لطالما ارتبط وقْعُ اسم الذئب بأفكار وخيالات تدور حول محور واحد قد تأصل في لاوعي الإنسان على مر العصور، ألا وهو الوحش. ذلك المفهوم لم يبدأ بـ"ليلى والذئب" ولن يتوقف عند الفيلم الهوليوودي "The Grey" الذي ينتهي بوقوع "ليام نيسن" وكل رفاقه فريسة للذئب القائد .. إن كل ما روي من قصص قد أحالها عامل الزمن وعامل التضخيم الذي ينشأ عن طريق التوارد كأي إشاعة أخرى إلى أساطير، أخذت بهذا المخلوق بعيداً نحو أعلى مستويات التعظيم، وبالتالي فقد أدت إلى خروجه من حيز الحيوانية ودخوله في ضمن مجموعة المخلوقات الخرافية شأنه شأن "بيغاسوس" على سبيل المثال لا الحصر. إلى أن وصل الأمر حتى باتت كل أفعاله مرتبطة بخلفية تحمل طابعاً سحرياً غامضاً سواء في مناجاته للقمر، أم في عضاته التي تحيل من يتلقاها إلى كائن أسطوري آخر أشد شراسة يطلق عليه اسم المستذئب .. إضافة إلى الكثير من القصص الخيالية التي شكلت ولا تزال تشكل مصدر إلهام للكتّاب حول العالم وركيزة مالية ضخمة لهوليوود! .. بالعودة إلى العنوان الأساس وإلى كون الذئب ما يزال محافظاً عالمياً على مكانه الأسطوري، فإن النظام السوري وبالنظر إلى ممارساته على مدى الأربعين عاماً والتي اعتمدت بشكل كامل على أدوات أمنية - بدعم إعلامي من خبراء نفسيين كان لروسيا الباردة دور عظيم في تدريبهم وصقل مهاراتهم – تلك الأدوات التي تشبه إلى حد بعيد صورة الذئب في دورها الذي تقوم به من تعزيز لعامل الخوف والذي يستمر حتى في غيابها. والتي خلفّت مع الزمن آثاراً تتجلى في بعض الأقوال الشعبية المشهورة مثل: "للحيطان آذان" .. وبالطبع، ذلك مجرد إضافة إلى دورها التقليدي في افتراس أصحاب الحظ العاثر سواءً كانوا ممن سولت لهم أنفسهم أم لم تسول لهم أي نشاط يمس بـ"هيبة الدولة" التي من جملة ما تنضوي عليه: المطالبة بالكرامة و حرية الرأي و العدل في توزيع الثروات وقانون المساءلة وغيرها كثيرمن المحرمات في شرعة غابة يحكمها أسد عن طريق ذئاب لا سبيل للتعامل معها سوى الإذعان بكامل الذل أو الفرار بعيداً عن سطوتها المباشرة للبقاء تحت رحمة خفافيشها ذات النشاط الليلي خارجاً .. ولأن الذئاب لم تكن أبداً لتجيد سوى لغة الدم والعنف فقد تعاملت مع كل ما هو خلافها بالطريقة التي تعرف فقط .. وبالطبع فإنه ليس من المنطقي مثلاً أن ترى أحدها يجلس في الصف الأول في المسرح يحمل بيده منديلاً ليجفف به دموعه بعد مشهد مؤثر ! ، وبهذا فقد أصبح "قانون الذئب هو أساس المُلك". ذلك القانون الذي ينص على أن الوحش هو الأداة الوحيدة التي يُطبّق بها الحاكم شريعته، بل ويحافظ بها على كرسيه. اعتماداً على مبدأ القوة والقوة فقط. ومن البديهي أن ينجم عن هذا القانون عدة مسلمات منها المسلمة التي توضّح العلاقة بين الذئب وباقي سكان المملكة وتنص على أنك "إن لم تكن ذئباً فأنت حيوان آخر" .. ولأن الذئب هو الأسطورة بين مجموعة من السكان فُرض عليها أن تُعامل تماماً كحيوانات يكاد لا يكون لها أي تصنيف في الهرم الغذائي، فقد نجم عن ذلك كل الرعب والخوف والسطوة التي كانت دائماً المسبب الوحيد في استمرار حكم الأسد .. كل ذلك كان يسير في توازن مطرد إلى أن انطلقت شرارة الثورة التي كان من أهم ما أضافته إلى الشعب السوري أنها استأصلت العديد من التشوهات التي خلفتها أنياب الذئاب التي لطالما كانت موجهة نحو المفاهيم الحضارية التي تميّز بها السوريون تاريخياً، كما أن الثورة أيضاً قد أحرقت صورة هذا الوحش الخيالية لتكشف عن وجهه الحقيقي.. وليعود إلى مكانه الأساسي كحيوان مفترس لا يعرف لغة العقل ولذلك فإن التغلب عليه سيكون سهلاً طالما كان خصمه عاقلاً..