طائفيون وإن لم ينتموا
خاص ألف
2012-08-05
عندما ضاقت الدنيا بنا كعراقيين معارضين في السبعينات والثمانينات فتحت لنا الشام أبواب قلبها وشاركنا شعبها الطيب لقمته وهو تحت الحصار الاقتصادي حينها. سُدتْ بوجوهنا أبواب العرب العاربة والمستعربة إلا باب الياسمين فقد كان مشرعاً. لقد كان العربان يتباهون بتسليمنا إلى الجلاد. في ذلك الوقت تحولت الشام إلى مقر دائم وظل ظليل لمن أراد العيش أو العمل السياسي أو الاندماج بالمجتمع. لا أدري كيف نسي المالكي شارع الأمين, وسكنه القديم وجيرانه وسوق الخضرة المجاور لبيته ودماثة الناس من حوله. وتلكأ وحكومته في قرار استقبال اللاجئين السوريين. استقبل السوريون الملايين من العراقيين عندما وصل العراق إلى الهاوية في السنوات الأخيرة, في الحرب الطائفية التي أشعلها من أصبحوا زعماء بالطائفة وبخطابها الهزيل. بل تحولت التحالفات السياسية الداخلية والخارجية على أساس طائفي وبدوافع طائفية تذكي النعرات وتوقض الفتن النائمة. وتدفع الناس دفعاً للتخندق الطائفي.
عندما جاء الاحتلال الأميركي وأزاح الدكتاتورية وأتاح لأحزاب ما يسمى بالاسلام السياسي بشقيه الشيعي والسني مع تلوينات اقتتضتها اللوحة الفسيفسائية "الديمقراطية" بالصعود إلى حلبة التنافس الدموي الذي أخذ طابع الحرب الطائفية التي استعارت من صفحات التاريخ الأسود سطوراً نارية تزرع الشقاق بأدوات "الروافض" و "النواصب", وبخلايا الموت النائمة منها والمستيقظة بالاضافة طبعا إلى المليشيات التي لها أكثر من راعٍ. لكي تتيح للطائفيين من جناحي الأمة التربع على الكرسي المتحكم ببيت المال النفطي. فتتحول الحياة إلى مهرجان دائم من المناسبات الدينية التي لا تنتهي في عملية تعطيل مقصودة لعجلة التغيير نحو الأفضل, فكان الكرنفال الذي يعطل العقول قبل عطلة الدوائر الرسمية وتأجيل موعد الامتحانات المدرسية لما بعد تغييب العقول, في سرقة علنية لكل ما من شأنه التأسيس لمرحلة مابعد الدكتاتورية والعودة المفترضة لنظام حكم ينهي عسكرة المجتمع التي دامت لعقود ويحيي ما درس من حياة مدنية في خطوة أولية نحو التقدم والازدهار التي تنشده الشعوب على مختلف الأصعدة. منْ قال إن الدكتاتورية انتهت؟!! لم تنتهي بل أخذت شكلا آخر أكثر خطورة فالمعترض على دكتاتورية أحزاب الاسلام السياسي- الطائفية بالضرورة فهل خرجت جماعة الأخوان المسلمين والحزب الاسلامي عن كونهما أحزاباً سنيةًً؟ وهل تحول حزب الدعوة الاسلامية وحزب الله والمجلس الأعلى عن كونها أحزاباً شيعية؟- كمن يعترض على وكلاء الله على خلقه. والشر الذي زرعه الطائفيون يُحاصرنا, يُداخلنا, ينام في أسرتنا ويجالس أهلنا, ويحيطهم بطلاسمه التي استعصت على التفسير, لِمَ كل هذا الموت؟ وأي قدرٍ عبثي يطيح بأحلامنا قبل أجسادنا, وأي إله يرضيه بعثرة ما في صدور الصغار؟ وأي دوامة جهنمية أدخلتنا بها أحزاب الاسلام السياسي؟ إذا اختلفوا ندفع الثمن من دمائنا وإذا اتفقوا يلتفتون إلى ما تبقى من أثر للحياة المدنية والحريات الشخصية ليدخلوا أصبع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بضمائر الناس ويجرّوا وراءهم رعاع المجتمع ممن أبدلوا الشوارب الصدامية باللحى الحوزوية والقاعدية, ليكونوا رقباء على مافي قلوب الناس. في حالة أغرب مافيها إنها تحول التدخل السافر في الخصوصيات واجباً شرعياً, وفي الطريق إلى الخلاص ثمّة وكلاء للألم وسماسرة للعذاب وملايين من الدولارات المنهوبة. وها نحن ننظر ونرى وليس باليد حيلة لدفع الموت وتجنب الآلام, مسمّرون على صليب الوقت العراقي الثقيل بين الإنتخابات والمحاصصة. ندفن موتى ونضمّد جرحى الملاعب والمعامل والبيوت المفخخة التي قُلِبَ عاليها سافلها, وينشغل الوكلاء والمنظّرون بتنجيد كراسي السلطة والنفوذ والتفكير في كيفية دخول التاريخ, رغم إن الأخير واسع الأبواب رحب النوافذ. فرحون بما لديهم متناسين أن الخير الذي يرفلون به جاء من معادلة لم يكونوا فيها طرفا ولا قاسما مشتركا بل هو التقاء المصالح في صدفة عمياء أنزلت قزما عن عرشه بعد أن طال ظله وأصعدت آخرين يحملون في جنباتهم روح ذلك القزم وخنجره بل أن البعض منهم يقلده في مشيته. ونبقى نأكل الجمر. ونشرب من بحور الإنتظار العبثي لفجر صادق أو كاذب لافرق. ولأن التغيير لم يأتي بأيدينا فإننا لانزال تحت الوصاية. من وصاية الاحتلال لوصاية أولي الأمر. هذا هو عراق الكرنفال الطائفي الذي يفاخر به المالكي والمهرجان الدائم بعد التغيير.
هناك انجازان لدولة رئيس الوزراء نوري المالكي وحكومته لا يمكن لأي متابع أن ينكرهما عليه أولهما: توقيع المالكي على إعدام صدام وتنفيذ الحكم فيه وثانيهما: بناء المراحيض على طول الطرق المؤدية إلى العتبات المقدسة خدمة للزوار!!. الأمر الأول أسعد الشهداء في جناتهم وأثلج صدور ذويهم والأمر الثاني أراح الزوار الباحثين عن الاستراحة وأحال اهتمامهم نحو الدار الآخرة لكي يتركوا الدنيا لمن أغرته الدنيا, من النسخ الصدامية التي انتجتها دولة التغيير, فقد انتج الفساد الإداري والمحاصصة الطائقية نسخاً متعددة الأغراض والأهداف وشملت الحياة الدنيا بكل مرافقها ومراحيضها. فلدينا "ولله الحمد من قبل ومن بعد", صداميون بعمائم سواء وبيضاء, وصداميون بكشايد " جمع كشيدة" وصداميون بلحى حوزوية وصداميون بلحى قاعدية. وصداميون ببدلات رسمية حليقي الشوارب واللحى وأفندية بكافات المقاسات. لكن الكل يشترك باللعبة الطائفية التي تستعير مفرداتها من الصفحات السوداء للتاريخ المذهبي والصراعات الطائفية التي أكل عليها الزمان وشرب وتحول روداها وقوادها إلى عظام نخرة أو منبعاً للنفط أو تحولت تلك العظام إلى مكاحل كما يقول المثل الشعبي. لا يمكن لمن صعد على أكتاف الناس بالطائفية أن يكون انساناً حراً وفياً ولا يمكن لمن يتلكأ عن استقبال من آواه أن يدعي الحرص على المواطنين العراقيين في سوريا.
ختاماً ألخّص هويتي وأختصرها بالعبارة التالية:
(هذا أنا: من العراق أمي وزهر البرتقال ومن الشام كل ما تبقى).
08-أيار-2021
21-تشرين الثاني-2013 | |
16-تشرين الثاني-2013 | |
05-تشرين الثاني-2013 | |
26-تشرين الأول-2013 | |
15-تشرين الأول-2013 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |