هل أصبح العنف مفردة حياتية؟
خاص ألف
2012-01-10
تثير الأحداث الراهنة التي تمر بها المنطقة العربية والاسلامية, جملة من الأسئلة الحيوية عن مسائل في غاية الأهمية تمس حياتنا وتؤثر في قراراتنا وآرائنا وتوجهاتنا, وخير متال على ذلك ما تنقله لنا القنوات الفضائية من أخبار وصور تمتلأ بالمشاهد العنيفة والصور المقززة, التي كانت لزمن قريب تحذف بالمونتاج أو يتم تحذير المشاهدين قبل بثها, حتى أصبحنا نألف تلك المشاهد شيئاً فشيئاً, بتعبير آخر تحوّل العنف إلى مفردة يومية يتم تداولها على مختلف الأصعدة. فما تعريف العنف؟ وما مدى تأثيره في حياتنا؟
العنف في معناه اللغوي ضد الرفق وعنفوان الشيء أوله وهو في عنفوان شبابه: أي قوته, وعنّفه تعنيفاً: لامه وعتب عليه. فالعنف في اللغة هو كل قول أو فعل ضد الرأفة والرفق واللين. قال شكسبير واصفاً الحياة, على لسان مكبث: " وغداً وغداً وغداً وكل غدِ يزحف بهذه الخطى الحقيرة يوماً إثر يوم حتى المقطع الأخير من الزمن المكتوب, نرى أماسينا وقد أنارت الطريق للحمقى والمساكين طريق الموت والتراب, ألا انطفئي ياشمعة وجيزة ما الحياة إلا ظلٌ يمشي ممثل مسكين يستشيط ساعته ويتبختر على المسرح ثمّ لا يسمعه أحد, إنها حكاية يرويها معتوه ملؤها الصخب والعنف وفي النهاية لا تعني أي شيء ". السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: هل سيلازم العنف البشرية على الدوام, أم إن الأمر لايعدو أن يكون مرحلة من مراحل تأريخ الانسانية وقد يتسنى لها تجاوزها في يوم ما إلى عالم خالٍ من العنف. قبل أن نصل إلى موضوع أساسي وهو العنف وتأثيره على الأطفال, نلقي مزيد من الضوء على قضية العنف بشكل عام, ونتوقف مع ما قاله بعض من تطرق للعنف من المفكرين والعلماء. نبدأ من (كارل ماركس الذي قال "الحروب كالنار تجلي صدأ الشعوب". يقول عن العنف: إن تاريخ المجتمعات كان حتى أيامنا تاريخ صراع الطبقات, وإن العنف ينجم عن تحول بنية لاعنف فيها "الملكية التجارية" لأسباب اقتصادية إلى بنية عنيفة هي "الملكية الرأسمالية ", وينتهي هذا التطور برأي ماركس إلى وضع عنيف, هو فقدان العامل ملكية عمله واستغلال الرأسمالي لنتاج عمله. عند هذا نجد أنفسنا في وضع عنيف ولذلك فإن العنف في نظر ماركس "يلعب دوراً هاماً في التاريخ فكل مجتمع قديم يحمل في طياته مجتمعاً جديداً والأداة التي تحمل الحركة الاجتماعية بواسطتها مكانها وتحطم أشكالاً سياسية جامدة وميتة". أما عالم النفس فرويد وهو الأكثر شهرة في مجاله فيقول "الطبيعة من حيث كونها أحد أصول الانسان حاضرة أبداً فيه, بما فيها عدوانيته التي تدين, مع ذلك بامكان ظهورها للثقافة وحدها وبذلك تكون الطبيعة العدوانية ظاهرة ثقافية تتأصل جذورها في المستوى ماقبل الثقافي الذي هو نقطة التلاقي بين الطبيعة والثقافة, وإنه يمكن وضع العدوانية في خدمة الحياة والموت على السواء ". أما عالم الاجتماع "دوركهايم" فيقول "إن أُولى خصائص الحياة الاجتماعية هي الإكراه الذي يعتبر مقياساً يستدل به على ماهو اجتماعي أو غير اجتماعي, وإن المجتمع ليس لوحده هو الذي يمارس الإكراه بل إن الأفراد يتهمون بممارسة العنف حيال المجتمع عندما يرفضون الانصياع لهذا الإكراه". كما يرى علماء الاجتماع إن كل مجتمع هو مجتمع ضاغط, وفي الغالب عنيف. وإن أسباب العنف لم تتناقص في حضارتنا بل تفاقمت. ولم يستبعد الاقتصاديون العنف من مجال بحوثهم فقال كثيرون منهم إن العنف يكمن في صميم العملية الاقتصادية وإن التفاوت في توزيع الثروات يؤدي لا محالة إلى الصراع والعنف لأن التنافس بين الأمم يدفع كلاً منها لتخص رأسمالها بأعظم الأسواق ثروة, وربما لها السبب تقود الامبريالية إلى الحرب. إن العنف يكمن في التعسف وفي الظلم الموصوف وفي الاستغلال الصارخ وكما يكمن العنف في التعسف الداخلي يكمن في المشروع الرأسمالي وفي السياسة الاقتصادية الوطنية وفي العلاقات الاقتصادية الدولية, بحيث يمكن القول إن تفسيراً اقتصاديا للعنف لا يمكن أن يجهل أن مايسعى إلى تفسيره هو بالضبط هذا الذي لا يمكن رده للعقلانية الاقتصادية, والذي يضعها في موطن التساؤل."1" بعد التعريف بالعنف ندخل الآن عالم الأطفال وتأثير العنف في حياتهم, نبدأ بالتعرف على حقوق الأطفال في التشريع الدولي فقد عُرّف الطفل حسب اتفاقية حقوق الطفل التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة (بوجب قرارها المرقم 44/25 المؤرخ قي 20/11 /1989) في مادتها الأولى, بأنه كل انسان لم يتجاوز الثامنة عشرة, ونص المبدأ الثاني أنه يجب أن يتمتع الطفل بحماية خاصة, وأن يمنح بالتشريع وغيره من الوسائل, الفرص والتسهيلات اللازمة لإتاحة نموه الجسمي والعقلي والروحي والاجتماعي, نموا طبيعيا سليما في جو من الحرية والكرامة, وتكون مصلحته العليا محل الاعتبار الأول في سن القوانين لهذه الغاية. وقد نص كل من المبدأ السابع والثامن والتاسع على إن للطفل حق في التعليم, وتمكينه على أساس تكافؤ الفرص, من تنمية ملكاته وشعوره بالمسؤولية الأدبية والاجتماعية, ومن أن يصبح عضوا مفيدا في المجتمع, ويجب أن تكون مصلحة الطفل العليا هي المبدأ الذي يسترشد به المسؤولون عن تعليمه وتوجيهه. وتقع هذه المسؤولية بالدرجة الأولى على أبويه, وأن يكون في جميع الظروف بين أوائل المتمتعين بالحماية والاغاثة, وكذلك نص المبدأ العاشر بأنه يجب أن يحاط الطفل بالحماية من العنف والممارسات الوحشية والحروب التي لا تحمل في أحشائها سوى الألم والموت والمعاناة للأنفس البريئة. حيث تتعلق هذه الأيام أعين الجميع صغارا وكبارا بشاشات الفضائيات لمتابعة أخبار الحروب والنزاعات والثورات والقمع, التي تدور رحاها في عدد من البلدان. ولكن هناك ما نشاهده وما لا نشاهده, فما نشاهده هي تلك الصور المؤلمة للمصابين والقتلى والدمار, وقد يكون الزمن كفيل بتجاوزها ونسيانها, وما لا نشاهده ولا يمحوه كرّ الجديدين وتعاقبهما هو الأثر النفسي الذي ستتركه هذه الحروب بداخل كل من عاصرها وعايش الرعب والقلق وفقد الأعزاء, فالسلاح الأكثر فتكا في هذه الحروب هو التدمير النفسي الذي يدمر التوازن النفسي للمدنيين وعلى وجه الخصوص الأطفال. ولعلنا في العالم العربي لا نعطي اهتماما كبيرا بالرعاية النفسية المطلوبة لاحتواء ردة فعل الصدمات على الأطفال أثناء الحرب في حين ان غالبية المختصين يؤكدون إن أخطر آثار الحروب هو ما يظهر بشكل ملموس لاحقاً في جيل كامل من الأطفال سيكبر من ينجو منهم وهو يعاني من مشاكل نفسية تتراوح خطورتها بقدر استيعاب ووعي الأهل لكيفية مساعدة الطفل على تجاوز المشاهد التي مرّت به. ففي الفترة من 1989م، حتى نهاية القرن عام 2000م كان هناك 111 نزاعاً مسلحاً في 74 موقعاً حول العالم، ويصنف الخبراء هذه النزاعات طبقاً لحدتها، فبعضها صغير (15 نزاعاً عام 1989م) ارتفع إلى 23 عام 1992م وانخفض إلى 9 عام 2000م، أما النزاعات التي يمكن وصفها بأنها وصلت إلى مرحلة الحرب، فقد بلغ عددها 18 عام 1989م انخفضت إلى 12 عام 2000م، وبالنسبة إلى جميع النزاعات فقد وصل عددها في هذه الفترة إلى 111 نزاعاً (47 عام 1989م، انخفضت إلى 33 نزاعاً عام 2000م)."2" إن النزاعات المسلحة تنتهك جميع حقوق الطفل بما فيها الحق في الحياة، والحق في الوجود ضمن عائلة ومجتمع، والحق في الصحة والحق في النمو، والحق في الرعاية والحماية، ويتأثر الأطفال بالنزاعات المسلحة بطرق عدة، منها: مشاركتهم فيها كجنود، وقد طوّرت الجماعات المتحاربة طرقا وحشية ومعقدة لفصل الأطفال وعزلهم عن مجتمعاتهم. ومن بين تأثيرات مشاهد النزاعات المسلحة في التلفزيون أن الأطفال يدخلون إلى عالم الكبار قبل الأوان ويتعرفون إلى أساليب من طرق حياتهم لا يمكن التعرف عليها لولا التليفزيون، لذا فإن تلك المشاهد تزيد من اقتحام الأطفال عالم الكبار، وهو عالم غريب في ثقافته عن عالم الأطفال. كما إن هناك موضوع في غاية الأهمية في حياة الأطفال ألا وهو أفلام الكرتون وتأثيرها على سلوك الأطفال الذين يتسمّرون أمام التلفاز لمشاهدتها لساعات, بل صارت تأخذ الجزء الأكبر من وقتهم وهناك محطات خاصة بالكرتون أكثرها باللغة العربية لاستقطاب الصغار وهذه المحطات وهذه الأفلام هي التي تربي أكثر الأطفال اليوم• ولكن كيف تربيهم؟!
لقد حذّر باحثون من أن الأطفال بين سن عامين وخمسة أعوام الذين يتابعون مشاهد عنف بالتلفزيون لمدة ساعة في اليوم يزداد عندهم احتمال أن يتسموا بعدوانية شديدة في مرحلة لاحقة من طفولتهم ولكن هذا الاحتمال قد لا يثبت عند الفتيات• وقال الدكتور ديميتري كريستاكيس معد الدراسة وهو بمعهد الأبحاث التابع لمستشفى سياتل للأطفال "إن هذه الدراسة تقدم دليلاً آخر على مدى أهمية التلفزيون ووسائل الإعلام خلال فترة نمو الأطفال. وقال كريستاكيس في مقابلة تلفزيونية "من بين 481 طفلاً - شملتهم الدراسة - كان يعاني 52 طفلاً من مشكلات خطيرة ترتبط بالعنف، وكانوا يشاهدون مشاهد عنف بالتلفزيون لمدة ساعة واحدة على الأقل يومياً في المتوسط وأن احتمالات (تصنيفهم) بهذه المجموعة كانت أرجح ثلاث مرات عن أولئك الذين لم يشاهدوا مواد عنف. وحلل كريستاكيس وفريقه البحثي عادات مشاهدة التلفزيون والفيديو لدى 330 طفلاً تتراوح أعمارهم بين عامين وخمسة أعوام ثم قاموا بتقييم سلوكهم بعد خمسة أعوام، ونشر الفريق نتائج البحث في دورية طب الأطفال لاحقاً•
وقال كريستاكيس إن العديد من الآباء ليسوا على دراية بأن العروض وألعاب الفيديو التي يشاهدها أطفالهم تنطوي على عنف أو غير مناسبة لفئتهم العمرية• وأضاف إن "الأطفال في هذا العمر لا يستطيعون التمييز بين الخيال والواقع ويحتاجون لشرح" وتابع "يتعلم الأطفال من العنف بأفلام الرسوم المتحركة أن العنف مرح وليس له عواقب• ولذلك عندما تدمر رأس شخص في فيلم رسوم متحركة وتعود فجأة -سليمة- ويضحك عليها الأطفال فإنهم يعتقدون بالفعل أنه ليست هناك عاقبة خطيرة من ضرب شخص ما في رأسه وهو بالطبع أمر غير صحيح في عالم الواقع, وختم كريستاكيس قائلاً: "لم تثبت علاقة بين مشاهدة مواد عنف وسلوك شديد العدوانية بين 641 فتاة شملتهن الدراسة اعتدن على مشاهدة المزيد من العروض التعليمية والخالية من العنف عن الأطفال تأثير تراكمي وفي إطار متصل أثبتت العديد من الدراسات أن تأثير مسلسلات الكرتون على الأطفال يكون تأثيراً تراكمياً أي لا يظهر هذا التأثير من متابعة هذه المسلسلات مدة شهر أو شهرين، بل هي نتيجة تراكمات يومية تؤدي إلى نتائج عظيمة، فكيف هو الحال إذا كانت هذه المسلسلات تعرض كماً كبيراً من العنف والخيال والسحر ونسف المبادئ الاخلاقية، وكيف ستكون هذه النتائج عندما تعلّم هذه المسلسلات الأطفال أساليب الانتقام وكيفية السرقة وكل ما يفتح لهم آفاق الجريمة. وفي دراسة أفزعت القائمين عليها حول العنف الناتج عن أفلام الكرتون من خلال 4 قنوات تلفزيونية فقط وليس الكل وإذاعتها لـ 21 برنامجاً للأطفال أسبوعياً فكانت النتيجة كالآتي:
أربعة حالات انتحار في هذه البرامج, 72 معركة بالأيدي وأضعافها بأسلحة خرافية, 22عملية اغتيال, 12 مشهد نزاع• وقمة الخطورة تتمثَّل في معايشة الطفل لهذه الأفلام بعد عملية المشاهدة من مضمونها لوصول الطفل إلى هذه المرحلة من التشبه بأبطال هذه الأفلام والتعايش معها خيالياً مما يجعله يفقد جزءاً مهماً من الحقيقة من خلال وضع الواقع والخيال في ميزان واحد وعدم التفريق بينهما، وهذا ما يُسمى - درجة التوحد-، حيث يتصور الطفل نفسه محل هذه الشخصيات الكرتونية فيسير على منوالها، ويسلك سلوكها، ويعتنق أفكارها وآراءها، وبالتالي إيجاد فجوة بين الطفل وواقعه المتمثل في عائلته ومجتمعه غير آبه بمصلحته الشخصية ودوره ومشاركته مع الأهل في حياتهم اليومية، ويميل للعزلة التي يجد نفسه فيها مع أبطال تلك الأفلام الخرافية وتكسو هذا الطفل سلبية وكره لمجتمعه وكذلك الميل نحو الشر بدلاً من الخير•.
08-أيار-2021
21-تشرين الثاني-2013 | |
16-تشرين الثاني-2013 | |
05-تشرين الثاني-2013 | |
26-تشرين الأول-2013 | |
15-تشرين الأول-2013 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |