هنا سوريا
خاص ألف
2012-11-26
إذا كنت غائباً عن سورية لمدة شهرين أو ثلاثة و عدت ستلاحظ أشياء غريبة عما كانت عليه و ما ألفته أنت فيها ..
أنا هنا لا أتحدث لا عن الظلم و لا الاعتقالات ولا الإعدامات و لا القتل و المجازر و التفجيرات و الدمار، فهذه أشياء امتلأت بها الإذاعات و الفضائيات و صفحات النت الإفتراضية والصحف و المجلات .
في سوريا، في دمشق تحديداً، حيث أتواجد و أمضي معظم وقتي، صارت التقسيم إلى جزئيات... جزيئات..صفة ملازمة لها. مساحات مغلقة من الطرفين ... حواجز اسمنتية لا حصر لها أبداً منتشرة على امتداد المدينة.... حواجز مبنية بناءً تقطع شوارعاً بأكملها، و حواجز أخرى مقامة من أكياس رمل مكدسة ومتراكمة فوق بعضها...وعند كل حاجز يتمركز مسلحون كثر ...ناهيك عن عناصر أخرى تتجول في المكان بزيها المدني كيلا تثير الشكوك والمكشوفة طبعاً من قبل أي مارٍ بالطريق.
و أنت تمشي في دمشق فجأة تحس أنك صرت في ساحة .... ساحة لم تكن من قبل... لم تمر بها...و لا تعرفها أصلاً... تكتشف أنها مقتطعة من شارع كبير، وصارت خاوية إلا من المسلحين و عناصر الأمن الذين ينتشرون في أنحاء المدينة، أول و منتصف و على أطراف و آخر كل شارع، يفتشون كل شيء أنت تحمله، و يسألونك لماذا تمشي بهذا الطريق أو ذاك، و أين تسكن.
منذ أيام كنت أحمل هدية لصديقة تزوجت حديثاً ثوباً نسائياً من الدانتيل عرائسياً جداً حين استوقفني رجال الأمن و سألوني عمّا أحمل، و أنا امرأة صار العناد عندي صفة ملازمة، فكلما استوقفوني لا أتكلم و لا أنطق حرفاً بل أفتح حقيبتي على وسعها، أو أرمي الأغراض، و أبعثرها أرضا. وقتها لم أجبه بل فتحت الكيس بسرعة وفردت الثوب بطوله الكامل في منتصف الشارع أمام كل المارة الذين كانوا يتوقفون ليضحكوا من غرابة ما يحدث... هنا أسرع رجال الأمن لاستدراك الموقف المخزي الذي أوقعتهم فيه و أعادوا الثوب بسرعة إلى الحقيبة و هم يقولون: يالله امشي من هنا...نحن ننفذ الأوامر ... و لما سألني أهمهم لماذا أنا متجهة بذاك الطريق، قلت له: لماذا تسأل ؟؟ ألسنا أحراراً نمشي في بلدنا و شوارعه كيفما نريد، قال: طبعاً مدام ولكننا هنا من أجل حمايتكم.... نخاف عليكم من العصابات المسلحة و الجيش الحر.
قبل الثورة من جملة ما كنت تلاحظ جمال و نظافة سيارات المدينة و صحتها إن صح القول، أما الآن نادراً ما ترى سيارة دون أن تكون مضروبة أو مشحوطة أو مفعوسة من جهة ما، لأن سيارات الأمن و إسعاف النظام تطير مغمضة العينين، تضرب كل ما يصادفها بالطريق دون أن تلوي على شيء بحجة أنها في مهمة.
شوارع دمشق و أزقتها فارغة حزينة، زرت مناطق بعينها لأرى ما آل إليها الوضع .... أبنية سوداء، محروقة ، مائلة مثقبة بمئات الرصاص، مدمرة.... وطبعاً بلا بشر.
ناسها ينزحون و ينزحون من مكان إلى آخر، من ... إلى ثم من... إلى و هكذا على أمل أن هذه المنطقة أكثر أماناً من تلك و هكذا دواليك.
في دمشق ترى الناس يمشون مترقبين بألف عين وعين ... كل نظراتهم شك و ريبة، و كأنهم مطاردون بالعفاريت، فقط يريدون الوصول إلى هدفهم بالسرعة الممكنة دون أي تلكؤ من أي نوع.
مطاعم دمشق و كافتيرياتها خاوية من الدفء حتى لو تواجد فيها بعض مرتاديها.
دمشق التي كانت لا تعرف النوم أبداً و لا الإغفاءات من الفرح و السهر و الرقص و الطعام و الصلاة و العبادة أربعاً و عشرين ساعة بالتمام و الكمال، صارت خاوية من كل ذلك ..
سوريا امرأة وحيدة مهجورة تنتظر الحياة على يد محمد أو يسوع المسيح ...
و نبقى نردد ما لنا غيرك يا ألله ....علّ و عسى.
08-أيار-2021
24-نيسان-2021 | |
13-آذار-2021 | |
19-كانون الأول-2020 | |
07-تشرين الثاني-2020 | |
12-أيلول-2020 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |