حـــــــبّ [7]
2013-02-15
ليس من حقّكَ أن تؤمّلها بأكثر من طاقتك.
إعجابك يبهرك، يولعك، فتقول ما يجعلها تنام على أحلامٍ مستحيلة، وتتصرّف، تحت نار رغبتك، كأنّك الفارس الذي سيعوّضها ويرفعها فوق السحاب.
ها هي تحلم بلا حدود، تُصدّق مهما تدلّلتْ متظاهرةً بعدم التصديق. والعاشقُ صادقُ العاطفة، لكنّه كذّاب لأنّه في الأغلب سوف يعجز عن المطابقة بين الوعد والتنفيذ.
لو استطاعت المرأةُ أن تستعذب الوعود دون أن تصدّقها لما تجهّمت العلاقة، لما تسمّم الجوّ في ما بعد بالعتاب والأسى. العاشقُ ينسج لها رؤى أشواقه، وهي تراها حياةً ستعيشها في الواقع.
لا تستطيع المرأة أن تعطي أكثر ممّا تعطيه. إنّها تفي بوعودها. ما تعجز عنه هو على الأرجح تصعيداتٌ ابتكرتها تصوّرات العاشق. سراباتٌ هي غير مسؤولة عنها. السحر يبعث بتوهّجاته وفق الأجهزة العصبيّة التي تتلقّاها. لا يُقاضى السحر في محاكم الاستحقاق. من حقّنا أن ننقم على أقدارنا لا على ضحايا الأقدار.
الطفلة التي تكون في الفتاة الصغيرة تبقى في الصبيّة وفي المرأة. في هذا رباطٌ أكيد بين المرأة والشاعر: كلاهما يكبر على طفولة. لا تَعِد طفلاً وتخلف بوعدك. ستكسر له حلماً لن يتوقّف نزفه وسيحفر في مكانه تجعيدةَ قلقٍ حيال جميع الوعود.
■ ■ ■
تحتاج المساكنةُ إلى تمثيلٍ يشبه حاجةَ الجسد إلى كساء.
■ ■ ■
ليت المعشوقة تأخذ من كلام الحبّ رحيقه وتنسى الباقي. شَهْدُ التوقِ، ولا تحاسب على الأطباق. لكنّ ذلك صعب. أرض الميعاد بالنسبة إلى المرأة تقع في الغالب على حدود الكلام. وراءه لا أمامه. جهاز دفاعها عن هذه الخيبة يكمن في القناعة. وفي أملٍ بإطلالةِ إعجاباتٍ جديدة.
■ ■ ■
تبكيتُ الإخلال بالوعد خنجرٌ يحزّ في روحك وشبحٌ يصعق عينيك كلّما خلا رأسكَ ممّا يلهيه.
■ ■ ■
الشوق، إن لم تتجاوز به الحُمّى حدود الشرود، فؤادٌ ساكن. يغلي، يغلي، ولا يفور. يحفر ويغور، ولا يفور.
الشوق حاجةٌ، إشباعُها فيضُها على السكون. والفيضُ، أي الوصال، قد يزيد الشوق، وقد ينقصه، وقد يمحوه.
الشوقُ يقيم في النقص، في التقصير، في الجبن، في شبهِ عَدَم. الوصول شجاعة. الوصال يراوح بين ثلاثة: الاعتياد، الشغف المتصاعد، الانتحار.
شعراءُ الحبّ المجنون يقيمون في النقص، مُشْبَعين ومحرومين.
■ ■ ■
معاينةُ اللهِ تُعمي، أي تُطفئ. الحرمانُ من مشاهدته يؤجّج الجوع إليه.
كذلك في الحبّ. قد نحبّ ذاتنا في الحبيب، غير أنّنا نحبّ أكثرَ منها ذاته، ذاته الضبابيّة، الناصعة الضبابيّة، الغامضة الحارقة، ذاته الحاملة أحلامنا، القابلة مستحيل أمانينا.
ذاته الغائبة غياباً نلقي عليه بآلامِ الشوقِ تباعاً، كأنفاسٍ كلّما قاربت الرمق الأخير تجدَّدَ شهيقها من زفيرها.
■ ■ ■
الحياةُ موتٌ بطيء، الشغفُ يتحدّاها ويتحدّاه.
يجب أن نحاذر تقليد الحبّ المجنون. يكون أو لا يكون.
اركنْ إلى الذاكرة لتتأكّد أنّك عرفته، لا إلى المخيّلة أو الثقافة.
الحبّ المجنون، أجمل حبّ، يهودي تائه يبحث عن موته.
■ ■ ■
لا تنظر وراء العبارة وأنت تقولها. تقدَّم. ستحلو الفراغات لمَن يملأها.
■ ■ ■
«مَن أنتِ؟ لا أدري وما ضَرَّني
جهلي، وجهلي اللذّة الباقيةْ
أطيَب ما في الشعرِ أغنيةٌ
تبقى بلا وزنٍ ولا قافيةْ»
صلاح لبكي
■ ■ ■
إنْ لم تُصِب من أوّل مرّة فلا داعي للتكرار.
إنْ لم يفهم من المرّات الأولى فعاودي الكرّة إلى أن يندم على ما فات.
■ ■ ■
اختَرْ، إنْ كنتَ من هواة الألم، حبيباً يتضاعف حجم الغياب فيه كلّما ازدادَ حضوراً.
■ ■ ■
يراوحُ بُعْدُ الغيابِ لدى المعشوق بين ما لا تفهمه في شخصيّته وبين ما لا وجودَ له في هذه الشخصيّة وإنّما في نظرتك إليه. النتيجة واحدة. المهمّ أنْ تستلقي على الغيمة وتظلّ تجهل أنّك ستقع.
■ ■ ■
بعضهم ما إنْ يعبّر عن حبّه حتّى يرتاح منه...
■ ■ ■
نستطيع العيش بلا ذاكرة فهل نستطيع العيش بلا نسيان؟ «نجّني يا ربّ من نسيان النسيان!» يقول الشاعر. النسيان هو الحجر الفلسفي، الينبوع الذي في الاغتسال به تتقشّر الروح.
والفيلسوف يجيب الشاعر: «بل حذارِ نسيان التذكّر، لأنّ الذاكرة هي فكرك وروحك، وبدونها أنت نبات».
الأوّل يهجس بالطمأنينة والآخر بالأخلاق. الشاعر يلوذ من نفسه بالمجهول، بأجنحة المخدّر، على رَحْب المُسْكر أو السَفَر، في مضيق الانطواء، وسائر المروقات على الذات أو الاضطجاع فوقها بأمل تغييبها، والفيلسوف يحاول حماية القيم والمبادئ من الضياع في زوبعة الأنا.
أين يقف مَن هو لا هذا ولا ذاك؟
في المنطقة المنزوعة السلاح بين هَلَع الشاعر ومبدئيّة الفيلسوف.
... وفي صَهْرِهما معاً، حيث الإنسان قبْل آدم وحوّاء.
■ ■ ■
يقول آباء الكنيسة، من بولس إلى يوحنا الذهبيِّ الفم إلى توما الإكويني، بوجوب خضوع المرأة للرجل، وبأنّها لم تُخْلق في البدء بل آدم، وإذاً فهي لم تكن واجبة الوجود.
يريدون أنّ الخليقة صناعةٌ محض ذَكَريّة، فالله، في اللغة والتصوّر وكتب الدين، مذكّر، وقد اجتزأ الأنثى ضلعاً من الذَكَر لمؤانسته في الوحشة. أي إنّ آدم ولد يتيم الأمّ. ولد راشداً بلا طفولة. أمّا حوّاء فلم تحظَ بشرفِ جَبْلها من تراب واكتُفيَ لها بقطعةٍ من آدم. هي طبعاً رموز، لكنّ الرمزَ أصدقُ إنباءً من الكتب: كلّه وكلّها احتكارٌ ذَكَريّ للسلطة.
لا تثوري يا سيدتي. لا تقتبسي شيئاً من عادات الرجل. يكفي أنْ تكوني على أجنحة مواهبكِ.
يستحيل تخيُّل الكون معزولاً عن احتضان الحنان له.
■ ■ ■
حيث يكون قلبك يكون كنزك.
■ ■ ■
حبّ يوقع في هاوية وآخرُ يَرْفع من هاوية. تعرف أيّهما هو، عند وحي الشروق وفي حصاد المغيب.
■ ■ ■
لماذا نَنْشد التخلّص من حبائلنا؟
شيءٌ آخر سيحلّ محلّها، وقد لا يكون أرحم.
لن نتمكّن من العيش بدون حبائل، بدون قَهْر، بدون مغالبة.
بدونها نقع. لن نعود نتلمّس شيئاً وراء الشيء، وسنفتقد اللعب. سيفقد صوتنا رونق الصباح، وصمتُنا معنى الكبرياء. وسيخسر الحبّ ارتعاشةَ المعجزة.
عابــــــرات
جئتِ كنتُ حزيناً قلتُ نعم
ابتداءً منكِ قلتُ للعالم نعم.
بول إيلوار
■ ■ ■
ليس الجمال إلّا الوعد بالسعادة.
ستندال
■ ■ ■
أَنْ يُحَبَّ المرءُ دون أن يُغوي، لواحدٌ من أجمل أقدارِ الإنسان.
أندريه مالرو
■ ■ ■
الحبّ هو الهوى الوحيد الذي لا يحتمل ماضياً ولا مستقبلاً.
أنوري دو بلزاك
■ ■ ■
ما فائدة الكلام!... ما نفع الكتابة؟ ما لم يكن المصغي هو الحبّ، ما لم يكن الحبّ هو الذي سيَقرأ؟
شانتال شوّاف
■ ■ ■
مستقبل الرجل هو المرأة.
إنّها لون روحه.
آراغون
■ ■ ■
دعني أحبّك
دعني أُعميك.
جويس منصور
■ ■ ■
حرمان الحبّ هو أفدح أنواع الفقر.
الأمّ تيريزا
■ ■ ■
في الحبّ هناك دوماً واحدٌ يتألّم وآخر يَضْجَر.
بلزاك
■ ■ ■
أن تكون عاشقاً هو أن تَخْلق ديانةً إلهُها ليس معصوماً عن الخطأ.
جورج لويس بورخيس
جريدة الأخبار
08-أيار-2021
15-شباط-2013 | |
13-آب-2012 | |
06-آب-2012 | |
27-تموز-2012 | |
05-حزيران-2012 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |