" تعلّم كيف تقول وداعاً " من الرومي إلى مادونا
خاص ألف
2012-05-13
(تعال ياأخي المؤمن تعال ياأخي الملحد تعال أيا كان اعتقادك تعال ندور كما تدور الكواكب, تعال هي عتبة سنتجاوزها معا ولو كنت قد أخللت بالتزامك وتعهدك وتخليت عن قسمك, تعال...). بهذه الكلمات يدخل جلال الدين الرومي إلى محراب الحب ويكسر الحواجز المصطنعة بين البشر. ليؤسس لعقد جديد يتجاوز موروث التكفير والرفض للآخر, بعد أن تحولت الحياة مع الغزو المغولي إلى سؤال كبير يتجاوز الإتفاق والإختلاف, ليكون ما مصير الجميع عندما يتسلط سيف البدائية على الرقاب؟ وهل هناك متسع من التفكير بالفرقة الناجية والموت يحصد الجميع؟ وها نحن نعيش الظرف نفسه في العديد من البلدان العربية والإسلامية. فالدعوات الظلامية للعنف الأعمى واحدة ودعوات التكفير السلفية وفتاواها التي تحرّض على سفك الدماء متواصلة, ولن يقف بوجهها ويردعها غير رفع صوت الإعتدال والدعوة إلى قراءة التاريخ من جديد وتسليط الضوء على كل ما من شأنه رفع الحيف الذي لحق بشخصيات قدّمت للإنسانية نموذجا على سعة الصدر وشمولية الرؤى والقدرة على النظر إلى الحياة بمنظار الحب كما فعل الرومي.
ولد جلال الدين الرومي قبل أكثر من800 عام في 6 من ربيع الأول 604هـ / 30 من سبتمبر 1207م) في بلخ (ما يعرف بأفغانستان حالياً) وانتقل إلى بغداد عند غزو المغول وهو في الثالثة عشرة من عمره مع والده القاضي بهاء الدين الذي أنشأ (المدرسة) الدينية ودرس في المدرسة المستنصرية ثم انتقل إلى دمشق ومكة وأذربيجان والعديد من بقاع العالم الإسلامي حتى استقر به المقام في قونية عاصمة الدولة السلجوقية في تركيا اليوم في كنف الأمير السلجوقي علاء الدين واختير للتدريس في أربع مدارس بقونية حتى وفاته عام 1273م . وهو مؤسس الطريقة المولوية. جلال الدين الرومي المتصوف والشاعر الذي أحتفلت به اليونسكو في عام 2007، وهي الذكرى الثمانمائة لميلاده، غني عن التعريف ولكنه من المغضوب عليهم لدى الكثير من المتعصبين الذين لايرون الشمس من غربال الحب. ويحاكمون المفكرين من خلال ظاهر أقوالهم دون القدرة على سبر أغوارهم, وهكذا يضعونهم في دائرة الشك والرفض والتكفير تمهيدا لفصلهم عن الناس ومحاربتهم فيما يقولون. وهكذا نجد أن الكثير من العلماء والمفكرين وأصحاب الرؤى المختلفة من العرب والمسلمين قد طواهم النسيان لدى أجيال متعددة حتى أصبحنا نبحث عنهم في ترجمات الغربيين من مستشرقين وغيرهم. والملفت للنظر هنا هو مدى انتشار أفكار وأشعار الرومي في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية والتقصير الكبير إن لم نقل التجاهل في البلاد العربية والإسلامية للأعمال الفكرية لهذا المتصوف الذي يدعو للتسامح والمحبة في زمن تشتعل به نيران الأحقاد والضغائن, وتتلبس ثوب العقيدة والدين وترفع راية التكفير من جهة. وتحجب دور نصف المجتمع أي دور المراة بل وتشطبه من معادلة الحياة بدوافع ذكورية ليس لها نصيب من الحجة والمنطق ولاتمتلك سوى الرغبة الجامحة بالإلغاء وفرض النظرة الأحادية التي لاتؤمن بوجود الآخر. بل وتعتبر حضور المرأة هو سبب الكوارث والنكسات والشرور التي تعيشها الأمة, وهكذا يتأسس مجتمع لا يعرف الحب إلا من منظار الغريزة ونظرة الإزدراء تجاه المرأة. ويبحث عن بطولات وهمية, رسختّها فنطازيا البطولات الذكورية في دراما المسلسلات التاريخية التي تعيد أمجاد البطل الفرد المنقذ من الضلال والبدع!! الذي يقف طوداً شامخاً أمام منْ يدعو للحياة وللحب والتسامح.
الملفت مانسمعه عن تلك الإحصائيات التي جرت في الولايات المتحدة الأميركية، وأظهرت أن أشعار جلال الدين الرومي هي الأكثر انتشاراً في أميركا، خاصة في صفوف الشباب والمراهقين، وأن ترجمات واسعة قدمت للقراء، فصنعت منها بطاقات التعارف والأعياد، وأن أشهر مغنيين أميركيين معاصرين في أغاني الحب، وهما «دمي مور» و «غولدي هون » يغنيان أشعار جلال الدين الرومي وأنتهاءا بما أقتبسته كلمات أحدى أغاني مادونا بعنوان " تعلم كيف تقول وداعا" والمأخوذة أصلا من احدى قصائد الرومي الشعرية الفلسفية. في قصيدته بالفارسية والمعنونة ( سر آغاز) أي البداية الأولى أو ماعرف ب ( قصة الناي) يقول فيها:
استمع لهذا الناي كيف يحكي حكايته
ويشكو من البعاد
( منذ أن اقتلعت من حقل القصب والرجال والنساء ينتحبون لصراخي
أريد صدرا قطّعه الفراق قطعة قطعة لأشكو له ألم الفراق).....
إن هذا الأنين نار وليس هواء
كل من ليس فيه نار.. فهو هباء
إن نار العشق تلهب في الناي
وتسري كالخمر نار الغرام
وهكذا ينطلق الرومي ليشرح نظرية وحدة الوجود عبر الناي وآلامه وأنينه واغترابه. وهو القائل " عقد الخلائق في الإله عقائدا وأنا اعتقدت جميع ما اعتقدوه". ترك جلال الدين الرومي ميراثا أدبيا هائلا يعكف المختصون على دراسته دراسة علمية شاملة. فقد كرّس المستشرق البريطاني رينولد نيكلسون خمسة وعشرين عاماً من عمره لترجمة "المثنوي" ودراسته، وأصدره تباعا في ثمانية مجلدات بين 1925 و1940. كما إن كولمان باركس وهو شاعر ومترجم أميركي أصدر ثمانية كتب متسلسلة عن الرومي كان آخرها كتاب " ماهية الرومي".
يقول كالمان باركس: "أن الثقافة الصوفية التي أسسها الرومي تجسد جوهر العقيدة المتحرر من القيود. الجوهر الذي أعتقد بأنه يحتاج إلى التأمل في مرحلة أصبحت فيها العقيدة الدينية مقرونة بالإرهاب فقط. إن الجوهر الصوفي يعمل على تليين الرسالة الدينية المغلقة من خلال تعزيز مشاعر الحب.. ولذلك فأنه يعتبر من بين أهم شعراء الصوفية في الإسلام حيث برز اسم جلال الدين الرومي كواحد من أعلام التصوف، وأحد أعلام الشعر الصوفي في الأدب الفارسي والأدب الشرقي عموما حيث كتب الرومي معظم إرثه الشعري الكبير بالفارسية والعربية...ويُعد الرومي شاعرا من الطبقة الأولى من طبقات الشعراء، فهو قوي الصنعة، واسع الخيال، بارع في التصوير، يوضح المعنى الواحد في صور مختلفة، له قدرة على توليد المعاني واسترسال الأفكار، ويتسم بالبراعة في انتقاء الألفاظ واختيار موسيقى الشعر، وتسخير اللغة والتحكم في الكلمات".
نختم بهذه الأبيات للرومي ترجمة عمار كاظم محمد:
من الذي قال أن الروح الخالدة تموت
ومن يجرؤ على القول
إن شمس الأمل تغيب
عدو الشمس هو فقط
من يقف على رأسه
رابطا كلتا عينيه صارخاً
انظروا، الشمس تموت
08-أيار-2021
21-تشرين الثاني-2013 | |
16-تشرين الثاني-2013 | |
05-تشرين الثاني-2013 | |
26-تشرين الأول-2013 | |
15-تشرين الأول-2013 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |