حافظ الأسد كديوان «سقط جدار النوم» للراحل حمد كامل الصالح، الذي وَقَفه على تأليه الرئيس السوري، فهو الفارس الذي «لم يحلم بهِ في الملاحم الشعراءُ»! وهو الذي كل شيء وغيره لا شيء: «فساحة المجد لم يخطر بها أحدٌ/ إلاكَ إلاكَ والباقون لا أحدُ»! وهو الذي يأمر فيُطاع: «من أنتَ؟ البلادُ الشعبُ لا أحدٌ/ إلا ولبَّيكَ! تدعونا فنأتمرُ»!
ومَن منَّا، نحن السوريين، يستطيع أن ينسى الشاعر الراحل نجم الدين الصالح، العضو الأبدي في مجلس الشعب، الذي كان لا يترك كلمةً تمرُّ في المجلس إلا ويقاطعها لإلقاء قصيدة عصماء في الأسد: «يا حافظاً للبقايا من أصالتنا/ لولا فعلت لكان العرب ما وُجدوا»؟
وإذا كان هذا الكلام قد قيل وحافظ الأسد حيٌّ يُرزق، فإن ما قيل فيه وهو ميّت لا يقل فداحة (كان حافظ الأسد مخيفاً في حياته وفي موته على السواء). فهو الميِّت الذي يُحيي بشهادة غدير شعبان ملحم: «يا غائب الجسم عن دنياك يا أسدٌ/ وحاضر الروح نحياها فتُحيينا»!
أما مانع سعيد العتيبة فقد حوَّله إلى وليٍّ يُزار قبره: «أسد العُرْب عدتَ حياً وهذا/ ليس قبراً بل إن هذا مزارُ»!
ورفعت شميس ببيتٍ واحد جزم بأن الله سيمحو ذنوبه كلَّها: «في جنَّة الخلد يا ابن الشعب والدنا/ وكل ذنب بإذن الله مغتفرُ»!
وهذا عبد الرزاق صبح يقول عن يوم موته ما يصح قوله عن يوم القيامة: «تخيَّل الناس أن الدنيا بات بها/ من الحوادث زلزال وطوفانُ/ كأنما الموت لم يجرِ على أحدٍ/ يوماً، ولا سمعت بالموت آذانُ»!
والشاعر المخلص محمد ديب دكاب سقط قلبه ما بين ركبتَيه لهول الحادثة حتى راح يُتأتئ في شعره: «سقط الفؤاد لهول ما... ما قد جرى»!
أما كوثر شاهين فقد راحت تُطالب الأبجدية بمليار حرف (وليس أقل!) كي تستطيع إيفاء الأسد الراحل حقَّه: «ماذا أقول وهل يُرثى بقافيةٍ/ من ليس يُنصفه شعرٌ ولا نثرُ/ يا ليث يعرب ليت الأبجد الهوَّزْ/ مليار حرفٍ عسى يُجدي بها الشعرُ»!
ولأن الشاعر اللبناني المعروف جوزيف حرب لا يريد أن يكون رثاؤه كرثاء هؤلاء، قام بتكليف خالد بن الوليد وصلاح الدين الأيّوبي وهشام بن عبد الملك بالجلوس معاً والتعاون في صنع إكليل يضعونه فوق رأس الأسد: «أبطال أمَّتك الماضون ما انطفؤوا/ أهدوك إكليلَ شمس عندما أفلوا/ ذا خالد ذا صلاح الدين ذا يزن/ وذا هشام وتيك الأعصر الأُوَلُ»!
وفي هذه الحومة من الدَّجَل، لا ينسى هؤلاء التبشير بالأسد الابن، فهذا أحمد محمد يُقرِّر باسم الشعب: «بشار بايعناك بيعةَ حافظ/ وجميعنا أعطى القرار ويبصمُ/ فامضِ بنا ما شئت حيث تقودنا/ ولأنت أعدلُ مَن يسودُ ويحكمُ»!
وما قاله حديثاً أعضاء مجلس «الشعب» عن أن بشار الأسد يجب أن يحكم العالم، سبقهم إلى قوله أسعد حبيب يوسف حيث جعله إماماً للحاكمين قبل أكثر من عشر سنوات: «لنا البشارُ حافظنا المفدَّى/ إمامُ الحاكمينَ وليثُ غابِ»!
ومكافأة لهم على سرعة تعديلهم للدستور في خمس دقائق من أجل انتخاب الأسد الابن، قال عنهم زكريا خلف: «يا مجلس الشعب الوفيّ بجُلَّق/ أنت القويّ بحكمة الربَّانِ»!
وبرومنسية العاشقين يصف مانع سعيد العتيبة تلك اللحظة التي قال فيها المجلس «نعم» لتوريث الأسد الابن: «حين قالوا: نعم، تغيَّب حزني/ وتجلَّى أمام عيني انصهارُ»!
وبعدما صار رئيساً استمرَّ هؤلاء في أهازيجهم ودبكتهم، وها هو خالد عواد السالم يقول: «بشار فينا سراجٌ في توقُّده/ إرادة الخير والنعمى، وننتظرُ/ نجل الضياغم في دنيا مرابعنا/ فيك التصدِّي ومنك الأصل ينحدرُ»!
لكن الأغرب من ذلك كلِّه، أتى على لسان الشاعر الراحل محسن محمد الجراح، حيث قام بالتغزُّل (حرفياً) بوجه الرئيس كما يتغزَّل شاعر بوجه المحبوب: «عشقتُ وجهَكَ يا بشارُ فلسفةً/ والعشقُ كالجمرِ يشكو حرقةَ اللهبِ»!!
«الغاوون»، العدد 45، 10 كانون الأول
08-أيار-2021
12-أيلول-2020 | |
07-كانون الأول-2019 | |
13-تشرين الثاني-2012 | |
31-تشرين الأول-2012 | |
16-كانون الأول-2011 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |