الحرب على الإرهاب و التفسير الوجودي للسياسة / ترجمة
خاص ألف
2012-02-12
الحرب على الإرهاب و التفسير الوجودي للسياسة : 1 - نظرة على تحليل فوكو للعرق و السلطة و السيادة
حتى في المجال الذي يمكن إضاءة أسراره بمنهج فوكو التحليلي بالاعتماد على مفهوم السلطة و العرق و السيادة، من الضروري أن نضع حدودا لذلك المنهج لنتمكن من تقدير الأشكال الأخرى التي تعبر بها أشكال العرق عن نفسها. و ترسم أحداث 11 أيلول 2001، التي بدأت بشكل اعتداءات ضد رموز اقتصادية و تجارية و ضد رموز المجد السياسي للولايات المتحدة، سلسلة من ردود الأفعال التي بادرت بها دولة الولايات المتحدة تحت عنوان" الحرب على الإرهاب". لقد كانت الألفية الجديدة مدخلا واسعا لتدابير تأتي في باب إدارة صناعة الإرهاب، و يتضمن ذلك سلطة رقابية و تنظيمية فرضت على التكنولوجيا. و كانت الغاية وضع قوانين للإرهاب و التكهن بالإرهابيين المحتملين، و لذلك أوجدت حكومة الولايات المتحدة ( 1 ) مجموعة من القوانين و السياسات و التدابير التي تشمل نماذج سياسية و قانونية متجددة تقوم بتأمين حماية مسبقة تبطل أثر كل أنواع العنف الموجه ضد الأمان السياسي و النفسي و ضد سلامة الجسد ( 2 ).
و هذا يشمل التعذيب و الاحتجاز و انتزاع المعلومات و التصنيف العرقي على أساس التجريم. و عدد من القوانين التي تتحكم بهذه الممارسات قد نجحت في تقسيم المجتمع على طول خط الأعراق الجديد حيث أن المسلم يكون بمواجهة غير المسلم، و هو خط واضح مباشرة و لكنه يعاني من الغموض في تعريفه و تحديد ماهيته. هناك صياغة شبه مباشرة و قد تغمدتها إدارة الرئيس بوش برعايتها و إشرافها ، و ذلك بتأثير معسكرات الاعتقال في غوانتانامو حيث تم احتجاز مقاتلين من صفوف الأعداء الذين حازوا على هذا الاسم مؤخراً (3 ). و على امتداد عشر سنوات احتجز هذا المعسكر ما يقارب ٨٠٠ رجلا من مختلف الجنسيات ( 4 ) و كان يغلب عليهم أفراد من بلدان الشرق الأوسط ، و بشكل أساسي لم يكن يلم شملهم غير حقيقة واحدة : أنهم مسلمون، و لكن كان يجمعهم ، كما ساد الاعتقاد، أنهم مشتبهون بالعمل لدرجة معينة لمصلحة منظمة إرهابية واسعة الانتشار و غير مترابطة و تعرف باسم ( القاعدة).
و توجب هنا اعتبار المقاتل المعادي مختلفا عن سجناء الحرب، و بالتالي، يجب التعامل معه بعيدا عن روح اتفاقيات جنيف. و بفترة قصيرة قبل تأسيس المعسكر، أقر مجلس الشيوخ الأمريكي قانون المواطنة الأمريكي رقم 6 ، و هو قانون خول السلطات القيام بمجموعة من أساليب الرقابة العامة و أجاز سياسة التوقيف، و ذلك ظاهريا على خلفية العمل الإرهابي المحتمل، و لكنه في الواقع طبق على أشخاص مسلمين من بين الذكور و الإناث، و على ناشطين سياسيين من مختلف المصادر، و على المجتمع بمعناه الواسع على فرض إلحاق الضرر بالدولة بشكل من الأشكال. و في وقت لاحق، قام الجيش الاتحادي بغزو العراق ، و سمعت شعوب العالم كلها عن التعذيب و جرائم أخرى ارتكبت في سجون أبو غريب و باغرام، و قد وقفت مع حكومة أمريكا عدة دول في العالم. لقد اتصفت هذه الحقبة بهذه الممارسات، و التي حملت عنوان" الحرب على الإرهاب"، و كانت تتضمن زمرة من إرهاب الدولة و الرعب و التشريعات المرتبطة به، و انصب ذلك جوهريا على الأمم الإسلامية و على أفراد ينتمون للإسلام السياسي.
و السؤال الآن لإضاءة بعض الأفكار التي برزت في ظل التطورات المتعاقبة بعد أحداث 9 – 11 - 2011، يمكن صياغته بالشكل التالي:
أولا، ما هي العلاقة بين السيادة و السلطة؟. و يبدو أن كتابات فوكو عن الترابط بين السيادة و السلطة تختلف من نص لآخر، حتى أنه من العسير أن توضح هل كان يعزو بشكل محدد دور السيادة لأية علاقة مع السلطة.
ثانيا، بينما كانت السلطة السيادية المركزية ، على الأقل في مقالته" المجتمع و واجب الدفاع عنه"( 6 )، قد أزيحت بتحليل قدمه فوكو عن السلطة، فإن السؤال لا يزال موجودا : ما هي دوافع أو مؤسسات ممارسة السلطة.
و حتى لو أنها قابلة للتداول بذاتها ، تبقى السلطة الرقابية و المنظمة ذات مصدر أو أنها تعود لمرجع سلطوي من نوع ما. و يبدو من غير المجدي أن تسقط مجسمات السيادة على تحليل السلطة الاجتماعية ( البيو سلطة)، و ذلك بهدف تقدير تلك الأشكال التي تتخذها الاتجاهات العنصرية بمحاذاة تلك التي كتبت بواسطة البيو سياسي، و لكن على مستوى أخلاقي.
وأخيرا، من المفيد أن نفسر المقصود بالسياسة - الأونطوقية - ، و التي تضع في المقدمة دور السلطات السيادية في تحديد الانقسامات بين الأعراق. إن مثل هذه الانقسامات تتحقق بمعايير الثقافة و السياسة و الأخلاق، و لكن بلا أساس بيو سياسي. و هي كلها تسهم في تعميق أو تحديد البيو سياسي و تكتب على مستوى الأونطوقي أو مستوى الأخلاق الوجودية.
العرق و البيو سياسة :
البيو سياسة ( 7 ) بعبارة واضحة هي العدسة المكبرة الضرورية و التي نتمكن بها من تقدير كيف ندير السياسة ، و قد انتشر ذلك في القرن العشرين. و باعتبار أنها تكنولوجيا منظمة ( 8 ) إن مجال البيو سلطة يبدو للكائنات البشرية بشكل أجناس، و هو يأخذ موضعه من أجل تقسيم المجتمعات على جانبي خطوط الحياة و الموت. و البيو قوة تستبدل حقوق السيادة القديمة ،( خذ الحياة و اترك غيرك ليعيش ) ، بإمكانات جديدة ، حق أن تمنح الحياة و أن تسمح بالموت ( 9 ).
و توظف البيو سياسة سياسات و سيرورات تعتمد على التكاثر و الخصوبة و الصحة البدنية و الرعاية الصحية ( 10 ) . و كذلك على الجغرافيا و المناخ ( 11 ) ، و تستخدم في سبيل ذلك ميكانيزمات الإحصاء و التببؤ و التخمين من أجل تنظيم البشر بصورة أجناس ، و لكن ليس بصورة فرض العقوبة ( 12 ). و تعمل البيو قوة بشكل :
تكنولوجيا تدمج صفات أثر الحشود للتجمعات ، التي تحاول السيطرة على سلسلة من الحوادث العشوائية التي يمكن أن تظهر في التجمعات البشرية ، و هي تكنولوجيا تحاول أن تتوقع احتمال وقوع هذه الحوادث. إنها تكنولوجيا تهدف لتأسيس نوع من السكون و التوازن، ليس من خلال تدريب الأفراد، و لكن من خلال تحقيق التوازن الإجمالي الذي يحمي أمان الكل من الأخطار الداخلية ( 13 ).
و لكن السلطات العقابية هي سلطة غير سيادية ( 14 )، و لذلك تتجاوز البيو سلطة حقوق السيادة.( 15 ). و إن السلطات العقابية و التنظيمية ، معا، تضع الأسس للربط بين الجسد و المجتمع و بالتالي بين المعرفة و القوة ( 16).
و مع أن البيو سلطة تتخطى حقوق السيادة فإنها تستبقي على فعاليتها من خلال ممارسة القدرة على القتل. فالموت الذي كان في بعض الأوقات ضد السيادة ، هو الآن تحت السيطرة بواسطة ميكانيزم السلوك العنصري. و كما يقول فوكو ، العنصرية مكتوبة بصورة آلية أساسية تساعد على ممارسة السلطة، و بالطريقة التي تمارس بها حاليا في الدول الحديثة ( 17 ). بالنسبة لفوكو إن العنصرية ميول أو دافع يقوم بتفتيت أو تقسيم الـ " متصلة البيولوجية للجنس البشري " ( 18 ). و كما يقول أيضا العنصرية " هي أساسا طريقة لإدخال قطيعة في المجال الحيوي الذي هو نظام مفروض بالقوة : إنها القطيعة بين ما يجب أن يعيش و ما يجب أن يلقى حتفه". و يصف فوكو ذلك بقوله إن العنصرية تعمل ضمن شبكة البيو سياسي.
إنه الظاهرة التي تحصل ضمن المتصلة البيولوجية للجنس البشري المؤلف من أعراق ، و التمييز بين الأجناس ، و طبقية كل عرق و جنس ، و حقيقة أن أجناسا تستحق أن توصف بمتميزة و أخرى ، بالمقابل ، توصف أنها متدنية : و كل ما سلف أسلوب لتصنيف المجال البيولوجي الذي تتحكم به االسلطة. إنه طريقة لفصل الجماعات الموجودة ضمن الجماعة. و باختصار إنه طريقة لتأسيس نمط بيولوجي خاص ضمن الجماعة فيظهر و كأنه فضاء بيولوجي بحد ذاته" ( 19).
هوامش:
1 - و لدرجة أقل من قبل حكومات دولية مختلفة تنتشر في أوروبا و آسيا.
2 - وجدت هذه السياسات أصداء لها بأساليب مختلفة قامت بتنفيذها حكومات أوروبية و آسيوية.
3- و في وقت لاحق دخل التمييز بين العدو المقاتل المشروع و غير المشروع و ذلك في قانون اللجنة العسكرية لعام 2006 ( S. 3930) بمحاولة للمناورة على معادلة حمدي ضد رامسفيلد ( 2004 ) ، و اتخذت القرار المحكمة العليا للولايات المتحدة لتجعل من احتجاز العدو المقاتل مسألة غير مقبولة.
4 - مجهول، المعتقلون، صحيفة نيويورك تايمز. معتقل غوانتانامو.
http://projects.nytimes.com/guantanamo/detainees
5 - القانون العام 107 - 56
6 - ميشيل فوكو، المجتمع و واجبات الدفاع عنه.
7 – أستعمل بيو سياسي للإشارة إلى نظام فوكو في التحليل ، و " البيو سياسة " مرجعية للقوة المنظمة التي أكد عليها فوكو. و يبدو أن فوكو ينظر للبيو سياسي و البيو سلطة – قوة بشكل متداخل. يقول : ماذا تعني هذه التكنولوجيا الجديدة للسلطة، هذه البيو سياسة ، هذه البيو سلطة التي بدأت تضع الأسس لنفسها ؟. ( فوكو : المجتمع و واجبات تحديده ، 243 ). على أية حال الاستعمال اللاحق للبيو سلطة سوف يكون مضمونه حسب استعمالي الشخصي.
8 – فوكو ، المجتمع و واجبات تحديده ، 250 .
9 – مصدر سابق . 241 .
10 - = 243 .
11 - = 245 .
12 - = 246 – 247 .
13 – 249 .
14 - = 36 .
15 - = 254 .
16 - = 252 .
17 – 254 .
18 - = 255 .
19 - = 254 – 255 .
المصدر: المجلة الأسترالية ( دراسات عن فوكو Foucault Studies ) - العدد 12 - تشرين الأول 2011 - ص: 51- 76.
فالغوني أ. شيث Falguni A. Sheth : كاتب أمريكي و أستاذ مساعد بجامعة هامبشير. متخصص بالفلسفة و العلوم السياسية. و عضو حلقة فوكو.
الترجمة بقليل من التصرف : صالح الرزوق / جامعة حلب
08-أيار-2021
مقتطفات من : كافكا في المحاكمة الأخرى بقلم : إلياس كانيتي ترجمة : |
17-نيسان-2021 |
03-تشرين الأول-2020 | |
12-أيلول-2020 | |
22-آب-2020 | |
20-حزيران-2020 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |