عن إفريقيا - قراءة في كتاب وول شوينكا بقلم: آدام هوشايلد
خاص ألف
2012-11-09
يعتبر وول شوينكا من بين الأفارقة الذين لهم صفة القداسة العلمية.
مع أنه معروف أصلا ككاتب مسرحي، كتب الشعر والرواية والسيرة الذاتية. وله مذكرات لامعة من وزن ثقيل تتحدث عن عالم تراكمي وهي:" آكي: سنوات الطفولة"، وقد تركتها بمتناول يدي لعدة عقود بعد أن قرأتها لأول مرة. علاوة على ذلك، كان شوينكا مدافعا دائما عن حقوق الإنسان بروح مفعمة بالعاطفة. وقد أنفق في السجن ، خلال الحرب الأهلية في نهاية الستينات، سنتين بتهمة التورط بمحادثات وقف إطلاق النار. وكان في معظم فترة العقوبة في الزنزانة المنفردة. وبعد حوالي 30 عاما، وبما أنه معارض للجيل التالي من الدكتاتوريات العسكرية، وفر من نيجيريا على متن دراجة نارية، حُكم عليه بعقوبة الإعدام غيابيا.
لقد كانت علاقته مع الحريات مطلقة دائما. ولذلك اعترض بقوة على القمع السوفييتي في شرق أوروبا، وانتقد أيضا، في خطاب قبول جائزة نوبل عام 1986، الرئيس بوش على تدخله في نيكاراغوا. ولكنه انتقص قيمة الادعاء الذي يقول إنه يجب الحكم على البلدان الآسيوية والإفريقية بشكل مختلف فيما يتعلق بمسائل حقوق الإنسان، لأنهم ليسوا ضمن إطار الثقافة الغربية. ومن أه نشاطاته الانضمام لبعثة تحقيق ذهبت إلى دارفور ولم تسمح لها حكومة السودان بدخول أراضيها. ومن أسابيع قليلة مضت، كتب هو وزميلان إفريقيان له حازا على جائزة نوبل، وهما نادين غورديمر وديزموند توتو، رسالة مفتوحة انتقدوا فيها الكومونولث لأنه اقترح الترويج لديمقراطية جديدة ولمعيار قانوني من غير توفير الدعم اللازم الذي يحول الكلام لأفعال.
اليوم إن عمر شوينكا يبلغ 78 عاما، وهو منعطف هام في الحياة، وكم كنت أود أن أقول إن كتابه الجديد عن الذكريات العامة والسريعة يرقى لمستوى أفضل أعماله. ولكن بكل أسف إن الحال ليس كذلك. فالكتاب سطحي، وغامض وغير مستقيم. شوينكا لم يضيع الوقت في مضاعفة الكلمات قبل الآن. فهو لم يذكر في كتبه السابقة كلمة " بيت" إذا كان بمقدوره أن يقول " بيئة"، ولم يلفظ " فطري" إذا كان بمقدوره أن يقول " أولي"، ولم يستعمل " سائد " حين بمقدوره أن يستعمل " مسيطر". و الآن كانت العبارات الموضوعة بين قوسين تعوم في كل صفحة وبكل الأشكال والأنواع. وحينما يقدم تعميمات وانتقادات عريضة فهو يتوقع من القارئ أن يكون على اطلاع على أمثلة محددة لا توجد إلا في ذهنه. ( من ذلك قوله: هل تتذكر بالضبط ماذا قال الرئيس أوباما في القاهرة عام 2009؟. من ناحيتي لا أعلم، ويجب أن أبحث عن ذلك).
الكتاب أيضا مليء بفقرات وفصول تتألف من كلمات يجب قراءتها مرتين أو ثلاث مرات لتفهم ماذا تعني. عن الإيمان في اللاهوت المسيحي، على سبيل المثال، يقول: " كل تلك الحوارات العميقة والروح الموسوعية المغلقة على نفسها تتألف من ما اصطلحنا على تسميته بالأساس غير العضوي للكائنات ضمن فضاء تنسكي - إن جوهر هذا النقاش ليس حقيقيا، ومن الواضح أن الطبقات التي ترسبت فوق طبقات ديالكتيك بنائي لم تستقر فوق بعضها البعض تماما، وإن العلاقة بينها شائكة".
و حين يكتب كاتب من طبقة راقية ورجل طيب عن " الأساس غير العضوي للكائنات"، لا يكون ذلك لأنه مر بتجربة خانقة في يوم سيء الحظ. إن اللغة المرهقة التى يعاني منها كتاب ( من إفريقيا) تعكس صراعا في داخل شوينكا نفسه. فهو يقول: إن الكتاب يأخذ من الواقع، ويكرر بعض الشائعات المهينة التي سمعها عن أبناء إفريقيا طوال سنوات، و يضيف :" يجب أن نقر هناك مشكلة في هذه الشعوب- انظر لما يحصل .../ انظر لمقدار الفساد../ قارن هذا مع جزء فقط من مصادر إفريقيا الطبيعية... ، إلخ"، مثل هذه الأقوال تتراكم حتى نصل لتعليق سمعه الكاتب في ألمانيا خلاصته أن الأفارقة" أدنى وراثيا. وإلا لما استعبدتهم أعراق أخرى في بلدان مختلفة". وقد شعر شوينكا بألم هذه الطعنة الغادرة، مثل أي إنسان لديه إحساس، وانتابه الامتعاض من أن يكون بين زمرة " نخبة مستثناة .. من دائرة الرعب والفظاعات والاستبعاد".
وبناء على ذلك، كان جزئيا مستعدا للدفاع عن إفريقيا أمام نوايا العالم الخبيثة. وفي نفس الوقت كان تماسك نظرته العميقة، وهو ما يقول عنه أورويل " قوة المواجهة مع الحقائق غير السارة"، قد ساعده على الانتباه للحقيقة المؤلمة: أن أفريقيا حصلت على حصة الأسد من الجريمة والعنف العالمي. أضف لذلك ظاهرة الجنود الصغار، والطغاة الشرسين والتطهير العرقي وغيره وغيره. وكانت الأوضاع في مناطق أخرى معينة أسوأ من نيجيريا مسقط رأسه.
وعلى ما أعتقد هذا هو صراع المشاعر الذي يقض مضجع شوينكا. على سبيل المثال أذكر الندوب العميقة في تاريخ إفريقيا والتي تركتها تجربة الآلام، أولا مشكلة تجارة الرقيق ثم الاستعمار الأوروبي. ولكن شوينكا المستقيم والشريف لا يستطيع أن يتعامل مع أول مشكلة من غير أن يتذكر دور الوسيط الإفريقي الذي ساعد تجارالرقيق في عملهم. ثم إنه يساوي ما بين مباركة الكاردينال عام 1939 " لبعثة الاستعمار الفرنسي في القارة السوداء" مع المشكلة الراهنة التي تتلخص بفرض أفراد و جماعات عرقية ما يسمى الحق الإلهي بالسلطة. وهو يقول عن جانجاويد، الميليشيا المجرمة المدعومة من الحكومة السودانية، إنها" كو كلوكس كلان في دارفور".
كانت رؤية شوينكا لإفريقيا قاتمة، فكيف نقول إنه دافع عنها من النقد الجارح؟. أهم نقطة يذكرها بهذا الاتجاه هي " روح إفريقيا". إنه يرى بالمقارنة مع العنف المسيحي الإسلامي، المتمثل بالحملات الصليبية والتحرير، والجهاد والفتاوي، كانت الأديان الإفريقية " متسامحة"، وهي في استعمال الأعشاب التقليدية للعلاج، تؤكد وقوفعا ضد العنف و انفتاحها على العلاقة بين الجسد والروح.
فالكهان في إفريقيا ليسوا مخلوقات غير واقعية. ولا توجد قطيعة أو عدوانية ضد غير المؤمنين. وإن الروحانية الإفريقية ذات جاذبية، وكما يلفت شوينكا أنظارنا، إنها نادرا ما تزدهر في نصف الكرة الغربي ( وهنا يتوجب على القارئ أن يفكر ببعض الأمثلة، لأن الكاتب لم يقدم أمثلة ): من ذلك الفودو في هاييتي، والكاندومبل في البرازيل، والسانتيرا في كوبا.
حسنا. ربما هو على حق. فهذه العقائد المتسامحة تبدو بالتأكيد أفضل من الحملات الصليبية أو من الجهاديين.
ولكن بالنسبة لمن يعلم القليل عن الدين في إفريقيا، من الصعب أن نفهم معنى عبارات من النوع التالي:" إن فهم طبيعة الوجود مسألة ودية، علاقة إزموزية حيث أن الوعي، الذي تعرض للتحول أو للتأثير من قبل المعرفة المتطورة، يتدفق من حالة لأخرى، فيأخذ من وضعية معينة ويعطي وضعية سواها. ويقوم برفد المستودع الكوني الخاص بالنشاطات والذي منه يأخذ الوعي الشكل والحركة... كيف يمكن للآلهة إذا، في كون مفهوماتي من هذا النوع، أن يفشلوا في الاستمرار بحقيقتهم الواقعية، ويواصلوا الضغط للتطور بأسلوب التصعيد والتسامي؟"،
لو أنني مصيب فيما يتعلق بالمشكلة الداخلية التي تنعكس في نثر شوينكا المتحول، أود أن أقول له، ربما هو ينظرلمشاكل إفريقيا بقلبه. نعم، في إفريقيا العديد من الرجال الأقوياء الفاسدين، ولكن مثل هذه الرموز العامة تضرب في كل مكان وفي كل بلد، من أفغانستان وحتى بلاروسيا.
نعم، العديد من المجتمعات الإفريقية تحمل ندوبا عميقة من جراء تراث السادة والعبيد، ولكن هذا ماذا حصل في روسيا أيضا: من حوالي 150 عاما، لقد كان معظم الناس هناك أجراء. وبقراءة كتاب " عن إفريقيا" لا يمكن لأحد أن يظن أنه مع كل مشاكل ومتاعب القارة، الانتخابات الديمقراطية اليوم، واقع حقيقي أكثر مما كانت عليه الحال في جمهوريات وسط آسيا التي كانت جزءا من الاتحاد السوفييتي ، أو حتى أكثر مما هي الحال في الجزيرة العربية. كذلك إن معدل نمو الاقتصاد في إفريقيا، كان لما يزيد على عقد ونصف من الزمن، أعلى بكثير مما هو في أوروبا. طبعا لا يزال يوجد ظلم مشين، وبالمقابل القارة محظوظة لأنها تمتلك رجالا ونساء لا يعرفون الخوف فيما يتعلق بقضايا النهضة والوعي، منهم شوينكا، الذي يعرف ذلك تمام المعرفة.
آدام هوشايلد Adam Hochschild كاتب ومؤرخ بين آخر مؤلفاته ( نهاية كل الحروب: حكاية الإخلاص والعصيان، 1914- 1918).
ترجمة: صالح الرزوق - عن النيويورك تايمز/ 2 تشرين الثاني 2012
08-أيار-2021
مقتطفات من : كافكا في المحاكمة الأخرى بقلم : إلياس كانيتي ترجمة : |
17-نيسان-2021 |
03-تشرين الأول-2020 | |
12-أيلول-2020 | |
22-آب-2020 | |
20-حزيران-2020 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |