عندما كانت الكلمات كروماً / لمحة عن أهل الفضة
خاص ألف
2012-08-29
(بإسم الحي وبإسم معرفة الحي وبإسم الوجود الأزلي الذي سبق الماء وكان قبل الضوء والسنى ذلك الذي نطق فكانت كلمات والكلمات كانت كروما وكانت الحياة الأولى).
"أول ترتيلة من تراتيل التعميد"
الصابئة المندائيون هم أحد أطياف الفسيفساء العراقية مختلفة الألوان, أقترنوا بالفضة وأعمالها واشتهروا صيّاغا مهرة للحلي الفضية في بغداد ومدن جنوب العراق كواسط وميسان. وعاشوا منذ قرون كمكوّن أساسي لنسيج الشعب العراقي. فمنْ هم الصابئة المندائيون؟ وماذا قدّموا على صعيد الفكر والحضارة العربية؟ وهل لديهم أسماء لامعة على الصعيد العلمي والأدبي؟
نعم لقد كان لهم أعلام ذكرهم التاريخ العربي برزوا في العلوم كثابت بن قرّة بن زهرون الحراني الصابيء الذي انتقل من حران إلى بغداد وبرع في الطب وله مؤلفات فيه بلغت عشرين مؤلفا حتى قال فيه السري الرفاء الشاعر:
هل للعليل سوى ابن قرة شافي بعد الإله, وهل له من كافي؟
فكأنه عيسى ابن مريم ناطقـا يهب الحياة بأيسر الأوصافِ
كذلك أبو إسحاق الصابيء وهو من أشهر الذين استهواهم الأدب العربي وكان كاتب الإنشاء ببغداد وتقلد ديوان الرسائل سنة تسع وأربعين وثلاثمائة للهجرة أيام عز الدولة بن بختيار بن معز الدولة بن بويه, وقد رثاه الشريف الرضي في قصيدة مطلعها:
ارأيت من حملوا على الأعواد أعلمت كيف خبا ضياء النادي
وتذكر دائرة المعارف الإسلامية إن الصابئة أوفدوا أبناءهم إلى بغداد في القرنين الرابع والخامس الهجري وكان منهم الأطباء والكيميائيين والفلكيين والفلاسفة والمؤرخين.
الصابئة من جذر الفعل الآرامي المندائي صبا الغير مهموزة أي غطس أو أرتمس أو تعمّد في الماء الجاري، ولها مفاهيم أكدية وسومرية وبابلية, صبيتوم من الأكدية وصباأوت من التلمودية اليهودية، اللغة المندائية هي لغة آرامية ومن شقيقاتها التلمودية والبابلية والسريانية, وليست من الفعل المهموز صبأ كما تعمد المعاجم العربية نسبتها أوكما يشتهي التكفيريون أن تكون, أي إلى صبأ يصبأ بمعنى خرج من دين إلى دين. كما يذكر الجوهري في تاج اللغة والفيروز آبادي في قاموس المحيط وكذلك إبن منظور في لسان العرب. أما كلمة مندائي فمأخوذة من الكلمة الآرامية ماندا أي المعرفة وكل فرد من أفراد العائلة هو مندائي أي عارف بالدين. وقد ذكر الشهرستاني في كتاب الملل والنحل إن هناك صنفين من الموحّدين زمن الخليل كانا في حران هم الأحناف والصابئة مع فارق واحد وهو كون الصابئة لا يضعون وسيطا من البشر بينهم وبين الله (تأمل رأي بعض المتصوفة القائل بأن عهد النبوة إنتهى بخاتم الأنبياء وبدأ عهد الإثصال المباشر). لقد أشار العديد من المؤرخين إلى أن معتقدات الصابئة المندائية برزت لأول مرة في جنوب مابين النهرين. فقد ذهب هنري لايرد عالم الآثار البريطاني الذي أسهم في الكشف عن الآثار الآشورية إلى أن الدين الآشوري في أيامه المبكرة وقبل أن تمسه التاثيرات الفارسية وغيرها, كان صابئي المنحى (1). وهناك رأي آخر يرى إن منشأهم كان في الغرب، في منطقة البحر الميت(فلسطين) أو في شرق الأردن حيث كانوا يمارسون شعيرة التعميد هناك, كما إن الأسماء والتعبيرات الواردة في أحد التراتيل المندائية تشير إلى مكان نشوئها. وقد أوردتها السيدة دراور E. Drower في كتابها The Secret Adam وفي الفصل التاسع منه بالتحديد تقول مايلي:
صعدتك ياجبل الكرمل ارتقيتك ياجبل الكرمل اثنتا عشرة جفنة كانت بانتظاري رأتني الكروم وعندما رأتني ازدهرت ونشرت عناقيدها... وقد كتبت السيدة دراور تقول إن اللغة المستعملة في الكتب المندائية مألوفة لدينا في العهد القديم والعهد الجديد معا, مثل أبناء النور وأبناء الظلام, الماء الحي, الحياة الأبدية, خبز الحياة, فتش تجد واطلب تعطى وتكلم تسمع, استأصلوا الكروم السيئة وازرعوا الكروم الحسنة وغيرها من الكلمات والتعابير.
ويعتبر دين الصابئة واحد من أقدم الأديان، حيث يؤمنون بان كتابهم المقدس ((الكنزاربا)) أي الكنز العظيم يتضمن الصحف الاولى التي نزلت على آدم ويسمى أيضا ((سيدرا آدم)) أما الكتاب الثاني فهو (ادراشا اد يهيا) أي تعاليم يحيى (يوحنا المعمدان) . ويتجه الصابئة المندائيون في صلاتهم وفي ممارسة شعائرهم الدينية نحو جهة الشمال وذلك لإيمانهم بان عالم الأنوار في هذا المكان المقدس من الأكوان. بالنسبة للصابئة المندائيين الماء هو مصدر الحياة ذاتها. ففي الوضوء أو ما يسمونه بـ(الرشامة) التي تجري عند النهر الجاري يقول المندائيون (أبرخ يرد نه آدميه هيي مشبه ماري كشطة سنخون).وتعني ( تبارك الماء العظيم ماء الحياة سبحان إلهي احفظ عهده ) كذلك يقولون في الوضوء (مللين ابملالي اد زيوه وازهي طن بصري دنهور) وتعني (لينطقا بكلام النور وليكن ضميري نقيا مؤمنا بالصلاح)(2).
يسمي المندائيون معبدهم بـ (المندي ) وهو عبارة عن كوخ من القصب منصوب على شاطئ نهر جار أو نبع ماء جار حي وباب المندي متجه نحو الجنوب ومحرابه نحو الشمال لاعتقادهم انه المكان الذي يحكم فيه على إعمال الناس بالصلاح أو الفساد يوم القيامة. ومعابد المندائية خالية من إي تمثال أو صنم لتعظيمهم الماء الحي الجاري . وفي المندي يمارسون صلواتهم العلنية بعد تعمدهم بالماء الجاري وفيه يعقدون قران زواجهم وفيه يقدمون القرابين في الأعياد. جاء في كتاب الكنزا ربا : ( كل من صنع تمثالا أو صنما أو جسما ليعبده من دون الله تكتوى شفاهه ويداه بنار حامية ويتمنى الموت ولكن الموت لايدركه ). ومما يلفت النظر في أحدى ترتيلات العماد وهي محاورة بين الأب شيت وهوالمعمّد وبين طالبي التعميد, وفيها يرفض الأب المعمد عبادة الشمس والقمر والنار واتخاذها شهودا للعماد.( انظر الآية75– 78 من سورة الأنعام " فلما جنّ عليه الليل رأى كوكبا" ....ألى آخر الآيات). جاء في الترتيلة:
باسم الحي نهضت, نهضت ولقيت جمعا من الناس يحيطون بأبينا شيت ويقولون له:" باسم الحي ياابانا شيت تعال معنا إلى الأردن لكي نتعمد" "إن ذهبت معكم لتعميدكم في الأردن فمن سيكون شاهدكم" " الشمس المشرقة علينا ستكون شاهدنا" " ليست الشمس مطلبي ولا تهواها نفسي فالشمس التي عنها تتحدثون تشرق في الصباح وتغرب في المساء, الشمس التي عنها تقولون ماهي إلا باطل زائل سيأتي إلى نهايته الشمس ستنتهي إلى لا شيء وعابدوا الشمس سينتهون إلى لا شيء" ... ثمّ يتكرر الأمر عندما يكون الشاهد القمر والنار إلى أن نصل المقطع التالي:
" الأردن وشاطئاه سيكونون شهودنا, لقمة الغذاء وجرعة الماء والإيمان الحق سيكونون شهودنا ...والله هو المزكي.
رغم ماتقدم, والذي يؤكد إيمان الصابئة المندائيين بوحدانية الرب فضلا عن ورود ذكرهم في عدد من الآيات القرآنية كما في سورة المائدة آية 68 " إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى منْ آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون " , إلا إن سيف الإرهاب التكفيري وصل إلى رقابهم واستهدفت التفجيرات معابدهم ومنازلهم وأرزاقهم وتعرضوا لصنوف القتل والتهجير. يقول الزعيم الديني للصابئة المندائيين في العراق والعالم ستار جبار حلو في أحد لقاءاته: (إن مشكلتنا الأساسية في نوعين، المشكلة الأولى مع الحكومات والمشكلة الثانية مع المرجعيات الدينية ، التي أفتت بدون وجه حق بأننا لسنا من أهل الكتاب أو يشكك في كتابيتهم , ولم تنصفنا أي من الحكومات بشكل كبير وبشكل يشفي صدورنا، لم يسمح لنا ببناء المعابد في الكثير من محافظات العراق، لم يسمح لنا بتسمية أولادنا وفق مفهومنا الديني، لم يسمح لنا بإنشاء مدارس دينية خاصة بنا). ومن الجدير بالذكر هنا إن عدد أبناء ديانة الصابئة المندائية لا يتجاوز 35 ألف نسمة لم يبقى منهم في العراق – حسب ما تشير مصادرهم – سوى خمسة آلاف أو ستة آلاف نسمة فقد غادر الباقون إلى دول المهجر القريبة والبعيدة وتشتتوا في زوايا العالم الأربع.
المصادر:
1- عزيز اسباهي - أصول الصابئة ومعتقداتهم الدينية.
2- الليدي دراور - الصابئة المندائيون ترجمة نعيم بدوي وغضبان رومي.
3- الصابئيون الأمة المقتصدة في التوراة والإنجيل والقران - تأليف د. احمد حجازي السقا.
08-أيار-2021
21-تشرين الثاني-2013 | |
16-تشرين الثاني-2013 | |
05-تشرين الثاني-2013 | |
26-تشرين الأول-2013 | |
15-تشرين الأول-2013 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |