الحقيقة المرّة بين الاختصار والابتسار
خاص ألف
2012-10-12
الاختصار هو إيجاز المعاني وعكسه الاطالة أو الاسهاب أو الاطناب, أما الابتسار فهو الاقتطاع أو الحذف وكل ما من شأنه التأثير على عملية إيصال المعاني كاملة أو موجزة. والحقيقة قد تضيع من بين الأصابع بين هذه وتلك. والحقائق المرّة التي عاشتها الشعوب العربية في منطقتنا لعقود مرّت كقطع الليل المظلم, تشهد على مدى الظلم والظلام الذي حاق بنا وأحاطنا بأسواره العالية, ولا يزال يغزل شباكه العنكبوتية حول رقابنا. السؤال هنا هو كيف يتم وصف تلك الحقائق؟ كيف نمرّ على موضوع مثل "المقابر الجماعية" وتصفية الخصوم ،على سبيل المثال, التي قامت بها أكثر من يدٍ ملطخة بالدماء في أكثر من بلد عربي؟ كيف نصف بالكلمات المختصرة أهوالاً وعذابات وضعت ضحاياها في "التجربة" فخرجوا من ألمها وقد تغيّبت فكرة الإلوهة عندهم إلى الأبد. كل هذا عن الماضي القريب أما الواقع الراهن وما يحمله من تحديات الغول الجديد الذي أطل برأسه من بين الانقاض أعني بذلك غول الطائفية بواجهته السياسية من أحزاب وتنظيمات وحركات ما بات يسمى "الاسلام السياسي" الطائفي بالضرورة فلا يمكن أن تكون جماعة الاخوان المسلمين أو الحركات السلفية إلا سنّية ولا يمكن أن يكون حزب الله وحركة أمل أو التيار الصدري إلا شيعية. الطائفية, هذا الغول القادم من مزبلة التاريخ في التوقيت نفسه الذي تغادر به الأنظمة الشمولية إلى ذات المزبلة. ربما يلتقي الاثنان في منتصف الطريق ويتسلم الأول من الثاني الراية نفسها؟!! راية "أنج سعد فقد هلك سعيد" هذه الراية التي تدعو الجميع إلى الدوران والطواف حول نفس العفن القديم الذي يحيل الأشياء إلى ثنائية "مع أو ضد". تلك الدعوة التي تحيلنا إلى الموت وتختصر الحياة بعملية ابتسار ظالمة تجعل منها محطة انتظار للموت, تضيع معها القيمة الحقيقية للحياة كونها نعمة عظيمة وحلقة من حلقات المسيرة الطويلة نحو االكمال, بل وتحيلها إلى كابوس ينجو منه من ينجو بالموت ولا شيء غيره. يقول الجواهري في وصفه للموت:
لعزُ الحياةِ وحيرةُ الألبابِ أن يستحيلَ الفكرُ محض ترابِ
أن يُصبحَ القلبُ الذكي مفازةً جرداء حتى من خيال سرابِ
أنا أبغضُ الموتَ الكريهَ وطيفَه بغضي لطيفِ مخادعٍ كذابِ
ذئبٌ ترصدني وفوقَ نيوبــه دمُ أخوتي وأقاربي وصحابي
ولأن الطائفية برأيي هي صنو الموت, بالأخص عندما تكون طائفية مسلحة تجيز لنفسها سحق الآخرالمختلف دون أن يرفّ لها جفن لأن الآخر خارج دائرة القبول وبالتالي لايستحق من كان خارج تلك الدائرة, الرحمة. ولا يكلف منْ كان ضمن تلك الدائرة الجهنمية نفسه عناء التفكير بعواقب رفض الآخر. كما إن منطق "دفع الجزية أو السيف" خرج من جديد من قمقم تاريخ الطوائف والمذاهب التي نظّرت للأحقاد والضغينة. رحم الله المعري عندما قال:
إن المذاهبَ ألقتْ بيننا إحناً وعلمتنا أنواع العداواتِ
ثمة سؤال مُلحّ هنا عن الاسلام السياسي وعن الطائفية التي أصبحت موضوع الساعة والشغل الشاغل الذي يأخذ من الاهتمام ما يتجاوز الاختصار والايجاز إلى الاسهاب, هذا السؤال تفرضه على الأذهان هذه المرحلة المفصلية من التاريخ لهذا الحراك الهائل لشعوب طامحة إلى التغيير في المنطقة العربية والإسلامية بمعناه الحقيقي، أي بالمعنى الإنساني الذي يضع الإنسان بأعلى قائمة التقييم، ويضع المجتمع على سكة التقدم العلمي والرقي الحضاري ودولة الحريات العامة وحقوق الإنسان. لكن النفخ في نار الطائفية وجرّ الناس نحو التعصب الذي تنشره قنوات فضائية ومواقع انترنت وجبال من السب والقذف والاتهامات والتخوين ودعوات التكفير وهدر الدم الذي يمارسه دعاة من هذا الجانب ومن ذاك، كافية لتوضيح الصورة وتبرير المخاوف من الصراعات القادمة التي ستنسف كل الآمال بالتغيير وتحقيق المطالب المشروعة وتحول الصراع إلى أخذ بالثأر واحقاد دفينة تحرّك أحطّ ما في الانسان من غرائز الانتقام والتشفي. ثمّة تخوّف مشروع من حقيقة مرّة هي عملية الاستقطاب الطائفي الذي لا بدّ للإسلام السياسي أن يقع فيه عاجلاً أو آجلاً، إن لم يكن قد وقع فيها. ذلك الاستقطاب الذي بدأ يتشكل خصوصاً في دول المشرق العربي. والموقف من الانتفاضة السورية وما يحشده طرفي المعادلة ومنْ يقف ورائهما بادي للعيان. فمن جهة سلفيون وجهاديون وقاعدة دخلوا على خط الثورة ومن جهة أخرى إيران ومشروعها ومشايعيها وكل منْ يصطف إلى جانب النظام. هذه المعادلة التي تعيد عقارب الساعة إلى حقب سحيقة مظلمة وتستعير سطور نارية من صفحات التاريخ الأسود لمذابح الطائفية ومعاركها البائسة وأبطالها من مجرمين أُلبسوا أثواب المجد الزائف. الخاسر الوحيد من تلك المعادلة هو الشعب السوري ومطالبه العادلة وقيادات عاقلة من المعارضة تذهب أصواتها أدراج الرياح بعد أن يعلو صوت التعصب الأعمى والبراغماتية التي تحاول الاستفادة من أصحاب الرايات السوداء والبيضاء من الذين أدمنوا الحرب واختصروا الحياة في مشروع قتال دائم أما "استراحة المحارب" فيمضوها برجم النساء أو التخريب. وخير دليل على ما أدعي هو الصور الحية التي بثتها القنوات الفضائية عن أصحاب الرايات وهم يفجرون أضرحة الأولياء والصالحين ويهدمون بالفؤوس مساجد ومعابد وأماكن أثرية في ليبيا ومالي والنيجر وقبل ذلك في أفغانستان عندما حطّموا تماثيل بوذا. فعندما لا يجد هؤلاء منْ يقاتلونه يتحولون نحو الرموز التي فيها دعوة مختلفة عن دعوتهم فيوسعونها تخريباً. أصحاب الرايات سالفة الذكر يمثلون الزحف الصحراوي على كل ماهو أخضر في الحياة, وهم أصحاب النظرة الصحراوية الأحادية التي لا تطيق أحداً ينظر بمنظار غير منظارها فتوسمه بالضلالة وهي فكرة أظنها صحراوية أصلاً تعني من تاه في صحراء الجدب ولم يوفق بالوصول إلى واحة فيها نبع ماء. ومن نافل القول أن المرأة ستكون الضحية الأولى لاختصار الحياة بل لابتسارها بنظر هؤلاء باعتبارها "شراً لا بد منه"!!! أو كونها حقيقة مرّة تذكرهم بعقم تفكيرهم وعمق تكفيرهم.
08-أيار-2021
21-تشرين الثاني-2013 | |
16-تشرين الثاني-2013 | |
05-تشرين الثاني-2013 | |
26-تشرين الأول-2013 | |
15-تشرين الأول-2013 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |