تفسير العالم (وليس بالضرورة تغييره) بربارة أبستن * ترجمة:
2012-08-19
حتى في أكثر أعمال ماركس في النقد الفلسفي غموضاً. كان ينتشر مع القصد من النهاية (وحشية الأنسان مع الأنسان) منظوراً يعطينا أكثر التعابير شهرة في (البيان الشيوعي) حيث التحليل العلمي والدعوة للعمل مندمجةًً. وحدة النظرية مع الممارسة ظلت المفهوم الأساسي للماركسية, ولاتزال الهوة بينهما تتسع على إمتداد القرن العشرين. التغييرات الأجتماعية الهائلة منذ زمن ماركس تدعو إلى تغييرات مناسبة في النظرية, ونقل النظرية الى الممارسة يتطلب على الأقل درجة من الاستقلال عن المتطلبات العاجلة للممارسة السياسية ( وهي نفسها تدار من قبل الافتراضات النظرية). بل إن هناك خطر داهم وهو الفجوة بين التفسير والعالم, أي إن التفسير سيتوسع وينمو بشكل متواصل ـ ولذلك سيغادر النظرية غير متناغمة مع الممارسة, وتغادر الواقع. (الماركسية ـ مابعد البنيوية) والتي ظهرت حديثا كإتجاه بين أوساط المفكرين اليساريين الذين يتسائلون وبالطريقة المناسبة عن ما يتوجب فعله من أجل إعادة التفكير بالماركسية. ولكنها حالة عجيبة من الطلاق بين النظرية والممارسة والتغييرات الإجتماعية.
لقد ظهر إتجاه مابعد ـ البنيوية أولاُ في أوساط المفكرين الباريسيين منذ أواخر الستينات وأوائل السبعينات كمضاد فكري للماركسية ـ التي لايميزونها عن الحزب الشيوعي الفرنسي الصارم على طريقة ستالين. خلال السبعينات والثمانينات انساق إتجاه مابعد ـ البنيوية عابراً الأطلنطي ليقف وسط الدوائر الفكرية في الولايات المتحدة, ليستمر بتعريف نفسه على إنه على النقيض من إرث ماركس. مع ذلك فأن البعض من المنظّرين كان قد حافظ على روابط مع الماركسية, في الخطاب العام لما بعد ـ البنيوية للتوازن بين الأرث الماركسي و((الماركسية المحافظة)) ثم تسوّق بإعتبار إن ليس لها سوى إرتباطاً بسيطاً مع علم الاقتصاد. طوال العقد الأخير أو نحو ذلك كانت العلاقة بين الماركسية ومابعد ـ البنيوية تزداد تعقيداً :التمفصل والوضوح بين الماركسية ومابعد ـ البنيوية يصبح هو المسيطر في بعض قطاعات النشاط الراديكالي أو الفكري المتقدم. بلا شك هناك الكثير من اليساريين يتجاهلون ببساطة الأدب الماركسي, والبنيوية ووريثتها مابعد ـ البنيوية.
غالبا مايكون هناك رهبة من كثافته وغموضه ورطانة مصطلحاته. بصرف النظر عن كيفية القراءة سواءاً كانت بعمق أو (بتجاهل) لهذه المادة أو تلك فإن هناك مسألة حاسمة لليسار السياسي يمكن أن تثار هنا ـ برغم إنه من النادر ان يجري الحديث عنها بصراحة أو وضعها بلغة أكاديمية وهي: هل إنها فكرة جيدة أن تجعل (المضاد للجوهرانية )هو أساس للتحليل اليساري؟ الإمساك بهذا الجدل يجب أن يمر عبر التاريخ الفكري المعاصر. وكلا البنيوية ووريثتها بدأتا برفض شديد للماركسية الانسانوية وكثيرا ماتشاركت بالرأي مع أعمال جان بول سارتر الذي وضع الكائن الإنساني ( الانسان بالمعنى الحرفي اليوم ) في المركز من الفلسفة وعلم السياسة. إن الماركسية بحسب سارتر تصرّ على قدرة الكائنات الإنسانية على العمل من أجل تغيير ظروفها. المفكرون البنيويون يرفضون وجهة النظر هذه. ويجادلون بأن البشر ليسوا ببساطة مجبرين ببنيتهم لغوياً أو إجتماعياً. بالأحرى إن الناس في الواقع شُكلوا ( وذلك, إنتاجا ) بواسطة تلك البنى, ولذلك لايستطيعون تحرير أنفسهم منها أو أن يعملون خارج الحقول المفروضة للّغة والثقافة والمجتمع. وهكذا فإن البنى وليس الكائنات الإنسانية هي من يجب أن يكون عليها تركيز الفلسفة. ومن الأهمية بمكان بالنسبة للمفكرين الراديكاليين اللاحقين كان عمل لويس التوسير, الذي بحث من أجل خلق البنيوية الماركسية والذي يعرّف الدور الحاسم للقوى الأقتصادية. ( لايتجاهل أيضا دور البنى غير الأقتصادية ). ويشدد في كتابه( الماركسية الشائعة ) بأن تحديد البنى الفوقية يكون من خلال القاعدة .إن علم الماركسية الإنسانوية إذا لم يتجاهل الواقع الأقتصادي بشكل كامل فإنه يؤكد على الحرية في موضوع الانسان. في كتاب التوسير ( ضد الإنسانوية ) تقدم الماركسية مفهوما هو ( شخصيات مافوق التحديد ) كانت تحدد البنى المتقاطعة وهي ليست كلها إقتصادية. فقد أصرّ التوسير ـ مع ذلك ـ.بان القوى الاقتصادية كانت تحديدية (( في آخر المطاف )) ( وهي تقود للسؤال حول كيف سنعرف من إننا وصلنا الى (نهاية المطاف ). الظاهرة الأجتماعية كانت ليست إظهارات ( لجوهر فرد ) ( سواءا كان ذلك حرية الأنسان أو الرؤى السارترية أو البنى التحتية الإقتصادية للماركسية المحافظة). إن عملية البحث عن جوهر مماثل كانت في أحسن الأحوال في غير محلها. للتحديات السياسية, وفي أسوءها اعتتقد الماركسيون البنيويون بأن الجوهرانية كانت آخر ملجأ للأديولوجيا. (مابعد البنيويون استمروا على طول الطريق يوصمون من قبل البنيويون بأنهم ضد الأنسانوية ) وكانوا يرفعون مفهوم (مافوق التحديد) حتى أبعد مما فعل التوسير، حتى وصلوا الى ضد البنائية التي ترفض إحتمالية وجود الأسباب الأساسية. يؤمن التوسير بأن بعض الأسباب لها وزنها أكثر من الأخرى وهو على الأقل يعتبر القوى الاقتصادية حاسمة (في نهاية المطاف ). اأيا كان ماتعنيه (ضد الجوهرانية) الصارمة لما بعد البنيوية وبضمنها التنويعات الماركسية فانها تناقش كل تلك الأسباب متساوية. وليس هناك قوة إجتماعية تستطيع أن تخصص لها وزنا أكبر من الأخرى. هذا التفكير المتداول حاليا يتقارب ـ وأحيانا ينسحب على ـ وجهة نظر نيتشه حول مبدأ القوة كأرضية للعلاقات الإنسانية وشكوكه الأدراكية ورفضه للمعرفة الكونية للموضوع المدرك.
إن المفكرين في الولايات المتحدة وكاتجاه عام لأصحاب النظريات ناقشوا وجهة نظر ماركس عن الطبقة العاملة في جريدة (اعادة النظر بالماركسية) كما ناقشها لاكلوا وموفيه باعتبارها الحامل للانتاج الاشتراكي الجوهري الذي يشوّه وجهة النظر الماركسية بشكل عام. خالقا أساساً للسلطوية اللينينية والستالينية. وناقشوا أيضا الهويات السياسية والمواقف التي يجب أن تكون مفهومة وليست نتاجاً للقوى الإقتصادية, بل كنتائج (آثار) جدلية للممارسات السياسية والصراعات. بالنسبة ل (لاكلوا) وموفيه فإن السياسات الراديكالية الديمقراطية يجب أن تسحب من النتائج المعدلة حتى الآن. ومن تصدر انطونيو كرامشي للقيادة .الذي اعتبر المبشر للمضادين للجوهرانية برغم أن المرء ـ لسوء الحظ ـ ليس حراً تماماً في المفاهيم الجوهرانية. وبشكل خاص هناك مشكلة هي( بالنسبة) لغرامشي, الطبقة العاملة التي يجب أن تلعب دوراً مركزياً في انكماش الاشتراكية أو مشروع القيادة اليساري. العمل النظري لكل من لاكلوا وموفيه يقطع الصلة الماركسية بين القوى الاقتصادية والطبقة (والأراء الجوهرانية) من وجهة نظرهم, والثقافة والسياسة (أي مواقع الخطاب), للانفتاح ولفك تضاريس البناء, بالأحرى عن الإلزام والعوامل المحددة إذا عرضت الستراتيجية الاشتراكية السائدة بياناً للحركات الفكرية المصغرة التي تشكلت حول مابعد البنيوية الماركسية فإن التعبير المؤسساتي لهذه الحركة سيكون جريدة (اعادة النظر بالماركسية) والتي ظمنت بجدية مؤتمراتها الوطنية طوال العقود الماضية . ليست كل الأوراق التي قدمت الى المؤتمرات كانت مباشرة عن توحيد الماركسية مع (مابعد البنيوية), بل ايضاً بقيت ( اعادة النظر) الموقع الأكبر الذي ركزت عليه في مشروعها, تتبعه السياسة ثم النتائج أياً كانت الاعتراضات. كانت تعرّف بإنها وجهات نظر ضرورية (ضد الجوهرانية ) كضرورة لليسار وللسياسة الراديكاية, وبالتالي تصبح معرّفة باعادة التفسير أو الشكّية. السياسة الراديكالية تعدّل بالسياسة الثقافية.
* بربارة أبسن :أستاذة في كلية تاريخ الوعي في جامعة كاليفورنيا سانتا كروز.
جريدة الثورة الملحق الثقافي 2008
08-أيار-2021
21-تشرين الثاني-2013 | |
16-تشرين الثاني-2013 | |
05-تشرين الثاني-2013 | |
26-تشرين الأول-2013 | |
15-تشرين الأول-2013 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |