لقاء عابر مع امرأة عابرة
خاص ألف
2011-12-31
لم ألتق بها من قبل ولم أتعرف عليها أو أصادفها ولو في طريق، ماهم، هي الآن في طريقي مثل لقية ٍ نادرة. امرأة جميلة تسير على شاطىء البحر لوحدها فكرت لم لا أتعرف عليها طالما نحن في هذا المكان الجميل تحت شمس كاليفورنيا اللطيفة وبحرها الخلاب ؟
كان الطقس بديعا ً حقا ً حين بادرتها قائلا ً..
- يا له من طقس ٍ بديع..
قالت - هو كذلك فعلا ً طقس بديع وشمس لطيفة..
- هل تمانعين أن نسير بضع خطوات ندردش فيها معا ً ؟
- أظنك تعاني من الوحدة، بماذا تود أن نتحدث ؟
- عن الوحدة نفسها، بالمناسبة هل تعانين أنت ِ منها ؟
- أظن بأن كل إنسان يعاني بهذا الشكل أو ذاك من الوحدة..
- ماذا عن المتزوجين والذين لديهم شريك أو شريكة عاشقة ؟
- لا فرق، الوحدة تنهشنا من الداخل، لقد إستوطنت تحت العظام
لا مفر من الشعور بها قليلا ً أو كثيرا ً..
- كل هذا بسبب التكنالوجيا، كما ترين الكمبيوتر هو الرفيق الحميم للبشر، تصوري كل الذين ألتقيهم في المقهى إستبدلوا علاقاتهم الحميمة بهذا الجهاز اللعين..
- وكيف نعيش بدون كمبيوتر، هل نعود للعصر الرعوي ؟
- لا مفر َ لنا من الحب، لنحب بعضنا هذا هو الحل..
- الحب ُ شعور ٌ جميل ٌ يكاد يختفي هذه الأيام..
- صرنا نحّن ُ الى عصر الرومانسية الجميل..
- هذا ما نشعر ُ به ربما بسبب العمر..
- العمر ؟ ربما بسبب الرهافة..
- نحن نعيش في الصحراء..
- صحراء من ماء ٍ وحجر..
- يوما ً ما نحّن الى رؤية الماء..
- التصحر وصل الى أرواح الناس..
- هل تظن بأننا موتى ؟
- موتى بلا قبور كما يقول جان بول سارتر..
- انظر الى تلك الغيمة البيضاء، هل تراها ؟
- نعم رأيتها، مابها ؟
- هي انا أسير مكللة بالبياض كعروس ٍ تـُزف ُ الى القمر..
- تبدين أحلى من نجمة، سيغار ُ منك ِ القمر..
- هل تظن ُ بأنني جميلة حقا ً ؟
- ليس ظنا ً، أنت ِ تتمتعين بجمال ٍ من نوع ٍ خاص..
- ماذا تعني جمال من نوع ٍ خاص ؟
- جمالك ِ فيه مسحة ملائكية، ليس من النوع الشهواني..
- لكنني امرأة حارة، في دمي بروق وحرائق وبراكين..
- ومن قال بأن الملائكة بلا شهوات ؟
- الذين صعدوا الى السماء لم يروا ملائكة هناك..
- الملائكة تسير على الأرض بثياب ٍ من حرير..
- وهل تظن بأن النساء من جنس الملائكة ؟
- أحيانا ً يخطر ببالي بأن المرأة ملاك ٌ هبط من السماء، لولاها يبدو العالم قاحلا ً والحياة ُ سجنا ً لا يُطاق ُ..
- المرأة ملاك لمن تحب ُ وشيطان لمن تكره.. لكن قل لي كم امرأة أحببت في حياتك ؟
- لو أردت ِ الصدق، أحببت ُ امرأة واحدة لم ألتقيها بعد..
- ماذا تعني بإنك لم تلتقيها بعد ؟
- امرأة لم تولد بعد..
- وهل تسمي هذا حبا ً ؟
- ماذا أسميه إذن ؟
- سمه ُ ما شئت إلا حب..
- أسميه ُ حبا ً لأنني أشعر به وأحس، كذلك إني أعيش من أجل هذا الحب..
- مالذي يمنعك أن تحب امرأة حقيقية من لحم ٍ ودم ٍ ؟
- لا أدري، ربما لأني أرى صورتها ترتسم على وجوه كثير من النساء فلا اكاد أميز من هي محبوبتي بالضبط ؟
- وماذا تفعل حين ترى صورتها مرسومة على وجه امرأة تراها وأنت سائر في الطريق ؟
- أستوقفها وأتحدث معها كما أفعل الان معك..
- وأذا لم تستجب لك تلك المرأة، ماذا تفعل ؟
- أعود الى بيتي بنصف خيبة..
- نصف خيبة.. لم لا تسميها خيبة ً كاملة ؟
- لأنني رأيتها على الأقل، في البيت أكمل حواري معها..
- وهل تزورك في بيتك ؟
- نعم، في أحلام يقظتي، هي لا تفارقني ولا للحظة ٍ واحدة..
- كم هي محظوظة تلك المرأة الشبح..
- هي حين تأتي، تطرق بابي بلطف وتدخل بعد أن أفتح لها الباب سائرة ً على أطراف أصابعها يفوح منها العطر..
- وهل تسمح لك بلمس جسدها أو تقبيلها مثلا ً ؟
- لا، لو حاولت لمسها تختفي ولا يظل منها أثر..
- بدلا ً من الظل، عليك أن تختار امرأة لا تختفي من لمسة ٍ
كما تفعل صاحبتك الخيالية..
- أنت ِ ستختفين أيضا ً حتى دون لمس..
- أنا أختفي لأنني امرأة عابرة ألتقيتها في لقاء ٍ عابر..
- ماذا أفعل وكل النساء عابرات التقيهن في مقهى أو بار ٍ
أو هن يتنزهن في الطريق ؟
- أبحث عنها وحين تجدها تشبث بها ولا تدعها تفلت من بين
يديك لأنك لو أردت الإحتفاظ بها سوف لن تختفي من لمسة..
- أدعوك ِ لرؤية شقتي تشربين كأس نبيذ فاخر بعدها تذهبين
ما رايك ؟
- تدعوني لكأس نبيذ أم تود التمتع بجسدي.. قل الحقيقة أرجوك.
- هي دعوة مفتوحة، نشرب فيها كأس نبيذ وأذا راق لك ِ البيت وصاحبه لم لا نسرق المتع من الحياة البخيلة ؟
- ماذا لديك في البيت سوى النبيذ ؟
- لدي كل ما ترغبين به، النبيذ والموسيقى والدفء وكل مايجعل الحياة أكثر بهجة..
- ماذا عن الحب ؟ كيف أستسلم لرجل دونما حب ؟
- لننسى أمر الحب ونستمتع بالحياة.. ولا تنسي بأن ممارسة الحب حب ٌ أيضا ً..
- لا أنسى الأمر الجوهري في حياتي..
- لا أعني ان تمحي الحب من حياتك لكنه أمر ٌ قد يحدث في كل دقيقة..
- أنا كائن ولد ليحب ويتنفس الحب في كل دقيقة ٍ من حياتي..
- ماذا نفعل حين لا يأتي الحب ؟ ما علينا سوى ان ننتظر..
- لا أستطيع احتمال مجرد كوني امرأة عاطلة عن الحب..
- بعض الأشجار لا تحمل ثمرا ً لكنها تظل أشجارا ً..
- أستطيع أن أحتمل كوني امرأة عاقر لكني لا استطيع تخيل قلبي أرض جرداء لا ينبت فيها الورد..
- جميل منك ِ لو تدعيني للدخول الى واحة قلبك ِ والأجمل أن تسمحي لي بقطف وردة ً حمراء منها..
- قلبي واحة مسيجة بجدران ٍ عالية ٍ وليس هو منتزه عام..
- في الليل حين تنامين سأتسلل الى مخدعك ِ متسلقا ً تلك الجدران العالية، سأدق على جدران قلبك ِ بلطف وستفتحين لي الأبواب حينها...
- حينها يقبض عليك الحراس ويودعونك السجن بتهمة التسلل الى بيت ٍ ليس بيتك وستحاكم كلص..
- سوف لن يرونني، سأجيء على هيئة حلم، من يستطع القبض على الأحلام ؟
- شرطة ملاحقة الأحلام بالطبع..
- دعيني أمسك بيدك ِ ولو للحظات..
- لا أرجوك لا تفعل، لكن دعني أقول لك شيئا..
لا تحك ِ قصتك للغرباء..
- لا طاقة لي عليها، أحكيها كي لا أنسحق تحت وطأتها..
- لا تحكها كي لا تتحول الى مهزلة..
- ليكن، كل قصة ٍ أولها مأساة وآخرها مهزلة..
من خلال نافذة الباص الذي حمل أمتعته البشرية من سجن صيدنايا الى مدينة دمشق لمحت وجوه الواقفين على الرصيف ينتظرون سيارات تقلهم الى وظائفهم. كان الوقت صباحا ً والطقس باردا ً رغم إنا كنا في نيسان أقسى الشهور وأكثرها شبقا ً ففيه تتفتح الرغبات مع تفتح الزهور وتنكأ ُ العواطف ُ وتشتعل شمس الأجساد المهجورة وتـُفتض ُ بكارة الأحلام وتـُقام ُ الأعراس ُ البدائية حيث يستيقظ ُ الحب في المخادع وتـُضاء ُ الليالي بمداعبات ٍ وقبل ٍ وعناق ٍ ماجن. كانت تلك النافذة هي مساحة الحرية المسموح لي من خلالها التحديق بالعالم وإكتشافه من جديد. كان قد مضي على وجودي في السجن - سجن تدمر الصحراوي الرهيب - عشرة أعوام ٍ كاملة تـُضاف ُ إليها بضعة شهور إنقضت مابين صيدنايا وعدرا والعودة لقبو المخابرات العامة في كفر سوسة ومركز الترحيل في مخيم فلسطيني، رحلة حلزونية ودائرية وأفقية وسياحة ليست شيقة فحسب بل مرهِقة وكئيبة مابين سجون بلاد الشام الأكثر من المنتزهات وملاعب الأطفال لم أتعلم منها سوى الشقاء والبؤس والألم. عبر النافذة أبصرت وجه المرأة بعد أن غاب عني وجهها حتى كدت ُ أنسى ملامحها وشكلها ونبرة صوتها كما نسيت أشياء أخرى جميلة. الشعور الذي إنتابني غريب ٌ لا يمكن وصفه. بدا لي وجه الأنثى ليس فاتنا ً ولا هو يمنح ُ إنطباعا ً بالألفة ِ والإرتياح المعتاد. إحساس يفوق الوصف كنت واقعا ً تحت سطوته لا كميت ٍ إستعاد حياته ولا كالمحروم عوضه ُ الله أياما ً أجمل وإستبدل حرمانه بالإمتلاء، كان وجه المرأة، ملامحها، ثيابها وقفتها في الشارع، هيئتها ومظهرها لا أستطيع أن أصفه سوى بالصاعق ِ كونني كنت في حالة ٍ من الإنسحار مدمرة ً فعلا ً.
لا أدري من ْ منا الذي هبط من كوكب ٍ آخر أنا أم المرأة ؟ لم أر َ من قبل كائن بفتنتها يشي بحضورها. كانت المخلوق الغريب الذي مجرد رؤيته تـُثير ُ قشعريرة ً في الجسد. كانت عيناي لا تستقران على النظر وهما مفتوحتان على إتساعهما غير مصدقتين. كان بصري يرتد حسيرا ً كمن يحدق في ضوء الشمس وقت سطوعها. عينان زائغتان وفكر مشوش ودماغ في الرأس لا يكاد يستوعب ما يجري كيف لم أر مخلوقا ً على هيئة أنثى كاملة القوام من قبل ؟ أهي نبتت في بستان الدنيا كفاكهة جديدة أو نوع آخر من الزهور النادرة تفتحت في الربيع وعلى أرض الشام أم هي واحدة من المعجزات التي حلت على العالم بغيابنا نحن المدفونين تحت الأرض لأعوام ٍ طويلة ؟ لا يعرف هذا الشعور المعِذب إلا من حُرم َ طويلا ً طويلا ً جدا ً من الحياة ومُنع من التمتع بجمالها وبأجمل مافيها وليس أجمل ولا أبهى من المرأة مخلوقا ً على الأرض.
كاتب من العراق
08-أيار-2021
16-آذار-2014 | |
07-كانون الثاني-2014 | |
14-حزيران-2012 | |
20-أيار-2012 | |
30-نيسان-2012 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |