إيران: صراعات الداخل والخارج
خاص ألف
2012-02-15
في ثمانينات القرن الماضي وإبان الحرب العراقية- الإيرانية كان الإيرانيون يرددون مثلا يؤمنون به ويمثل مصداقية عالية في وجدانهم. يقول المثل " إيران إيرانستان نمي شود" أي إن إيران لن تتحول إلى إيرانستان أي إنها لن تنقسم وتنشطر على نفسها إلى أجزاء. إيران شعبٌ في قارّة أو ما يشبه القارّة لإتساع مساحتها, ولتنوع وتعدد في قومياته وأديانه وطوائفه. وهناك أمر يثير الانتباه فلدى أغلبية الشعب الإيراني هناك مكانة خاصة للمرأة وحضورها لافت في مختلف المجالات, تشعر كأن إيران لا زالت تحتفظ ببقايا من المجتمع الأمومي, ونادرا ما تشاهد مظاهر للعنف في الشارع كما ترى الاستهجان لهذه المظاهر على وجوه الجميع. فاحترام المرأة ونبذ العنف هو السمة الغالبة على الشارع الإيراني. نعود إلى هذا المثل الذي يشكّل نموذجا لافتخار الإيراني بإيرانه الواحدة الموحّدة الممتدّة التي تصل بها المسافة على سبيل المثال بين مدينة طهران العاصمة وأخرى على المحيط الهندي ما يقارب 40 ساعة سفر بالسيارة, ترى فيها شعوب مختلفة في كل شيء, مختلفة بأزيائها وعاداتها وتقاليدها وسحنة بشرتها, إلا أنها تنطق بالفارسية أولا ثم تستبدلها بالعربية أو الكردية أو التركمانية الآذرية( من محافظة أذربيجان الغربية) المتاخمة للحدود التركية, أو البلوشية, أو الآشورية أو الأرمنية وغيرها من اللغات. لا يشعر الإيراني البسيط بالتمايز والاختلاف بين الشعوب فيظن إن إيران هي كل العالم والاختلاف الموجود هو داخل قوسين هما حدود مملكته. لذلك عندما يسمع عن حدث ما يتساءل ببساطة, هل إن ما يجري هو بشمال مملكتنا أم بجنوبها, بشرقها أم بغربها وكأن أحداث الدنيا كلها لا يمكن أن تكون إلا في إيران. ومن الطريف أن تسمع المثل الذي يقول: "أصفهان نصف جهان أكَر تبريز نباشد " أي إن أصفهان نصف العالم لو لم تكن تبريز في الوجود.
وبالإضافة إلى المثل السابق كان هناك أيضا قولا يردده الكثير من الإيرانيين وهو( كم أتمنى أن أقطع يدي) وعندما تسأل أحدهم عن السبب الذي يدعوه لهذه الأمنية يقول لك بعد أن يطمئن إليك,( هنا يجب أن تكون حليق اللحية): لأني رفعت هذه اليد وهتفت ضد الشاه وحكم الأسرة البهلوية وكانت السبب في مجيء "حكومة الملالي" ويؤكد لك إن هؤلاء هم الذين سرقوا الثورة الشعبية التي شاركت بها كل قوى الشعب الإيراني, من اليمين إلى اليسار إلى الوسط. من الأحزاب والحركات التي التقت وتوحدت عند هدف كبير وهو إسقاط حكم الأسرة البهلوية التي رعت واحدة من أكبر القواعد في خدمة المصالح الأميركية والغربية. وحولّت إيران إلى شرطي الخليج ومنابع النفط إلى آخر ما يعرفه الجميع.
(الملالي) ,وبعد نجاح الثورة, بدورهم كانوا تيارات وتوجهات مختلفة تلتقي أو تختلف عند أولويتين لاثالث لهما, إما أن يكون " الإسلام في خدمة إيران" وهذا ما كان يدعو إليه آية الله طالقاني ومناصريه أو "إيران في خدمة الإسلام" وهو ما كان يدعو إليه الخميني وأنصاره. أستقطب الأول أنصارا جلّهم من الإيرانيين ممثلين بحركات وأحزاب تتعاطى مع طالقاني بكل إحترام بسبب ماضيه النضالي وحواراته مع القوى الوطنية الإيرانية. وقد كان طالقاني يهدف لخلق نموذج يعود فيه رجل الدين إلى ممارسة دوره الديني ويفسح المجال للسياسيين المدنيين بممارستهم لدورهم في السلطة. والتّف حول الثاني إيرانيون كانوا يطمحون لدور شرطي إسلامي على الخليج بل وعلى دول المنطقة قاطبة. بتفسير لولاية الفقيه يضعه بمثابة القائد الأعلى للثورة الإسلامية العالمية.
وسط هذين المحورين وتقاطعهما وبفضل الحرب التي شنها نظام صدام حسين ترسخت سلطة ما كان يسمى في الثمانينات "نظام الملالي" وحكم الولي الفقيه الذي أخذ على عاتقه مبدأ " تصدير الثورة" وأسس " سازمان أزاد بخش جهان " أي منظمة تحرير العالم التي استبدلت لاحقا إلى مقر القدس الذي يرعى ويدعم الكثير من الأحزاب والحركات والتنظيمات السياسية التي ترتدي العباءة الإسلامية والتي تبنت بشكل أو بآخر الثورة الإسلامية وولاية الفقيه, في العديد من البلدان العربية. كان منها على سبيل المثال في العراق:
1- المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق.
2- منظمة العمل الإسلامي.
3- حزب الدعوة الإسلامية.
4- أخيرا التيار الصدري وجناحه العسكري "جيش المهدي".
5- منظمات صغيرة مثل ثار الله وحزب الله في العراق التي ينسب إليها الكثير من أعمال العنف والاغتيالات والتجاوزات على طالبات وطلاب جامعة البصرة. والنشاطات العسكرية الإرهابية التي جرت في جنوب العراق على وجه الخصوص.
كذلك تمّ تشكيل ودعم "منظمة الثورة الإسلامية في الجزيرة العربية" بقيادة الشيخ حسن الصفار من السعودية والجبهة الإسلامية لتحرير البحرين بقيادة هادي المدرسي البحريني المولد العراقي الجنسية. وكذلك الدعم المعروف لكل من حزب الله في لبنان وحركة حماس في فلسطين.
وبدعم الحركات الأصولية تراجعت "مدرسة طالقاني" لصالح مطامع الدور الجديد وأزاحت الكثير من الوجوه من مسرح صراع الأضداد, واستفرد المتشددون بالساحة السياسية لأكثر من عقدين. وصنعوا مراجعهم الدينية بأموال الشعب الإيراني, فأصبحت ظاهرة المرجع الرأسمالي صاحب المعامل والعقارات والتاجر ظاهرة جديدة منتشرة بين مراجع ما بعد الثورة وذلك لتهميش أدوار المراجع الذين لا يؤمنون بولاية الفقيه. فمنهم من يدعو إلى شورى المراجع بدلا عنها وآخرين لا يؤمنون بأي من الأطروحتين وله وجهة نظر مختلفة رافضة بالمطلق لتدخل رجال الدين بالسياسة. إلا أن أمثال هؤلاء كانوا خارج التغطية الإعلامية.
وهكذا ظهر طموح المتشددين للعب الدور القديم من جديد ولكن بحلة جديدة فرضتها الحرب الأميركية في العراق وأفغانستان, الدور الذي يفرضه المتشددون على الشعب الإيراني ويدفعون أثمانه من مستقبل أجياله, حتى ظهرت تجليات العودة إلى المحور الأول وهو ما شاهدناه وتابعنا تفاصيله على الفضائيات إبان الاحتجاجات على نتائج الانتخابات, فقد عاد دور المرأة المساهمة بفعالية في الأحداث وبدأت حركة الاحتجاج على نتائج الانتخابات تتخذ شكلا يذكر بدعوات كف يد إيران من التدخل في شؤون غيرها من الدول والدعوة إلى أولوية " الإسلام في خدمة إيران" وتركيز الانتباه على مايعانيه الشعب الإيراني من أزمات اجتماعية واقتصادية بدلا عن التورط في سباق التسلح والصراع على النفوذ واستعداء الغرب, بتدخل العسكر بالسياسة الذي جاء مؤخرا على شكل تهديدات للداخل والخارج على لسان قيادات في الجيش والحرس الثوري. واستخدام قوات "البسيج" أي المتطوعين لقمع الاحتجاجات على نتائج الانتخابات تلك القوات التي كانت إبان نجاح الثورة وما بعدها, هي القوة الضاربة لأي تمرد. كان صراع الخطين أعمق مما أظهرته الفضائيات وإن بدا جزء منه على السطح, فأزمة المؤسسة الدينية والشرخ الذي تعاني منه أكبر من أن يغطيه غربال التصريحات النارية للمتشددين. والفتاوى المتناقضة التي تلت ذلك عن شرعية نجاد أوعدم شرعيتها خير مثال على ذلك.
08-أيار-2021
21-تشرين الثاني-2013 | |
16-تشرين الثاني-2013 | |
05-تشرين الثاني-2013 | |
26-تشرين الأول-2013 | |
15-تشرين الأول-2013 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |