عودة إلى مذبحة الأطفال:
2012-06-05
لولا الرحمة لانقرضَ الجنس البشري. لولا الشفقة لما عرفت البشريّة أنّها موعودة بأن تغدو إنسانيّة. لا نؤيّد حكم الإعدام. نحن ممّن يدعون إلى مبادلة الإساءة بالصفح والاعتداء بالغفران. لكنّ مَقْتَلَة الأطفال تفوق الطاقة على التسامح وتؤجّج الغضب وتستصرخ معاقبة جزّاري الحولة وتل دُو فوراً. تتّسع الحياة لتَعايش المرتكب والبريء شرط أن يظلّ البريء على قيد الحياة. عندما ينقضّ الذئب على النعجة ينتهي التعايش. الذين ساقوا أطفال الحولة وتل دُو إلى الموت يجب أن يُعاقبوا بأكثر ما يمكن من تسليط الأضواء عليهم. اللعنة اليوم هي تشهير الفضيحة فليُحْكَم عليهم بهما أوّلاً.
من الآن إلى أن تنغسل هذه الجريمة، وحتّى لو كان هناك أسوأ منّا إجراماً، لن يكون أسوأ منّا. قنبلتا هيروشيما وناغازاكي تصبحان أشبه بالنظريّات أمام مسدّسات السفّاحين وسكاكينهم في لحم الأطفال السوريّين العُزّل. اليابانيّون لم يعرفوا أنّهم يُقصفون والأطفال عرفوا أنّهم يُذْبحون. مرأى عيونهم لحظة هذه المعرفة كافٍ وحده لتقشعِرَّ الوحوش. هذه الصورة، وصورة الفلسطينيّين المحاصَرين في مخيمي صبرا وشاتيلا يرعى فيهم قتلاً مرتزقة الجيش الإسرائيلي، يستحيل مسحهما من الذاكرة. تنتميان إلى صورة أفواج اليهود المصفوفين أمام الأفران ليذهبوا إليها وتبتلعهم أفواجاً. قد لا يكون السفّاح أخا السفّاح لكنّ الضحيّة أخو الضحيّة.
إنّ كائناً لا يستطيع أن يتخيّل رعب الأضعف وهلعه قبيل لحظة تصفيته، كائنٌ كهذا لا يستحقّ العيش.
كلّنا لدينا من هؤلاء. لبنان أبدعَ في إنتاج نماذجهم. العراق تفوّق عليه. الآن سوريا. كنّا هلالاً خصيباً وأصبحنا جهنَّم الحمراء.
ولا تبدو النهاية وشيكة.
الله لم يقتل إبليس، فهل يسمح بقتل ملائكة الفقر والعذاب وانعدام الدفاع؟
وأفظع ما في الأمر أنّ ثمّة مَن سيستغرب مبالغاتنا.
اعتياد الهول، هول. هؤلاء المستغربون هم من العائلة المعنويّة ذاتها لسفّاحي المجزرة.
ونحن لا نخاطبهم. ليسوا أقرباء. ولئن قالوا لنا إنّ طبيعة الأمور تؤيّد واقعيّتهم نجيبهم هنيئاً لكم طبيعة الأمور.
نحن نفتخر أنّنا ضدّ هذا النوع المرعب من طبيعة الأمور. لولا نعمة وجه الطفل لما كانت لكم الأرض وخيراتها. لما كانت لكم شفاعة. لما كانت لكم سلطة ولا ثورة. الحياة موجودة بفضل ضعفائها. بفضل نسائها وكرمائها وأولادها ومسعفي غرقاها وجرحاها ومحروقيها. الحياة عبقريّة ومزدانة ومتغلّبة على عقباتها بفضل شفّافيها والذين يبكون أمام المشاهد الحزينة في السينما. الحياة كريمة بفضل مَن يقاومون السقوط والقنوط والتوحّل لا بفضل مَن يحشّشون ويسكرون ويمضون إلى القتل، ولا بفضل مَن يسوقهم جنون التعصّب أو حساب الارتزاق إلى سحق البنفسجات البشريّة.
أنتم تحسبوننا غباراً لأنّنا ضعفاء، ولأنّ الجماهير مع الأقوى، وهل أقوى من القتل؟
بلى، هناك أقوى من القتل وأقوى من الجماهير.
هناك أشباحُ الأطفال الذبائح.
على ضمائرنا يتوقّف تحويلها إلى طوفان يغسل الأرض من ضباعها
جريدة الأخبار.
08-أيار-2021
15-شباط-2013 | |
13-آب-2012 | |
06-آب-2012 | |
27-تموز-2012 | |
05-حزيران-2012 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |