الاستلاب في شعار "بالروح بالدم"
خاص ألف
2012-06-30
الحديث عن الشعارات حديث طريف يبدأ بمحاولة التعريف بالشعار ولا ينتهي بتعداد تقنيات كتابته على صدر الصحف أو على الأختام أو المنتشرة على اللافتات أو الرايات أو ما يخط على الجدران. تختلف الشعارات باختلاف الأزمنة السياسية أو الأنظمة المتحكمة أو النخب التي تقود المشهد العام. لكن مع تباين الشعارات بين الماضي والحاضر إلا إن هناك شعار ظل صامداً بوجه كل المتغيرات وأصبح قاسماً مشتركاً لمختلف التيارات السياسية, وهو شعار (بالروح بالدم نفديك...). أسئلة كثيرة تتبادر إلى الذهن عند التفكير بهذا الشعار الذي واكب مرحلة دقيقة وظل لعقود طويلة ولايزال يمثل لدى الكثيرين الطريقة الممثلى للتعبير عن مدى الاخلاص والولاء والوفاء الذي يصب لمصلحة أفراد معدودين. فمن أين جاء هذا الشعار؟ وأية ذهنية أنتجته؟ وأية بنية نفسية تتقبله؟ وأية مجاهرة بالاستلاب والتبعية والخضوع والشعور بالدونية يفخر به؟ ثم لماذا هذا الاسراف في تمجيد الأشخاص والتغافل عن الدعوة لدور الجماعات والهيئات؟ اجتماعية كانت او سياسية أو فكرية. مما لا شك فيه إن للفرد دوراً مهماً في مجريات الأحداث والتاريخ يؤكد هذا الدور, فالشخصيات الكارزمية التي كان لديها الميزات والملكات الفردية وكل ما من شأنه أن يجعلها مؤهلة للعب الادوار القيادية الهامة. لكن ذلك لايبرر ما نراه لدى الكثيرين من شعور دائم باليتم وبحث متواصل عن الأب المفدى بصورة المنقذ والراعي والمخلص والبطل الفرد الذي لا يشق له غبار الذي لم ولن تلد النساء مثيلاً له!!! ولن يجود الزمان بمثله إلا نادراً, يرافق ذلك طبعاً ياس أو تنكر أو عدم ثقة بأي إنجاز جماعي بل هناك استخفاف بدور الجماعة الاجتماعية والسياسية والفكرية. فالحديث عن تظافر جهود جماعية لانجاز شيء ما, ينظر إليه باعتباره حديثاً طوباياً رغم إن تجارب الشعوب تقول غير ذلك. بل نستطيع القول إن ثمة شعوب وأقوام في القفقاز, على سبيل المثال, أعطت للبطولة الجماعية حقها من الاهتمام من خلال ما ورثته من أساطير تتغنى بانجازات جماعية فلم تغفل دورها ولم تمجّد البطولة الفردية على حسابها. وقد يعطى العذر ويكون الأمر مبرراً لوكان التمجيد والاستعدا للفداء بالروح وبالدم إلى منْ كان قد اجترح البطولة فعلاً وقدم لغيره مثلاً يحتذى في أقواله وأفعاله وانجازاته وليس لطغاة صغار أوردوا شعوبهم المهالك وغامروا وقامروا بحاضرها ومستقبلها. لقد ارتبط شعار "بالروح بالدم" بأسوأ فترات تاريخنا المعاصر وهزائمه الكبرى التي يسميها الأدب السياسي بالنكبة أو النكسة. التي غالباً ماكانت تجرّ ورائها فترة مظلمة من قمع المعارضين وتكميم الأفواه وقلب الحقائق وتخوين كل من يحاول أن يتسائل عن أسباب الهزائم ومنْ يتحمل مسؤوليتها. التخوين يطال كل من يتجرأ على قول كلمة الحق أو منْ يدعو إلى التغيير فتصبح تهمة الخيانة جاهزة وتلقى بوجه كل منْ يحاول الطيران خارج سرب المصفقين للقائد الذي اختزل الوطن والوطنية بشخصه. لذلك يحيرني السؤال عن الوطنية بقدر حيرتي عن السؤال المقابل, وهو تعريف الخائن أو غير الوطني, فبعرف أنظمة الإستبداد والاستعباد هو كل منْ لا يوافق رأيه الرأي المتحكم للحاكم, المعصوم عن الزلل بإذن الله!! وإن ضيّع الأمة ورهن مستقبلها لأحلامه المريضة. ثم ماهي الأمة؟ هل هي كما تسائل عبدالرحمن الكواكبي "رحمه الله" (ركام مخلوقات نامية أم جمعية عبيد لمالك متحكم "متغلب" وظيفتهم الطاعة والانقياد ولو كرهاً. أم هي جمع بينهم روابط دين أو جنس أو لغة ووطن وحقوق مشتركة وجامعة سياسية اختيارية لكل فرد حق إشهار رايه فيها). نسمع كثيراً مصطلحات مثل : المصلحة الوطنية العليا للبلاد, والخيانة العظمى, والولاء الوطني وما إلى ذلك. والسوأل هنا. منْ يحدد معاني مثل هذه المصطلحات والمفاهيم؟ هل تحدد بقانون أم يفسرها أهل الحل والعقد؟. بتعبير آخر هل كان هتلر باجتياحه العالم بدءاً من اوروبا الشرقية واعتدائه على شعوب بأكملها بحجة إنها شعوب سلافية أقل منزلة من الجنس الآري, هل كان وطنياً مقدراً لمصالح المانيا العليا ومحافظاً عليها؟ وهل كان المعارضون له من الألمان خونة يستحقون المصير الذي دفعهم إليه؟ ثم هل إن حب الأوطان يبرر العصبية المتطرفة وإلغاء الآخرين أو الحط من قدرهم؟ أم إن الحكمة البالغة هي في مقولة (ليستْ العصبية أن يحب المرء قومه بل أن يرى أشرار قومه أفضل من أخيار قوم آخرين).
عندما هاجر النبي من مكة إلى المدينة إلتفت إلى مكة مدينته التي عاش فيها طفولته وكان فيها ملاعب صباه, لكنها أيضاً المدينة التي آذته وتحمل من أهلها ما تحمل من صنوف التنكيل. التفت إلى مكة دامع العين وقال :اللهم إشهد إنهاأحب البلاد إليّ. ولم يمنعه حبه لمدينته أن يؤسس دولته في يثرب. بتعبير آخر لم يخالط حبه لملاعب صباه أي تعصب ولم يرى بُداً من تأسيس دولته في مكان آخر. ولنأخذ مدخلاً آخر للحديث عن الوطنية وما ارتبط بها من مفردات وممارسات, مثل ان يكون لكل بلد علم ونشيد وطني, يرفع العلم ويقرأ النشيد في المناسبات الوطنية والأعياد القومية والاستقبالات الرسمية لمسؤولي الدولة, ثم يتحول العلم والنشيد شيئاً فشيئاً إلى "تابو" لا يجوز المساس به ولايسمح بالاقتراب منه إلا بطقوس التبجيل والاحترام وتقديم فروض الطاعة والانحناء وكأن العلم هو الذي خلق المواطن وأسس الوطن وليس العكس, رغم إن الأمر لا يعدو أن يكون من الأمور التي تم الاتفاق عليها وليست مادة مقدسة بحد ذاتها. يعني إن الإنسان هو منْ أسبغ القداسة على خرقة من القماش واتخذها علماً ورمزاً. إنظر إلى الأعلام المتنوعة التي حولنا, من أعلام الفرق الرياضية والأناشيد الخاصة بها إلى رايات وأعلام القبائل والعشائر. حتى إن لشركات السيارت أعلامها الخاصة أيضاً.
إن ما يقود إلى التعصب والعصبية هو الإحساس بالظلم وضياع الحقوق ومايقود إلى التخلي عن الولاء الأصيل للوطن هو الاقصاء والتهميش والإحساس بالإجحاف فيرجع الانسان إلى المكونات الاجتماعية البدائية ويحتمي بها لفقدانه لشعور الأمن والاحساس بالكرامة وهو بكنف دولة تحوله إلى عبد لرموز وشعارات تسلب منه حياته ويصل إلى نهاية العمر وهو يتسائل هل عشت حقاً أم إن الحياة التي مررت بها ليست سوى كابوس سأفيق منه مرعوباً فحسب.
08-أيار-2021
21-تشرين الثاني-2013 | |
16-تشرين الثاني-2013 | |
05-تشرين الثاني-2013 | |
26-تشرين الأول-2013 | |
15-تشرين الأول-2013 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |