عـطـر
خاص ألف
2011-12-30
يملاها التناقض، وهي تلملم أشيائها المبعثرة على الأرض و من بين أركان الشقة.....
تمزق هذا، ترمي الآخر في سلة الغسيل، مصير هذا بائع الروبابكية؛ مستنفذة طاقتها علها تنام دون شعورا بالألم التي تمسك برأسها و عظام رقبتها.
تلقى بمحتويات خزانة الملابس على الأرض محاولة القيام معها بنفس الشيء، مع أنها المحاولة المئة بعد انفصالهم..
تنظر إليها و هي تنتقي القميص المفضل لديه.. يحب اللون الأزرق.. تشم عطره على القميص، تبتسم عندما ترى فرحته بزجاجة العطر هديتها الأولى؛ وهو الذي صار عطره الخاص، ولم يغيره برغم خلافتهما التي تنشب يوميا و قسمه المغلظ أنه لن يضعه بعد الآن.
في أيامهما الأخيرة صار يضع عطرا آخر نفرت منه و تعايشت معه... تلف القميص على جسدها و هي تغلق أزراره، تكتشف أن هناك زرا مقطوع، تبحث عن علبة الخياطة، تلعن إهماله، أخبرته ألف مره أن يضع كل شيء في مكانه، تنتبه وهي تستمع إلى صوتهما على آلة الأنسر:- الدنيا هي الشابة وأنت الجدع ........... مها .. و جميل أو العكس أللي يريحكم؛ أحنا مش هنا لو حد من صحبنا هتعرف أحنا فين لو مش صحبنا استنا لما نجي و نرد عليك..!!
رباعية جاهين و صوتهما بدا غريبا على أذنها و هي تتجه إلى غرفة المكتب.. تنظر إلى المكتبين.. لكلا منهما استقلاله لم يحاول أن يتدخل في حياتها.. لماذا حاول تهذيبه، برغم عشقها لفوضها.
تتجه إلى مكتبه تلمس أوراقه المبعثرة بنظام، لم يأخذ معه غير أورقة البيضاء و قلم ترك كل شيء خلفه حتى مسودة روايته الأخيرة و التي أوشك على إنهائها..
قديما كانت تصر على ترتيب مكتبه و وضع كل شيء فى مكانه، ليرتفع الشجار بينهم و بشكل غير عادي :- أنت حد منظم أنا بتعامل بفوضى، مالك و مال مكتبي، و بعدين أنا بعيد عن الشقة وعن مكتبك، ملكيش دعوة أنا عرف حاط كل حاجة فين.
و تمتص غضبه دائما بابتسامه و قبلة على شفته طويلة حاضنتا إيه همستا ى أذنه :- اعمل إيه مبحبش أشوف فوضى على مكتبك..
يصمت نظارا إليها ليضحك و هو يجلس على مكتبه ليعاود تنظيمه كما أراد.
لم تحاول استرجاع آخر شجار بينهما أكان بسب عطره أم فوضاه التي يصنعها على مكتبه.. كان شجار من شهور ترك على إثرها المنزل، لم تتصل به و هو لم يحاول.. استغربت من التغير الذي حدث له لم تستوعب اهتمامه المفاجأ و المفرط بمظهره و انتقائه أفضل أنوع العطور و أفخرها فى الوقت الذي كانت تعاني فيه من حالة نفسية سيئة بسب إجهاضها و موت بذرة حبهم الأولى قبل ولادته بأيام.. انطوت على نفسها و أدمنت الجلوس في غرفة الطفل – كان فتاة ـــ وهو أكثر من الخروج بمفرده.
تلمس سطح المكتب و هي تجلس على كرسيه يطغى على أنفها عطره الممتزج بجلد الكرسي.. كم تشتاقه، تقع عينها على مسودة روايته الأخيرة وهي تفتح أحد أدراج المكتب، تتفحصها... ليس لها أسم، اختياره ألاسم كان بعد إتمام العمل، أول ما يصوغ.. كان الإهداء، تقرءاه بصوت مرتفع:-
إلى..
لما.. حلم لم يكتمل
وإليها ..
لم استطع مواساتها
فكتبت متأرجحا بين اليقظة و الحلم.
تقلب صفحاتها.. لم تقدر على كمال القراءة؛ تألم مثلها، لم تفهمه ولا حاولت، فقط ابتعدت، تركها لألمها منتظرا كعادته اللحظة المناسبة. تغلق الرواية وهي تحاول وقف دموعها.. أضعته.. حبيبها و روحها.. تذكرت أن شجارهما كان بسبب خروجه الكثير و عدم اهتمامه بها، اتهمته بوجود أمرأة أخرى في حياته و لم تعلم أنها هي حلمه تخيلها عروس وهو الحبيب؛ وضع العطر لها، ساعة أمام المرآة.. وقف لها وخرج لمقابلتها و الحديث معها، مجسدا أيها على الورق،. صاحب أوراقة ، و اكتفيت بالبكاء و الانطواء على نفسك. صوت آلة الأنسر يخرجها من تلك الحالة.. وهي تحاول لملمة داخلها، يختفي الصوت، لا تجهد نفسها لمعرفة المتصل، وهي تدور في أنحاء الشقة التي تمتلئ برائحته ..
استغربت من تلك الحالة أحقا تمتلئ الشقة برائحته أم هي التي امتلأت، حتى طغى عطره عليها.. تتقوقع في وضع جنيني على الأريكة التي شهدت حبهم المتبادل بعد كل شجار عنيف بينهما أو صخب نقاش حاد حول فكرة أو مقطوعة موسيقية. تضحك في هيستريا وهي تحاول كبح دموعها، تقذف صورتهما المشتركة بأول شيء تمسكه بيدها و هي تصرخ:-
مكنتش عيزه غير حضنك يواسيني و أيدك تطبطب عليّ و تمسح دمعتي و تفاؤلك الدائم بأن كل حاجة هترجع أحسن من الأول و أن العمر قدمنا ... ليه سبتني؟!!
صوت الزجاج المحطم يملأ أرجاء المنزل تصرخ وهي تحاول تجميع نفسها؛ لم تنتبه إلى باب الشقة وهو يفتح، ويد تحيط بها و تضمها، لم تقدر على فتح عينيها المغلقة، لكنها ميزت عطره و يده الحانية وهى تحيط بها و تربت عليها، هامسا لها:- بحبك.. متخفيش.. كل حاجة هترجع زى الأول و العمر لسه أقدمنا.
* قاصة وكاتبة مصرية
08-أيار-2021
15-كانون الثاني-2012 | |
30-كانون الأول-2011 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |