"حذو النعلِ بالنعلِِ والحافر بالحافرِ"
خاص ألف
2012-09-07
ماذا بعد الموجة الأخيرة؟
ستتبع الشعوب العربية خطى بعضها "حذو النعل بالنعل والحافر بالحافر". حتى تسقط ورقة التوت الأخيرة وآخر وسيلة دفاعية (كما يظن البعض) لمجتماعتنا, المحافظة المختبئة بجلباب الأب /الشيخ / المفتي/ المرجع, والذي تلتمس فيه النجاة والخلاص. بتعبير آخر الدخول في التجربة هذه المرة مع الاسلام السياسي ومع القوى التي تحاول بكل ما أوتيت من قوة ومن رباط الخيل, مستفيدة من "مكر التاريخ" على قول ماركس "رحمه الله" وتقلب الأيام, وشمرت عن سواعد أبنائها لاختطاف اللحظة التاريخية
مع إني أحبذ البداية التي لا نهي ولا رفض فيها ولا نفي, أقول: لا يمكن الخروج النهائي, (كشرط منطقي), من حالة ما, قبل الدخول فيها, "على فرض إن الدخول فيها لامناص منه ولا مندوحة عنه". ولا تغيير في المنطقة العربية والاسلامية بمعناه الحقيقي, أي بالمعنى الإنساني الذي يضع الإنسان بأعلى قائمة التقييم, ويضع المجتمع على سكة التقدم العلمي والرقي الحضاري ودولة الحريات العامة وحقوق الإنسان, حتى الدخول في التجربة مع التيارات الاسلامية وما يعرف بقوى الاعتدال وعلى رأسها "الإخوان المسلمين" بمختلف مسمياتهم والتي يبدو للوهلة الأولى بأنها طفت على سطح الأحداث في أكثر من بلد عربي من مصر إلى اليمن ومن المغرب إلى ليبيا إلى تونس فسورية والأردن مروراً بالكويت. ولا أعني بالتجربة صراع المطالب العادلة الذي تخوضه النخب الفكرية الليبرالية واليسارية والحقوقية ومنظمات المجتمع المدني المختلفة وعلى رأسها منظمات حقوق المرأة وحقوق الطفل وحماة البيئة, بل التجربة التي سيخوضها السواد الأعظم من المجتمع وفي أول القائمة يأتي بالطبع جيوش (المحرومين والمستضعفين) الذين طالما كانوا قميص عثمان لدى كل من سلك طريق (النضال أو الجهاد) لا فرق, عندما كانوا السلعة الرائجة لكل متاجر بأحلام الفقراء والمعدمين. نعم لا يمكن للسواد الأعظم من شعوبنا الخروج من تجربة الموجة الأخيرة دون أن تخوض غمارها وتكتوي بنارها. فالشعوب التي ذاقت نار الظلم والظلام والمجاعة والسخرة والموت في المعارك النائية في عهد "سفربرلك" الخلافة العثمانية, تجاوزت نخبها المحنة بالوعي القومي والتحالف مع الإنجليز والفرنسيين, الذين قدما الدعم والمؤازرة لها في ثوراتها وانتفاضانها ضد التتريك والاستبداد العثماني, فخرجت من "تحت الدلف إلى تحت المزراب" كما يقول المثل الدارج, فوقعت تحت نير الاستعمار ولكي تتحرر منه التفّت حول شخصيات (كارزمية) وقيادات (تاريخية) وأشعلت ثورات وطنية قدمت خيرة أبنائها لنيل الاستقلال, فجاء الاستقلال أعرجاً يتوكأ على الأنظمة الشمولية التي ضيعت فلسطين ومعها الحرية والكرامة والرغيف. تلك البُنى التي جاء جلّ زعمائها من أطراف البداوة ومن دوائر القبيلة والطائفة, التي سعت جاهدة لبدونة أو ترييف المدن بدل تمدين الريف وتوطين البدو, وقامت بأكبر عملية تشويه لمنظومة القيم الاجتماعية, والسياسية والانسانية, بخلق نماذج ديكتاتورية أدخلت الشعوب في حالة من الفصام, حولتها إلى الاستلاب الكامل أمام الأنظمة التي احتكرت ليس الحاضر بل والمستقبل فضلاً عن تفسير الماضي "المجيد". فدخلنا مرحلة زعماء الألقاب والنياشين, وأبطال الحروب المنسية التي نثرت ضحايها على سوح القتال في أكثر من منطقة, من اليمن إلى العراق ومن الصحراء الغربية حتى ظفار فضلا عن حروب الفصائل وصراع النفوذ في لبنان, وعلى تخوم فلسطين الحلم الضائع بين دهاليز "العدالة" الدولية و "تراجيديا الثورية الطوباوية" على حد تعبير عنوان كتاب للدكتور ميثم الجنابي عن الإمام علي.
ستتبع الشعوب العربية خطى بعضها "حذو النعل بالنعل والحافر بالحافر". حتى تسقط ورقة التوت الأخيرة وآخر وسيلة دفاعية (كما يظن البعض) لمجتماعتنا, المحافظة المختبئة بجلباب الأب /الشيخ / المفتي/ المرجع, والذي تلتمس فيه النجاة والخلاص. بتعبير آخر الدخول في التجربة هذه المرة مع الاسلام السياسي ومع القوى التي تحاول بكل ما أوتيت من قوة ومن رباط الخيل, مستفيدة من "مكر التاريخ" على قول ماركس "رحمه الله" وتقلب الأيام, وشمرت عن سواعد أبنائها لاختطاف اللحظة التاريخية التي كانت حلماً طوباياً لدى جلّ النخب الفكرية والسياسية. هذه القوى وأعني بها ما أصبح يسمى الاعتدال الاسلامي بقواه وتياراته المتعددة الوجوه والتمويل واللعب السياسي والتسويق الاعلامي المدعومة بتأييد مريب من القوى الفاعلة على المسرح الدولي في مواجهة مكشوفة مع قوى المجتمع المدني من أحزاب علمانية وجمعيات حقوقية ونقابات مهنية. في هذا المعترك الذي لايمكن تحديد متى ينتهي أو متى يشارف على نهاية مرحلة الشعارات ويلامس مرحلة التنفيذ, ستبقى دائرة العنف والعنف المضاد بأقسى واقذر صورها تدور وتطحن برحاها ضحايا وشهداء ورموز وأصوات ارتفعت بالمطالب المحقة ومخلصين للحياة الحرة الكريمة للجميع ودعاة للعدالة الاجتماعية وتقسيم الثروات والمساواة في الفرص, وذلك عبر معارك جانبية ليس لها أي قيمة في مقياس المطالب الحقيقية كمعركة النقاب والحجاب أو أي معركة صغيرة يضخمها الاعلام كالحديث عن مقالة جريئة هنا يوصم كاتبها بالاجتراء على الله ورسوله وتحقيق صحفي هناك يمسّ المسكوت عنه في قاع المدينة وفضائحها. قد يعترض على ما أسلفت معترض يرفع يافطة أصبحت بمثابة تهمة جاهزة لكل من لاينظوي تحت عباءة الاسلام السياسي, ويبارك حشوده, أعني الـ"إسلام فوبيا", وكأن النفخ في نار الطائفية وجرّ الناس نحو التعصب الذي تنشره قنوات فضائية ومواقع انترنت وجبال من السب والقذف والاتهامات والتخوين ودعوات التكفير وهدر الدم الذي يمارسه دعاة من هذا الجانب ومن ذاك, ليست كافية لتوضح الصورة وتبرر المخاوف من الصراعات القادمة. وربّ قائل يقول إن الإسلاميين مواطنون كغيرهم ولديهم حق بالعمل السياسي من جملة الحقوق التي يتظمنها حق المواطنة, وهذا كلام لا أختلف معه مع إني من دعاة وضع دساتير تمنع تشكيل الأحزاب على أساس ديني أو طائفي وأدعو للعمل ضمن هذا التوجه, إلا أني أرد وأقول أن حق الانسان في التعبير, بما فيه التعبير ضمن نطاق العمل السياسي, حق مقدس لكن أن يكون حق مقدس للجميع وليس فقط للاسلام السياسي الذي يستطيع تجنيد وتحريك الآلاف من الأميين وأنصاف المتعلمين "بشعارات ديماغوجية", تنطلي على البسطاء, للتجاوز على حقوق آخرين كدعاة العلمانية والمطالبين بالدولة المدنية, على أساس إنهم ثلة قليلة لا تمثل إلا نفسها, وبشعار زائف إسمه "مطالب الأكثرية المسلمة", تلك الأكثرية التي يتلاعب بعواطفها خطباء المنابر والدعاة ورعاة بيت المال الجدد, الذين يوزعون الإعانات الاجتماعية على الفقراء والمعوزين من الأموال التي يُفترض أن تكون حقوقاً مشروعة لا هبات على شكل صدقات يتكارم بها أولي الأمر, من قيادات ومشايخ, لكسب أصوات "الأكثرية المحرومة", وبالطبع هذه الهبات والمساعدات لاتشكل سوى فتات الفتات من ميزانية "الجهاد الأكبر" الذي يأتي من مصادر عديدة كأموال الزكاة, ومن كرم جهات لا يعلمها إلا منْ كان حاذقاً يدرك أين يصطف ومتى ومع منْ, بتعبير آخر منْ قدّم فروض الطاعة أو ألقى السمع وهو شهيد.
ثمة تخوف مشروع من الاستقطاب الطائفي الذي لابد للاسلام السياسي أن يقع فيه عاجلاً أو آجلاً, والذي بدأ يتشكل خصوصاً في دول المشرق العربي, واللافتات التي تشير إلى مدى خطورة "الهلال الشيعي" التي رفعها بعض المتظاهرين في سوريا خير مثال على ذلك. ولتركيا وإيران, فضلاً عن السعودية, الدور المحوري في فاعلية هذا الاستقطاب واتساعه, فالمعيار المزدوج التي تتتعامل به هذه الدول في تقييم مابات يسمى " الربيع العربي" واضحة للعيان وفي النموذج البحريني التي سعت السعودية وحلفائها الخليجيين بالتدخل المباشر لوأده ودفع المتظاهرين دفعاً إلى أحضان إيران, خير مثال, مثلما تمّ قمع المحتجين في المناطق الشرقية, وفي الوقت الذي اتفقت فيه دول الخليج على دعم التظاهرات في سوريا وتشديد الضغوط على النظام الحاكم فيها, دعمت النظام اليمني عبر المبادرة الخليجية التي فتحت لعلي صالح أبواب العلاج قبل أن تسلّمه مظلة النجاة. ثمة أسئلة ومخاوف موضوعية حول المعارك السياسية القادمة على يد "الاعتدال الاسلامي" الذي وصل إلى سدة الحكم في أكثر من بلد عربي, والأثمان الباهظة التي يجب دفعها, فيما لو حوصرت أحزابه الحاكمة بالمطالب الحقيقية للشعوب, وأرادت الأولى إلهاء الثانية بمعارك جانبية, فئوية, طائفية, سلمان رشدي جديد, أو زرقاوي جديد ينصر الاسلام "السلفي" باشهاره السيف بوجه الهلال "الشيعي"....
08-أيار-2021
21-تشرين الثاني-2013 | |
16-تشرين الثاني-2013 | |
05-تشرين الثاني-2013 | |
26-تشرين الأول-2013 | |
15-تشرين الأول-2013 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |