سيحين وقتك قصة : جيم يوشان ترجمة :
خاص ألف
2012-06-03
ارتعبت لوقت قليل. طبعا هذه ليست أول مرة. من حين لآخر فيما مضى كان ينتابني الرعب. يمكن أن تقول كنت قلقا معظم الوقت.
الحياة في رعب دائم... بدأ ذلك حينما تلقيت الرسالة. حينما عمد الجنون الذي حاصر المدينة للإعلان عن نفسه في التلفزيون و الصحف. لا أعرف كيف وجدوني. و لماذا أنا؟. أنا شخص وحيد.. يستيقظ في الصباح ليذهب لعمله، فقط ليعود بعدئذ إلى البيت. على الأقل هكذا تعودت!. و لو أستطعت المغادرة مجددا، ربما تمكنت من العودة.
كيف حصل ذلك؟ هذا هو السؤال الذي يصعد للذهن دائما، أليس كذلك؟. لماذا حصل ذلك و لماذا أنا؟. إن لم يكن أنت، من سيكون التالي؟. و على ما يبدو ستكرر هذا السؤال على مدار الوقت. شخص ما سوف يسأل. و في حالتي، هذا الشخص هو " أنا ذاته". و ربما أستحق أن أكون في هذا الوضع. أعترف أنه تواردت لخاطري بعض الأفكار. ( غالبا هي سيئة). و كلها ضد النظام... و لكن لم أقترف ذنبا أستحق بموجبه ما أنا فيه. كانت الأفكار مستحيلة، و لا تخطر إلا لقليل من المراهقين، ممن وقعوا في فخ الحياة المظلمة و الخانقة. هذا كل شيء. و لكن من يعلم بماذا أفكر؟.
على الأغلب لا يعلم بذلك غير ثلاثة أشخاص. بعد أن غادر سنان للخارج لم يتبق غير إثنين. هل هذا ممكن؟. لم لا؟. ربما أرسلوا لهما نفس الرسائل أيضا. التهديد و الإجبار... لو كان بإمكاني أن أتصل هاتفيا سأسأل عما جرى. و لكنهم يصغون لكل شيء. و لا يمكن أن نتكلم بالرموز كما حصل في الماضي. هذا غير ممكن بعد الآن. نعم، لا شك أن هذا حصل، لا شك أنهم أجبروا على الكلام، و إلا كيف تدبروا أمرهم و وجدوني؟.
بدأ كل شيء بكتابات على الجدار. و كانت الكتابة ببخاخ دهان على مدخل مبنى المكتب و في نهاية النفق تماما. لم يأخذها أحد في البداية على محمل الجد. و لم يهتموا بها لأنها برأيهم خربشات سكارى. ( قلت لهم من قبل هذه ليست إشارة جيدة، و لا شك وراءها شيء. فضحكوا مني !).
و شوهدت خربشات غيرها في محطة البواخر قاديقوي ، على باب غرفة الانتظار. نفس النقوش... مع إشارة تعجب حمراء نارية. و لكن في صباح يوم 5 تشرين الثاني، في وسط ساحة تقسيم، انفجرت شرارات الخوف القادمة من قلب المدينة بشكل لسان من نار عندما ظهرت النقوش بحروف كبيرة على بناء قديم يقع في أول شارع الاستقلال. و كانت تقول : سيحين وقتك!. و هكذا استيقظت إسطنبول على وقع خوف جديد في ذلك الصباح. مع أن أحدا لم يجد شيئا، و كان الأمر كما لو أن النقوش .... انبثقت من تلقاء نفسها... في ليلة واحدة.
و أفترض أنه مرت ثلاثة أيام بعد أن رأيت الحروف... ثلاثة أيام منذ أن غادرت البيت لآخر مرة. و خلالها لم أكن أرغب بالقيام بأي شيء. استلقيت هنا، نصف مستيقظ و نصف نائم... أصغي للصخب في الخارج الذي لا يتوقف طوال أغلب الوقت. و ساعدني ذلك على تمرير الوقت. كان الصوت المنبعث في بنايتي يتسلل من تحت شقوق الباب... ضجة اندمجت مع صمت البيت... و ملأت الفراغ. أصوات خبطات الأقدام التي تهبط على الدرج بتردد، خبط الباب و هو يغلق، صوت جرس الباب، صوت طفل يصيح، صوت الحارس، صوت صحيفة اليوم و هي تسقط فوق صحف اليوم السابق، صوت المصعد، صوت الرجال الذين يحملون بضائع ثقيلة، صوت المفروشات الحديدية وهي تخدش الجدار....
و كذلك بالنسبة للأشياء التي كنت أراها... أو كنت معتادا على رؤيتها، عندما كنت أنهض من الفراش، و أفتح الستائر و أنظر من النافذة، الأشياء التي اعتدت على رؤيتها من النافذة... الأبنية الضخمة على الطرف المقابل من الشارع.. ثريات. تلمع مثل الشمس. و في بعض الأمكنة، كان خفوت ضوء النيونات يبدو و كأنه يدعو الناس الآخرين إلى بيوتهم. أحيانا كان رجل سعيد، لا يزعجه تحديق الآخرين به، يسير على الشرفة. و الآن، أليس هذا مشهدا رائعا؟. أليسوا خائفين قليلا؟. ها هي الستائر مفتوحة على وسعها. ثم ها هو يشعل سيجارة. و هو يرتدي ثيابه الداخلية فقط.. يميل على الشرفة بكلتا يديه، و ينظر للحارة. هكذا أرى من وراء شق ضيق بين الستائر. إنهم غير خائفين. طبعا، لم ينتقيهم أحد، و لم يلق أحد الأعباء على كواهلهم.
منذ ذلك الصباح، كان يبدو أن النقوش الكئيبة الغامضة التي انتشرت في المدينة تستحوذ على الناس بالتدريج. كانت الحروف الحمراء النارية في كل مكان... و لم يستغرق الأمر طويلا لتظهر بعد الكتابات الأولى غيرها ( حذرتهم... هذه ليست إشارات جيدة). و بدأت أشياء غريبة بالحدوث واحدة بإثر أخرى. و انتشر طوفان من الأخبار من كل مكان. مراكز الشرطة... الصحف، برامج التلفزيون...
كان الناس في البواخر و الحافلات و الطرقات و المقاهي يتصرفون عشوائيا. ناس عاديون ! ناس عاديون نراهم في الشوارع كل يوم و نقول لهم مرحبا و كانوا يتصرفون كأن الجنون لحق بهم. هل تسأل ماذا حصل لهم؟. في مقهى يقع في باكير قوي تعرى أحد الرجال فجأة أمام الجميع و صاح " سيحين وقتك"!. ثم ألقى بنفسه إلى قارعة الشارع و غاب في البازار. و في نفس اليوم أعلن قارئ نشرة أخبار غاضب في التلفزيون عن سبع عشرة حادثا مماثلا في مناطق مختلفة من المدينة. كلها جرت في نفس الوقت...
و وصل طول صف السيارات التي تنتظر على الجسر ما يزيد على 20 كم. و أصرت جماعة من الناس حملت على زجاج سياراتها الأمامي عبارة " سيحين وقتك " على دفع ضريبة العبور بالنقود المعدنية... دون اهتمام بتعليمات ضابط المرور. كل شخص كان غريبا بتصرفاته.
و طبعا فهمت المغزى بعد وصول الرسالة. كنا نواجه مشاكل خطيرة. و بالرغم من كل شيء التزم ضباط الشرطة المحليون بالصمت.
و لكن لم تكن هذه حال النقاد في الإعلام... في اليوم التالي نشرت الصحف التعليمات و الأوامر و النواهي. كان لدى كتاب الزوايا الثابتة و معلقي التلفزيون و الجموع الغاضبة المتجمهرين حول مكبرات الصوت ... كان لدى كل هؤلاء شيئ يقولونه، نصيحة يقدمونها. ( و لكن لم يجرؤ أحد على ذكر الحروف، و هذا يعني أنه ليس بوسع كل شخص الجرأة لإشعال الضوء و تدخين سيجارة ضرورية على الشرفة، الناس كانوا خائفين أيضا). لقد تم إغلاق أفواه المسؤولين الرسميين، و أعلنت مدن أخرى إجراءات احتياطية لتلافي اندلاع الفوضى على نحو مماثل).
حتى إشعار آخر، ستكون الجسور فوق البوسفور مجانية. احتياطات ضرورية تم اتخاذها لضمان سلامة مواطنينا. و لهذا السبب...
رأيت ذلك في التلفزيون لذلك اليوم. شجارات و مشاحنات... الناس يتعرون، و يصرخون... و في المسارح و صالات السينما احتل الناس خشبة العرض، كانت الأخبار تشبه نفسها. أطفأت التلفزيون لأنه لم يعد بوسعي متابعته. و لم أجرؤ على إشعاله. كانت تبدو المدينة و كأنها شقت عصا الطاعة. و تساءلت، من يقف وراء كل ذلك؟. و لماذا يفعلون هذا؟. و ماذا يريدون مني؟.
أنت من وقع عليه الاختيار!.
لديك كل الصلاحيات لتقوم بواجبك المقدس. و واجبك يتلخص في خلق الفوضى في الأنفاق طوال اليوم. و إن لم تقم بواجبك على أتم ما يرام، ستتحمل العواقب. و نعتقد أنك ذكي بما فيه الكفاية لتعلم أن كل خطواتك تحت المراقبة.
و لهذا اخترناك.
و سيحين وقتك.
صفحة بيضاء بخط اليد و بالحبر. و بحروف أنيقة و مقروءة.
دفعها شخص من تحت شق الباب. و هي لا تزال هناك حتى الآن. كما كانت. أنت المختار. متى وقع الاختيار علي لآخر مرة؟ في العمل طبعا!. كنت دائما الشخص الذي يتجشم أعباء ما لا يرغب به الآخرون. على ما يبدو أنهم وصلوا لكافة النواحي. من هم؟. شبكة تصل لكل زاوية من المدينة. شبكة سرية... كل خطوة من خطواتك تحت المراقبة. طبعا. كم أنا غبي!. من يعلم ما هو طول الفترة التي كانوا يطاردونني فيها؟.
ربما كانوا يراقبونني عندما التقيت بأرزو في ذلك اليوم. و ربما قالوا " يا له من أحمق. لم يعرف كيف يكشف عن عاطفته لها". طبعا.. ربما انتقوني من بين حفنة من الخاسرين. من بين أشخاص لا يمتلكون شيئا. من هؤلاء ينتقون الأفراد الذين لا يشعر بوجودهم العالم. و لذلك أنا لا أفعل ما يجب... أنا لا أغادر عتبة بيتي.
و سأرفض القيام بالمهمة حتى النهاية. و بعد ذلك دعونا نر ماذا سيحصل.
جرس الباب. جرس بابي. رغبت لو يتوقف عن العمل. و لكنه واصل الرنين. لقد أفسد الجرس. و بدأت يده القوية تطرق على الباب، بالخاتم الذي يضعه في أصبعه. اقتربت. ها هنا البداية !. سوف تتحمل العواقب. رجل طويل يرتدي الأسود. و في يده حقيبة كبيرة. كان يتكلم مع نفسه. بأصوات غريبة تئز. .. ربما هذا هاتفه... اقتربت من الباب أكثر... و أمسكت أنفاسي خشية أن يسمعني. كان يعلم بالتأكيد أنني في الداخل. من يعلم ما هو طول الفترة التي تعقبونني خلالها. أغبياء قذرون. أي نوع من الناس هم؟.
سمعته يقول اضبط أعصابك. ربما كانوا يتناقشون هل يجب اقتحام المنزل أم لا أو ربما... هم بانتظار الإذن. مفهوم؟. نعم، ليس لدى هؤلاء الرجال شفقة و لا رحمة. و هكذا حان دوري. يجب أن أذهب إلى المطبخ و أقبض على سكينة أو شيء ما. لأتمكن من الدفاع عن نفسي.
مع ذلك إنهم مثقفون. كتب الرجل شيئا ما على قطعة من الورق و ألصقها على الباب. ماذا يفعلون؟. يا له من موقف تافه !. أصبحت الآن خطواته بعيدة. ببطء. ما زال يقول شيئا. و أصبحت كلماته أطول و كانت تبتعد. لقد انصرفوا. لا أفهم ذلك. من هم هؤلاء الناس؟. أنا على يقين أن الأصوات في الخارج قد اختفت تماما الآن.
حررت أقفال الباب. ثم فتحت القفل. ثم الباب قليلا. فقط بما يكفي لتمرير يدي. و حملت الصحيفة التي كانت في أعلى الكومة. و لكن العنوان الرئيسي جمدني، فقد كان :
سيحين وقتك!.
و نص الخبر كما يلي : شجعت الخطة الجديدة لقانون التقاعد الفردي البعض لاستخدام تقنيات مبتكرة تساعد على تسويق و توسيع قاعدة الزبائن. و خدمات التقاعد البديلة ( خ ت ب ) هي إحدى الشركات التي تبنت هذه الاستراتيجيات التسويقية المتحررة. و كانت حملة ( خ ت ب ) التي بدأت في إسطنبول خلال الأسبوع الماضي، قد عدلت البرنامج الأسبوعي. و قال موظفو الشركة هناك المزيد على الطريق. و عبر يالشين يوشير ، مدير تسويق و إعلانات في ( خ ت ب )، عن رضاه من السجلات الخاصة بالأسبوع الأول للحملة.
و قال أيضا التركيز الأساسي في حملة ( خ ت ب ) اعتمد على أسلوب تسويق يشبه شن غارة، و أعلن عن أن هذه الطريقة تفوقت في مجال تسويق تقاعد الأفراد. و أضاف " نعتقد أن المجتمع التركي مثالي بالنسبة لهذه الحملات لأنه منفتح على التبدلات و المفاجآت. لقد كنا نركز على الهدف. و نعتقد أن بعض النشطاء المستقلين الأذكياء، الين لم ينتبهوا لحملتنا و إعلاناتها، سوف يحتجون، و هذا سيقوي من كفاءة حملتنا.
و يجب أن نذكر الإعلانات المطبوعة المصممة بأسلوب يشابه طريقة المنشورات المكتوبة بحروف خط اليد ، و قد لعب ذلك دورا هاما في نجاحنا. و لكن حسنا، كان من المفترض أن يقوم بالاحتجاج على الجسر جماعة صغيرة من الناس. غير أن المشاركة كانت أكبر من كل التوقعات.. و نحن نعتذر على أي مشكلة تسببنا بها لأهل إسطنبول.
و يجب أن نوضح مشكلة أخرى لمن لديه فضول حول ذلك، و هي مشكلة الجدران الملونة. تحت مسؤولية البرنامج الاجتماعي ساهمت ( خ ت ب ) بترميم و تنظيف المباني القديمة. و كل الجدران التي تحمل إعلاناتنا هي جزء من البرنامج و قد حصلنا على موافقة من البلدية المحلية المختصة. و بلا تأييد منهم، ما كانت لتنجح الحملة، و لذلك أود التقدم بالشكر الجزيل للسلطات.
و الآن نحن نخطط لإيقاف حملة دعاياتنا في المدن الأخرى بأسرع ما يمكن. و ربما قد بدأنا بذلك...",
الترجمة إلى الإنكليزية لفوندا بيلجيك
جيم يوشان Cem Uçan : كاتب تركي معاصر مولود في إزمير عام 1973. يعيش في إستانبول منذ عام 1991. له كتاب قصصي واحد بعنوان ( حيوات مختلفة ).
الترجمة العربية عن مجلة بالب نيت ( شبكة اللباب ) الإنكليزية. بإذن مسبق من الكاتب و الناشر
08-أيار-2021
مقتطفات من : كافكا في المحاكمة الأخرى بقلم : إلياس كانيتي ترجمة : |
17-نيسان-2021 |
03-تشرين الأول-2020 | |
12-أيلول-2020 | |
22-آب-2020 | |
20-حزيران-2020 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |