العولمة نهاية للتاريخ أم صراع للحضارات ؟
خاص ألف
2012-04-28
بين فرانسيس فوكوياما صاحب كتاب (نهاية التاريخ) الذي يرى إن النظام الرأسمالي الليبرالي يشكل آخر نمط اقتصادي اجتماعي يمكن للبشرية جمعاء أن تعيش في كنفه وينتهي التاريخ لا بتوقف الأحداث بالطبع ولكن بالوصول الى آخر مايمكن للإنسان أن يصل اليه من التطور في الأنظمة الإقتصادية والإجتماعية, وبين صاموئيل هنتنغتون الذي يرى في كتابه(صراع الحضارات) إن هناك تكتلات ذات أصل حضاري عريق ستدخل حلبة الصراع في المستقبل إن لم تكن قد دخلت بالفعل لتشكل نداً للفكر والنظام الرأسمالي الليبرالي مثل الأصولية الأسلامية أو ماينتظر من التنين الأصفر الصيني الذي ينهض من سباته, ولن ينتهي التاريخ كما يظن فوكوياما, ثمة أمر تجدر الإشارة اليه وهو العامل الأساسي الذي اشترك كل من فوكوياما وهنتنغتون في إعطاءه الأهمية ألا وهو موضوع العولمة. فكليهما استندا على العولمة في تبني وجهتي النظر المتباينتين. فما هي العولمة ؟ وكيف يُنظر اليها ؟ نحاول فيما يلي تعريفها والقاء الضوء على جنباتها وشرح عناصرها من وجهتي النظر, الداعية لها, والأخرى المناقضة لها أو التي تدعو للوقوف بوجه مخاطرها. لانقصد بذلك موقف هنتنغتون فهو ليس ضد العولمة بالتأكيد بل يمثل وجهة نظر تضع الأصولية الأسلامية بتياراتها المختلفة وتلاوينها المتعددة التوجهات في قلب صراع الحضارات. ولنبدأ أولا بتعريف العولمة ثم ننتقل الى آثارها والموقف منها لدى الفريقين. العولمة في اللغة تعني ببساطة ووضوح جعل الشيء عالمي الانتشار في مداه أو تطبيقه. وهي أيضاً العملية التي تقوم من خلالها المؤسسات، سواء الإقصادية منها أو غير الإقتصادية، بتطوير تأثيرها العالمي أو ببدء العمل لمد نفوذها في نطاق عالمي. ولا يجب الخلط بين العولمة كترجمة لكلمة globalization الإنجليزية، وبين "التدويل" أو "جعل الشيء دولياً" كترجمة لكلمة internationalization. لأن العولمة عملية اقتصادية في المقام الأول، ثم سياسية، ويتبع ذلك بطبيعة الحال الجوانب الاجتماعية والثقافية وهكذا. أما جعل الشيء دولياً فقد يعني في الغالب جعل الشيء مناسباً أو مفهوماً أو في المتناول لمختلف دول العالم. أيضاً العولمة عملية تحكم وسيطرة ووضع قوانين وروابط يفرضها من يمتلك وسائل المعرفة المتطورة ومن راكم لديه خبرات وتجارب أحدث ما توصلت اليه العلوم في مختلف المجالات، مع إزاحة أسوار وحواجز وسواتر عديدة ومتنوعة بين الدول؛ وواضح من هذا المعنى أنها عملية لها مميزات وايجابيات وعيوب وسلبيات. أما جعل الشيء دولياً فهو مجهود في الغالب إيجابي صرف، يعمل على تيسير الروابط والسبل بين الدول المختلفة ويشير الى التعاون والتكامل والتواصل.
العولمة قد تكون تغيراً إجتماعيا للوهلة الاولى، وهو زيادة الترابط بين المجتمعات وعناصرها بسبب نمو التبادل الثقافي، فالتطور الهائل في المواصلات والثورة العظيمة في عالم الإتصالات وتقنياتها والذي ارتبط بالتبادل الثقافي والاقتصادي كان له دوراً أساسياً في نشأتها. ولكن المصطلح يستخدم للإشارة إلى شتى المجالات الاجتماعية، الثقافية، الاقتصادية، وتستخدم العولمة للاشارة إلى تكوين القرية العالمية, أي تحول العالم الكبير إلى ما يشبه القرية لتقارب الصلات بين الأجزاء المختلفة من العالم مع ازدياد سهولة انتقال الافراد، والتفاهم المتبادل والصداقة بين "سكان الارض" الذي وفرته. والعولمة الاقتصادية أي اتساع مدى الحرية الاقتصادية وكذلك قوة العلاقات بين أصحاب المصالح الصناعية الكبرى التي مدّت أذرعها في بقاع الأرض المختلفة. بحثا عن العمالة الرخيصة والقرب من المواد الأولية ثم يأتي دور الشركات متعددة الجنسيات الذي غالبا مايكون سلبيا باستخدام الأساليب القانوية المعقدة والاقتصادية من الوزن الثقيل لمراوغة القوانين والمقاييس المحلية وذلك للاستغلال المجحف للقوى العاملة والقدرة الخدماتية لمناطق متفاوتة في التطور مما يؤدي إلى استنزاف أحد الأطراف (الدول) في مقابل الاستفادة والربحية لهذه الشركات. والعولمة تتداخل مع مفهوم التدويل ويستخدم كل من المصطلحين للإشارة إلى الآخر أحيانا، ولكن البعض يفضل استخدام مصطلح العولمة للإشارة إلى تلاشي الحدود بين الدول وقلة اهميتها. وبسبب تلك الاختلافات في المعنى، وكون العولمة سلاحاً ذا حدين، أو عملية لها مميزات عظيمة وعيوب خطيرة في نفس الوقت، أصبحت العولمة موضوعاً خلافياً ومثيراً للجدل في شتى أنحاء العالم؛ وانتشرت بالتالي الأفكار الخاطئة والمشوشة عن الموضوع. فانقسم العالم إلى قسمين: الأول يشجع الفكرة ويرى فيها كل خير وإيجابية ولا يرى فيها عيوباً على الإطلاق أو يرى العيوب ولكنه يقرر بصورة حاسمة أن التغلب عليها كلها من الأمور اليسيرة؛ ومعظم هذا التوجه نجده في الدول المتطورة والغنية. والثاني يشجب ويعارض الفكرة جملة وتفصيلا بتعصب أعمى ولا يرى فيها إلا كل سلبية لما تمثله من شر وجشع وظلم الانسان للانسان؛ وينتشر هذا التوجه بالتأكيد في الدول الفقيرة والنامية التي غالبا ماتبتلى بحالة من الجمود والعزلة التي تفرضها أنظمة حكم استبدادية ترفع شعار الدفاع عن الأصالة والتراث والخصوصية ساحبة البساط من تحت اقدام كل من يجرأ على المطالبة بالتغيير وذلك بإلصاق تهمة ترويج الأفكار التي تخدم سيطرة مصالح من يدعو للعولمة ويسعى لإلغاء الهوية الوطنية. أهم ما يمكن قوله في قضية العولمة هي أنها فكرة في حد ذاتها ليست ايجابية وليست سلبية. أي أنها ببساطة فكرة، لها تعريفها الخاص، ويمكن استخدامها سلبا أو ايجابا. ومن دلائل ذلك مانراه في الاسلام السياسي بتنظيماته وحركاته واحزابه وبرغم اعلانه المواجهة مع العولمة الا انه يهتم ويدرس العولمة دراسة تفصيلية، لكي ينتهي به المطاف إلى أن يتمنى لو اتحدت البلدان الإسلامية، ثم بدأت الأمة الاسلامية المتحدة في تطبيق العولمة على طريقتها، لما سيكون له من الأثر الإيجابي على نشر افكاره في العالم. ونفس المثال ينطبق على الداعين لنشر افكارهم المختلفة, وخير دليل على ذلك مانجده في القنوات الفضائية المتعددة الأهواء والمشارب وكذلك في المواقع المختلفة على شبكة الأنترنت. إذن فإن المشكلة ليست في قضية العولمة نفسها كفكرة أو عملية، بل في كيفية تطبيقها وفي الاشكاليات الفكرية للإنسان نفسه التي قلّما استطاع التغلب عليها، مثل الطمع أو الجشع وما فيه من ظلم الغير والحب الشديد للمال وحب القوة والتسلط والتحكم، وغيرها من عيوب الإنسانية التي لا يمكن التغلب عليها بسهولة. والخوف الرئيسي من انتشار العولمة اليوم في بداية القرن الواحد والعشرين، قد يكون من أسبابه الرئيسية هو تسلط الولايات المتحدة الأميركية في الوقت الحالي، على بقية دول العالم، واتباع سياسات مجحفة، وعدم احترام أي من القوانين الدولية اذا اقتضت مصلحتها ذلك. لذلك تواجه العولمة مقاومة قوية جدا في مختلف مناطق العالم وخصوصا في اوروبا والدول النامية. إذ أنها قد تؤثر سلبا على إمكانيات نمو الاقتصاديات المحلية في ظل غياب التوازن بين الدول المتقدمة والفقيرة. كما يتهمها الكثيرون بأنها تذيب الثقافات المحلية وتجير العالم في خدمة القوي، ويعتبرون أن الولايات المتحدة تهيمن على العالم اقتصاديا من خلال فرض سيطرتها الاقتصادية والعسكرية من خلال مفهومها الخاص للعولمة، وبهذا المعنى ينتفي القول بأن "العالم تطور ليصبح قرية صغيرة"، ليصبح "العالم انحدر ليصبح امبراطورية كبيرة يحكمها الإستبداد الأميركي تحت عباءة العولمة"--في إشارة لتجدد الحلم الامبراطوري الذي عاصرته الحضارة الانسانية في عصور سابقة. والذي يبدو كأنه حلقة مفرغة لافكاك ولاخلاص منها. ولكن هناك الكثير ممن يدافعون عن العولمة. والدول الأقوى--خاصة الولايات المتحدة، بالاضافة الى المؤسسات العملاقة التي تؤثر في اقتصاد العالم كله--مثل مايكروسوفت التي هي أيضاً اميركية، قد تفرضها على كل دول العالم، بشركاتها ومؤسساتها المحلية، وتجبرها على الخضوع لقوانين العولمة الجديدة. وإن قاومت بعض الدول سياسيا، فإن الشعوب والمؤسسات والشركات لن تستطيع أن تقاوم اقتصاديا وستدفع الثمن. لكن مع هذا فان العولمة عملية ماضية في طريقها بدون توقف بالفعل، إن لم يكن سياسياً، فاقتصادياً وثقافيا وبطريقة مكثفة. ومن كل ذلك نستنتج أن شجب ومعارضة الفكرة قد لا تكون الطريقة المثلى للتعامل مع قضية العولمة. بل يجب أن تتبع الشعوب والدول والمؤسسات سياسات أخرى على الأقل من أجل جعل التأثيرات السلبية عليها في الحد الأدنى. ومن اركان العولمة, رسملة العالم أي تحويل العالم إلى النظام الرأسمالي، تقوم العولمة من الناحية الاقتصاديةعلى نشر الرأسمالية كنظام للتجارة ونظاما للاستهلاك.فقد لعب الاعلام الدولي دورا كبيرا في فرض النظام الرأسمالي على البشرية من خلال تعزيز (الصورة الإيجابية) للشركات متعددة الجنسية الرأسمالية، مثل الشركات العملاقة (سوني ودزني،وتايم وورنر). ولقد كانت ثورة الاتصال هي الأداة التي استخدمت للتلاعب بالرأي العالمي لفرض النظام الرأسمالي على العالم. إن الإعلام والاتصال والمعلومات مكون أساسي في الاقتصاد العالمي فمثلا تصل عائدات هذا القطاع إلى 1.5 تريليون دولار وتحصل الولايات المتحدة وحدها على 47% من العائدات العالمية لهذا القطاع. كما ان الرسملة تسبب فقر دول العالم الثالث وارتفاع مديونياتها وذلك بارتهان الأنظمة السياسية فيها لمصالح الشركات متعددة الجنسيات. حيث وصلت في نهاية التسعينيات إلى مبالغ ضخمة وهذا ما يحمل دول الجنوب على تقديم تنازلات سياسية واجتماعية. فبسبب الرسملة يوجد ما يقارب من مئة دولة فقيرة أوأقل ثراءا من أي شركة من تلك الشركات الأربعين العملاقة الاخطبوطية. ومن اركان العولمة أيضا لبرلة العالم, فالليبرالية هي تحريرالعالم من القيود الاجتماعية والسياسية والعلامة المميزة لليبرالية هي الانحياز الكامل للفرد وحريته. لذلك فان النظام الإعلامي الدولي يرى أن الليبرالية هي النظام الوحيد الصالح للحكم. لكن المضمون الذي يقدمه النظام الإعلامي الدولي لا يساهم في تشكيل مفهوم المواطن الذي يستطيع أن يشارك بفاعلية في شؤون مجتمعه. ولكنه ينشر أفكار ليبرالية تدافع عن حقوق الانسان وتشكل قوة ضغط لتحقيق أهداف معينة, وهناك بالطبع دائما أهداف مخفية تفرضها المصالح التي يدافع عنها من هم وراء هذا النظام. حيث أن ما تقوم به الولايات المتحدة في العالم لا يسمى لبرلة العالم وأنما هو فرض نوع من السيطرة السياسية والعسكرية والإقتصادية بما يخدم مصلحة الولايات المتحدة الامريكية لأنها ليست بالنهاية جمعية خيرية ولاحاملة للواء توزيع ثروات الأرض على ابناءها بالتساوي. ودعمها للأنظمة القمعية خير دليل على ذلك .وإن دعت الضرورة في بعض الأحيان الى تغيير هذا النهج كما حدث في العراق.
08-أيار-2021
21-تشرين الثاني-2013 | |
16-تشرين الثاني-2013 | |
05-تشرين الثاني-2013 | |
26-تشرين الأول-2013 | |
15-تشرين الأول-2013 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |