عندما لم تقع الحرب ...
خاص ألف
2012-03-06
رائد وحش .. تركيبة قاسية لمفردات السهل الممتنع .
صدرت عن دار كاف في عمان مجموعة شعرية للشاعر رائد وحش بعنوان " عندما لم تقع الحرب " وهذه المجموعة هي الوليدة الثالثة للشاعر بعد ــ دم أبيض ــ صدرت عن دار التكوين في دمشق 2005 و ( لا أحد يحلم كأحد ) احتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008 .
(( هذه السّنةُ سنة الحرب يا سامعي الصّـوت ..
سَـتُـسمّيها بذلك عجائزُ الأرياف ليُـؤرّخنَ للموتى والمواليد , في البيوت والحظائر ..
هذه السّـنة ُ سنة الحرب يا سامعي الصوت .. سَـتنقصُ المحاصيل , سَـتنْفق الطيور ,
سيروب الحليب ُ في الضروع , ستتأجّل السّنةُ إلى السنة ِ التالية ..
ويا مَـن تسألون عن الصوت والمُـنادي ..
عساكم لا تَـسمعون ..
وعساها لا تأتي , وعساها لا تكون ..
سوف تأتي الحربُ ..
فهذا موعِـدها !!
***
يضرب الشاعر بعرض الحائط كل بصيص أمل ٍ في الحياة ليستجلب كل الأمل من الموت والحروب التي لم تقع ووقعت ،والتي تقفُ خلفها أيضا ً آمالُ الناس الذين عانوها وخبروها . في حبكة شعرية وصور تميل أكثر إلى التركيبة الصعبة ، وتفاصيل بسيطة يومية نعيشها ،ونسمعها ، ونقرأ فيها من غيرنا ؛ صاغ الشاعر بطريقة ممتعة وغريبة بعض الشيء مفردات مجموعته ليدخلنا إلى عالم ٍ نتوقعه أحيانا ً وأحيانا ً نجسّه ُ بذواتنا، فنعيش الوطن ونغتربه في البيت والأم والحبيبة والمدرسة والوظيفة والأوطان الأخرى الغريبة والمألوفة لدينا !! .. كما في قوله :
(( قال الرّجل القاعدُ في الحانة للكرسي الفارغ " عندما تقع الحربُ
سيُـحبُّ الناسُ الناسَ إذ يرجعون شعبا ً : المعلّـمون يضيؤون السُّـبورات ِ
بالشموع .. العشاق يحسبون الثواني وأجزاءها للعبور إلى بعضهم ..
الأمهات يتقاسمن مؤن البيوت "
قال الرّجل القاعدُ في الحانة للكرسيِّ الفارغ : " سيحبُّ الناسُ الناسَ
والمكانَ , ويكون الناسُ ناساً ، والمكان ، مكاناً .. فقط عندما تقع
الحرب "
قال الكرسيُّ الفارغ : " أين تقع الحرب لأجلبَـهَـا مخفورة ً ..؟؟ "
إلى قوله :
(( ياوطني العشوائيُّ .. يا من كتبتَ علينا اللّعنة من عشوائيّات السَّـلَف
إلى عشوائيّات الخَلَـف .. وداعا ً ..
وداعاً يا صاحبَ جيبي ، وحبيبَ امرأتي ..
وداعاً لي كي لا ألتقيني في مكان ..
وداعاً أيَّـتها الأطلال التي بُـنيت بالأصل أطلالاً ، ليكون مُـستقبلها
مُـودعاً ، وساكنها راحلا ً ..
بنينا الحياة بلا هندسة أملا ً بأن تهندسها السّعادة ، فهندستها
حروبٌ لم تقع ..
يستبدل الشاعر بفطنة ، الأحاديث والتفاصيل اليومية الراهنة بين الناس، إلى لغة شعرية لذيذة الإيقاع،تحاورنا بشكل ملفت ،ويدلف بنا إلى المقارنات والصور المفاجئة في شتى تراكيب القصيدة، كما انه لم يعر انتباهاً للـ" عنونة " ،داخل المجموعة إذ ترك الفضاء متناغماً ومتجانساً إلى حد كبير يشبه الصرخة الواحدة من عدة أفواه . كما اشتغل على " عصرنة " اللغة مازجاً الموروث الثوري والمفهوم العام للحريات والتحرر من الاستبداد بطريقة تفضي إلى السخرية تارة ً وتبوحُ بالجدّية تارة ً أخرى ؛ ما يلمس قرارة القارئ العادي والنخبوي في آن ٍ واحد لتحيلها إلى نظرةٍ متساوية تجاه قضية الوطن والحياة ، علاوةً على النظرة الفوقية إلى الشخص البسيط التي يتمتع بها معظم أفراد الوسط الثقافي وخاصة ً في بلدنا . ومن أجواء المجموعة نستحضر :
ـ نحن الجيل الموءود في تراب الموبايل والإنترنت
الجيل الذي مسخته مهازل البطولات الهوليودّية
لم نحمل السيوف ولا البنادق
ولا تلفعنا بالكوفيات وودعنا أخواتنا الطّيّبات
بقُـبل ٍ أخيرةْ ..
على أمل ٍ أن تكون لهن حياة أفضل من دون نذالاتنا ..
.
.
المنفيون إلى قارة " فيس بوك "
نُـخرج إله الحرب من سباته بزلزال الرّسائل القصيرة ...
وفي مقطع سابق بإسلوب جزل، يضعنا الشاعر أمام صور تكاد تنطق أمامنا ، وتخرج لتتحول إلى مشهد يومي نراه واقعياً أبعد من تخيله أو تركيبه في أذهاننا :
(( أحدنا سينفذ سيناريو تلك القصّـة :
يأخذ ُ أحذية الموتى يدفن فردة ً والثّانية يزرعها شاهدة ً ..
حذاء الرّياضة من قدم المراهق ، الجزمة الطويلة لموظّفة ٍ سقطتْ على باب
منزلها ، شحّاطة مؤذّن الجامع التي طارت فردتاها ..
أحدنا .. ذلك الذي نفذ سيناريو القصّـة
سوف يصرخُ :
لا تمتلئ الشوارع بأحذية الموتى
إلا كي يمشي الأحياء حفاة ً إلى الحرية ..
الحبُ الذي يتقاسم مع الحروب النصيب الأكبر من الحياة ،كان له وجهاً آخر عند الشاعر،في تركيبة قاسية في بعض المقاطع ، يخاطب الشاعر محبوبته بطريقة (( حب وحرب )) :
((عندما تكونين حربا ً في الحرب سأحبّـك أيَّتها الباردة
سأستعيرُ قاموس زعران ِ الحارات ِ : دمرتُـهَـا ..
قصفتُـها ..
اجتحتُــهَـا ..
وسأكتب ُ رسائل حُـبّي بعرض الصّـفحات
علّها تصلحُ يافطات ٍ للمتظاهرين ..
عندما تكونين حربا ً
سأحبّك كما تحبيّن،
تماماً كما تحبيّن،
باندفاع ِ الشّهيد
برغبة ِ من يعرفُ
أنّه، عمّا قليل،
سيموت ..
يرى الشاعر في الحب الجانب الرمادي في النصين أدناه ، حيث يشاء تقويل العشاق ما يرغب به، ويطوّع معنى الحب في صدره إلى دمار ٍ يراه ملائما ً للحياة الراهنة التي نعيشها في ظل الثورات العربية ، وينأى عن مجاراة الجانب المسالم للحب ، بمحاكاة واقعنا الحالي :
(( وأخيرا ً تسنحُ فرصتي ...
أمامك ِ
في الفوضى
في الانفلات الأمنيّ
برصاصتي الأخيرة
أقتلُ الرّجل الذي أخذك ِ
ثم أطعنُك ِ بحربة البندقيّـة ..
أخيرا ً ..
ستسنح فرصتي
فأصير ديكَ الجنّ أو عطيلْ
وأنهي حربَ الغيرة بقتل ِ الحبيب
وحمل ِ دمِـهِ في المراثي ..
***
((ها أنت ِ ثانية ً ..
تضطجعين منفرجة َ الساقين ..
( أرى كلَّ ما نسي الله
وجهَ أمّي العريق في البكاء ِ
بيت أهلي
المخيّمَ .. )
.
.
فأقذفُ دمعا ً ..
تقولين : متى تجيء الحرب حتى تعود حبيبا ً ؟؟
أقول : ليتها لا تجيء فنبقى غرباء .. !
تقولين : والحبّ الكبير ؟
أقول : يحتاجُ إلى حرب عالمية ٍ ..
تقولين : أشعلها إذا كنت تستطيع ؟
أقول : كوني ديناميتا ً إذا ً ..
لحسابات عاطفية ٍ،
على الأرجح ،
لا تقع الحربُ ..
***
العنوان : عندما لم تقع الحرب
الكاتب : رائد وحش
الطبعة الأولى : 2012
دار كاف للنشر والتوزيع
عمان ــ الأردن
08-أيار-2021
15-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
03-نيسان-2021 | |
27-آذار-2021 | |
06-آذار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |