ألف تحاور الأمريكية كارولاين كیبنیس إعداد وتقديم
خاص ألف
2012-04-30
الفن والكتابة- لقاء مع الأمريكية كارولاين كیبنیس
تستخدم القاصة الشابة كارولاين كیبنیس نفس الأدوات الكلاسیكیة لتقديم الأحداث ولتصوير الأشخاص ولكن بسیاق أنیق ومبتكر. فھي لا تعتمد على الميلودراما و العواطف الرخيصة التي تعتصر الدموع و تمزق نياط القلب. و لكن تتطور ببطء لتكشف عما يدور في الذهن و الخيال من أفكار بلا مخططات. وتستعیض عن نقطة التنوير التي تفسر الأحداث بمفھوم النھاية المفتوحة، وتستبدل الحبكة برسم الشخصیات وتداول الحوار بین كلام باطني أو مونولوج صامت وتفكیر بصوت مرتفع.
تحمل كارولاين شهادة في الأدب الإباعي من جامعة براون، وتعیش في بیتھا بلوس أنجلس – كالیفورنیا وأحیانا مع والديھا في كايب كود، ماساشوسیتس. حصلت على المركز الثالث في مسابقة همنغواي للقصة الجديدة. و رشحت عام 2011 لجائزة بوش - كارت للقصة القصيرة. وهي تنشر كتاباتھا في عدد من المجلات الإلكترونیة والمطبوعة، ولھا كتابان مطبوعان للیافعین ھما: سیرة حیاة المعلم ستیفن غرين ورواية الحفر. حول ھذه المسائل، الكتابة للصغار والكبار، وإلى أين وصلت الرواية الأمريكیة المعاصرة ومن ھم أبرز أبطالھا حالیا، كان لنا ھذا اللقاء الشیق.
س1 : من فضلك حاولي أن تتصوري أنك جلست استعدادا للكتابة. ھل تضعین أمامك ورقة بیضاء ناصعة. أم تركزين النظر على شاشة الكومبیوتر. ھل تبدأين بعبارة أولى وتتابعین بعدھا أم تضعین مخططا عاما لكل الأحداث والتفاصیل. ھل تباشرين من فكرة محددة أم تندفعین من نقطة معینة غیر واضحة وأنت نصف نائمة ولست على تواصل مع ما حولك؟؟؟.
- بالتأكید بالشاشة. أحب فكرة الكتابة على الورق ولكن يبدو أنني لا أجد الطريق الصحیح بھذا الأسلوب. أحیانا أستعمل بطاقات البحث لترتیب مشاھد حین أعمل على سیناريو. ولكن غالبا، أبدأ فقط من صورة أو فكرة وأرى إلى أين ستأخذني معھا. والتخطیط أداة ممتازة، ولكن أشعر بالإثارة لو أن الحكاية تفاجئني. وأمیل لأضع المخططات بعد أول مسودة، لو أن لھذا معنى. وأحیانا ھذا العمل يربكني ومع ذلك أستمتع به. أبدأ مثل شاعرة وانتھي مثل محررة نصوص. ولیس بالضرورة أن أصل بعد كل بداية لنتیجة. إحدى القصص التي نشرتھا مؤخرا ھي فقرة بدأت بھا من عدة سنوات. كتبت فیھا جملتین ثم فقدت الاھتمام. وبعدئذ، ھذا العام، فتحت تلك الإضبارة وتابعت من حیث توقفت في السابق.
س 2: ماذا تفعلین لكسب قوت يومك. وھل تحصلین على ما يكفي كي لا تقلقي من حالتك الاجتماعیة . أم أنك تعتقدين أن البؤس ھو الدافع للإبداع؟.
- بدأت العمل كصحافیة وكاتبة تلفزيون و كاتبة بلا اسم لنصوص لا علاقة لھا بالخیال ومؤخرا كمؤلفة. وأنا أتعامل مع النقود كشيء نشتري به حريتنا لنتمكن من الكتابة، لو صحت العبارة. و لذلك أضع مسألة جني النقود جانبا حینما أكتب وھكذا أحتفظ بالمرونة في ضبط برنامجي. من المھم أن أنتبه لكلامك عن الحالة الاجتماعیة. ولكن أعلم أن أسعد أوقات الكتابة عندي حینما لا أفكر عن سابق قصد وتصمیم أنني أحاول اٌلإقدام على عمل من أجل جني الأموال. تعلمت درسا مفیدا من المھن المختلفة، الكتابة ھي الكتابة فقط. وأنا أعتقد حقا أن ممارسة الكتابة لأغراض متعددة تساعد الناس على أن يكونوا كتابا أنقیاء. ولذلك أعتقد.. كلا، أنا لا أومن أن المصاعب ھي الدافع للإبداع. من الممكن أن تلعب ھذا الدور، ولكن يمكن للخیال أن يقوم بنفس المھمة.
س 3 : أنت كاتبة أفلام. ما ھو نوع السیناريوھات التي تكتبینھا. حواريات أم لغة تعتمد على الصورة. وھل تكتبین للمتعة أم لجني النقود مثل آخرين يبدو أنھم يسیطرون على مافیا دور النشر؟.
-كتابة الفیلم غیر كتابة القصة. ومن أكثر التطورات أھمیة لي تطوير إحدى قصصي القصیرة إلى فیلم قصیر سوف أقوم بإخراجه. معظم الوقت أكتب بصیغة السارد الأول – البطل ولذلك أحب المونولوجات. ومن الدروس العظیمة التي تلقیتھا في كتابة فیلم أن أطور قصة تعتمد على أفكار صامتة تخطر بذھن الراوي. متى تستخدم الصوت الباطني، ومتى تمنح الفرصة للصمت ليتكلم تلقائيا. لا يوجد صمت في القصة المكتوبة بھذا المعنى. ولكن في الفیلم تتوفر عناصر كثیرة أخرى في تقديم الحكاية ومنھا الشخصیات والإضاءة والزاوية والقائمة طويلة. كتبت فیلما قصیرا من فترة وأرغب لو أصوره في الشھر المقبل وھو يتكلم عن شاب يبحث عن طريقة لإنھاء علاقته مع صديقته. وھو كومیديا وكم أنا مھتمة به. ولكن تحديات الإخبار بقصة ذات شخصیات قوية و محددة في عدد قلیل من الصفحات لا يتوقف عن إثارة اھتمامي.
س 4: ما ھي القصة التي ستحولینھا لسیناريو وبعد التصوير ما ھي المحطة التي ستعرضھا. أم أنك سوف تنشرينھا على الیوتیوب بشكل شخصي. ھلا أوضحت الملابسات قلیلا؟.
- طبعا يمكن لي تفسیر ذلك. أنا أقصد تحويل قصتي القصیرة أمیال السماء، والتي نشرت في مجلة إلكترونیة تسمى ( ثیفز غارغون). لم ننته من التصوير حتى الآن و لكن حینما ننتھي سوف نقدم الفیلم للمھرجانات و سنبدأ من ھناك. وھو مشروع مستقل.
س5 : تلحین على صورة الأم في كل قصصك. وتكتبین للیافعین. ھل تعتقدين أن الخطین متلازمان . أمھات وبنات...
- تسحرني موضوعة الأمومة. ودائما أفكر بإنسان يسمع دقات على الباب وھو بالخمسین من العمر وينتبه أنه كان ذات يوم طفلا، وأنه أب لعشر أطفال الآن. غیر أن المرأة لا تصیبھا الدھشة حین تنتبه أنھا أم لأنھا كانت حاملا لتسعة شھور وھي معمل الطفولة. أنا شديدة التعلق بوالدي وكنت ھكذا دائما. ولھذا السبب جزئیا أقلق من أشخاص لیسوا على علاقة حسنة مع آبائھم أو لیس بالضرورة يتفھمونھم. وللتسلیة أحب الكتابة عن الأمھات لأنه من المريح أن تفكر من زاوية نظرھن. سیكلوجیا الأمومة يثیر اھتمامي. وعندما يقع نظري على أبوين يتخذان قرارا مفاجئا، في الحیاة وفي الفن، يتفجر ذھني. ولا شيء يحرضني أكثر من ذلك. من دواعي المتعة لي أن أتخیل من أين جاءت الأمھات، وماذا يستفز شعور الإثم والخطیئة لديھن، وما ھي الشیاطین التي يحملنھا في قلوبھن كما حملن في الأرحام أطفالھن. وأحد أفضل برامج التلفزيون عندي حینما كنت صغیرة ھو ھبوط العقد وھذا أساسا بسبب شخصیة كانت، وبمطلق الصراحة، أسوأ أم، فھي لیست مثل سواھا من الأمھات أثناء أداء الواجب. إنھا نمط أناني تبحث عن الحب في الحیاة وعن خزانة كبیرة وفي نفس الوقت تتوقع من أولادھا أن يعتنوا بأنفسھم ولا زلت أتذكر أنه في صغري كنت أقول : آه، يا لله. ترى ماذا يدور في رأسھا؟..
س 6 : ماذا عن البولیتزر. ھل ھي شيء تحلمین به وتودين الحصول علیه. وھل تھیمن على حیاتك أحلام من ھذا النوع. من ناحیة أخرى ھل توافقین مثلي على أن الجوائز لیست ھي دائما المعیار الأفضل لتقدير أھمیة كاتب. على سبیل المثال البولیتزر الممنوحة لفوكنر كانت عن أردأ أعماله. وتستطیعین أن تتأكدي تقريبا أن ھذه ھي الحال مع بوكر البريطانیة منذ عدة سنوات مضت. وحتى نوبل تضع بالحسبان مقايیس جغرافیة وإثنیة وسیاسیة. ھل من تعلیق من فضلك؟.
- نعم أود الحصول علیھا كلھا، البولیتزر، البوكر، وربما الأوسكار.. آه يا ربي. أنا أمزح. لا أتابع الجوائز الخاصة بالأفلام والأعمال الأدبیة بنفس الحماس السابق. عندما كنت شابة كنت أفكر بالجوائز بإسراف، ولكن الآن أفكر كیف يمكن أن أشعر حیال كتاباتي . الثقافة في لوس أنجلیس محكومة بالجوائز والآن يوجد فصل من السنة خاص بعروض الجوائز. ومع أن الجوائز ممتعة وأحیانا مجزية، فإنه من الأفضل أن تبدع وأن لا تشغل نفسك بھا على حساب الإبداع. أتذكر أنني ذات يوم وحینما شرعت بأول فیلم قصیر لي، كنت قلقة ومتأثرة بخصوص العمل الذي نقوم به، وكنت أشعر بوضوح أن ھذا ھو أفضل وأسعد جانب من الفیلم و لا تساويه ولا حتى أطنان من الجوائز، ولحظة الانتھاء من الفیلم ھي الأكثر أھمیة وبلا حدود.
وأنا أرى أن رواية الطريق لكورماك مكارثي من أفضل ما قرأت، وقد حازت على بولیتزر عام 2007 . والآن إن ذلك الكتاب، لو سألتني، يتضمن سحرا من عالم آخر. ويمكن قراءته كقصیدة. لقد عصف برأسي بعد القراءة الأولى، وأصابني في الصمیم لدى القراءة الثانیة. وأحب أن أعتقد لو أن كورماك مكارثي مجھول، سوف يجد ھذا الكتاب طريقه لكل العالم. ويمكن الثناء علیه لأنه ببساطة عمل فني متمیز. ولا أشعر بالإضطرار لقراءة كتاب لأنه فاز بجائزة. الجوائز ينتقیھا البشر. وكل البشر لديھم أسباب للانحیاز، ثم يأتي دور الذوق والتوجه. وھناك العديد من الكتب التي حازت على القبول والثناء ولم أتمكن من المتابعة في قراءتھا أو حتى الدخول في مھادھا وتوجد كتب أصغر أھمیة كان قلبي يدق لھا بشوق. وھكذا حینما نصل لكتاباتي أفضل أن أتحسن ككاتبة وأن أتعلم من أخطائي السابقة. ولو ركزت على الجوائز أعتقد لن أكون قارئة جیدة و لن أحكم بشكل مثالي على ما أكتب.
س7 : و لكن ( الطريق ) رواية روحانية.. قيامية. حيث بعض الشخصيات تقاتل لكشف الغطاء عن الطبيعة الحقيقية للواقع الذي يدفع بسطاء الناس للانحراف عن مسارهم، و يمكن هنا الإشارة لجورج أورويل و روايته ( متشردا بين باريس و لندن )، و الإشارة أيضا لجاك كيرواك و عمله الغاضب و الاحتجاجي ( على الطريق). هل تعتقدين أن كآبيات كورماك مكارثي أكثر استنارة من زملائه الذين يكتبون بنفس الاتجاه؟.
- شخصيا من وجهة نظري الكآبة أكثر استنارة. أنا عرضة للتأثر بالأعمال التي ترى الضوء و القليل من الأمل في غياهب الظلام. و لا أعتقد أن رواية ( الطريق ) " خانقة " أو " سوداء " بسبب وزنها العاطفي و لغتها و العشق الذي تنطوي عليه. إنها تشبه فيلم " المغنولية ". هناك أشياء محزنة كثيرة تقع، و لكن هناك كذلك حس الجمال الذي يعم الأجواء. و الصورة الأخيرة هي امرأة مكسورة تبتسم لأول مرة بعد وقت طويل.
هذا ليس نداء الواجب. الكتاب الآخرون الذين ذكرتهم موهوبون جدا و محبوبون في كل أرجاء العالم. و لكن أنا حقا أتعاطف مع أسلوب و نبرة كورماك. و أعتقد أن رواية الطريق قصة فلسفية عن الحب، و هي ذات إيقاع نادر و مفتوحة على عدة تفسيرات. فهي إنجيلية و قيامية، و لكنها تلفت النظر أيضا بالعقدة البسيطة التي تصور الأب و هو يعتني بابنه في عالم مشرذم و يحتضر.
س 8 : ما ھي خططك للمستقبل. عمل كبیر أم نصوص قصیرة؟.
- أرغب بكتابة رواية . في ھذا العام، كتبت رواية للصغار ونشرھا ناشر جديد وكانت ھذه التجربة مدھشة فعلا. وأعتقد أنني جاھزة لكتابة رواية بالمقارنة مع العام السابق لأنني مررت بالتجربة اللازمة. وما زلت أخطط لروايتین مختلفتین وھذا على ما يبدو لي ھو الصواب، يجب أن نبدأ برحلة استطلاع قبل ارتیاد الطرقات الطويلة. وقد قدم لي ناشر كتب الأطفال الجديد خطة مدھشة لروايتي القادمة. وعلى أية حال، في النھاية، يمكن أن أبدأ برواية بنفس طريقة القصة القصیرة. وھذا بالتأكید ھدفي خلال عام 2012 ، كتابة رواية، سوف أقول عنھا قصة طويلة وبذلك تكون العملیة أقل استفزازا وعنجھیة. وآمل أن أكتب للتلفزيون أيضا.
س 9 : جملة معترضة أخیرة. من ھو كاتبك المفضل ( في القصة وغیرھا). وما نوع القراءات التي تفضلینھا لتساعدك في مھنتك الأدبیة. الإبداع أم البحوث أم الصحافة فقط؟.
- فیلیب روث، جوناثان فرانزين، ريشارد يیتس، جويس كارول أوتس وتیم أوبراين. ھؤلاء نخبة من المفضلین عندي. أعتقد من المھم أن تقرأ الإبداعات والصحافة. كلما عرفت أكثر كلما اتسعت ذخیرتك من المعلومات التي تستمد منھا مصادرك.
وھذا ھو الشيء الذي يؤثر بي بخصوص جوناثان فرانزين. بكل بساطة. ھذا الرجل يعلم أشیاء كثیرة. وأنا أعشق أعماله بسبب تركیزه على المشكلة البشرية، ولذلك ھو يدفعنا لأن ننبض، ثم يدفعنا بالاتجاه الذي يختاره. ولكن كتبه أيضا ثقافیة جدا. وأنت لا تعلم متى يلھمك ما تقرأ لتكتب. وبما أن العواطف تأتي من القلب، إن سر السرد، من وجھة نظري، ھو ما تستطیع أن تتصرف به حیال عاطفتك، وكیف تحولھا إلى مشاھد طبیعیة مفتوحة تبدو لك غريبة علیك. أحب أن أقرأ كتب علم النفس وبھذه الطريقة كتبت عن أشیاء كثیرة لم أمر بھا على الإطلاق. وذات مرة سألني أحد الوسطاء الأدبیین ھل أنا أستعمل الكرة البلورية السحرية فقلت له كلا، ولكن أحب أن أقرأ عنھا، وعن العلوم والجريمة و المؤثرات الاجتماعیة. وھكذا فھي تبرز في أعمالي وكتاباتي أحیانا.
س 10 : لو أنك منكبة على كتاب الآن. ما ھو؟.
- الآن أنا في إجازة. ولكن من يعلم ماذا سأفعل في الغد.
* شكرا كارولاين. نتمنى أن نسمع أخبارك الطیبة عما قريب.
كانون الثاني 2012
08-أيار-2021
مقتطفات من : كافكا في المحاكمة الأخرى بقلم : إلياس كانيتي ترجمة : |
17-نيسان-2021 |
03-تشرين الأول-2020 | |
12-أيلول-2020 | |
22-آب-2020 | |
20-حزيران-2020 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |