بين "فن الهوى والتناسخات".. أوفيد يأكل عسلَ ـ المنفى ـ
خاص ألف
2012-12-22
العسل اللذيذ يخفي السم عميقاً تحته...
(الجمال ميزة هشّة ما أسرع ما تجفو مع الأيام ويأتي عليها تعاقب السنين، فالبنفسج لا يزدهر إلى الأبد، والزنبق لا يفتر بالبسمة دوما، والوردة إذ تذبل، تخلف إبر الشوك).
"أوفيد"
***
إن رؤية أسطورة تاريخية ومعرفة أحداثها عن طريق فيلم سينمائي أو توثيقي أو كتاب يشمل هذه الأسطورة بطريقة سردية، لا شكَ في ذلك تختلف من جيلٍ لجيل ومن ثقافة لثقافة، حسب استيعاب القارئ أو المشاهد لهذه الأسطورة في مخيلته، ويلعب التراكم الثقافي لديه أو ضحالته أو عدمه دوراً كبيراً في الإبحار فيها وتصوّرها خارج نطاق رؤية الشخص الذي نقل هذه الأسطورة وقدمها عن طريق كتاب أو فيلم أو ما شابه ذلك كما ذكرنا؛ فهذا الاطلاع يعطي وجهاً آخر لأحداث الأسطورة، وحتى تصور الأمكنة التي حدثت فيها تختلف اختلافاً كليّاً من متلقٍ لآخر،وتخيّل الأشخاص بأسمائهم ذاتها، لكن بوجوه أخرى تتغير من مخيّلة لمخيّلة.
يوجد هناك أشخاص غير عاديين لديهم القدرة على نقل هذه الأسطورة أو أحداث تاريخية لربما كان جلّها من مخيلة القدماء بطريقة أقرب إلى المتلقي مع تنوّع الثقافة لديه أو اختلاف البيئة الثقافية والفكرية تجاه تلك الأساطير أو الأحداث التاريخية من باب استيعاب الحدث التاريخي أو اندراجه ضمن آلية ــ متواترة ــ عن طريق السماع بها أو الاطلاع على جزء منها، أو معايشة المكان ( الآثار ) الذي حدثت فيه بزمنٍ ما،واختلاط الزمن الحديث مع القديم. وكما قلنا أن نقل الأسطورة بطرق شتى لكل متلق يترك مساحة للذهن في تخيّلها بأشكال أيضاً شتى.
ونتكلم هنا عن الأساطير اليونانية التي نقل معظمها الشاعر أوفيد بطريقة شعرية سلسة تحاكي كل المخيلات، وبإبداع نادر وأسلوب أقرب إلى التفاصيل اليومية في ذلك الزمن.
بوبليوس أوفيديوس ناسو ( أوفيد / Ovid.. 34 ق. م، ولدَ في قرية سولومنا ـ روما / وفي العقد الثاني من عمره بعد أن درسَ في روما دأبَ على قراءة أساطيرالقدماء فاتضحت عنده رؤية العلاقة الخفية بين الأسطورة والخيال الشعري وتداخلهما المادي( الزمني ) ـ الحسّي..
وقتها استطاع أوفيد أن يدخل بمخيلته إلى عوالم جميلة في الشعر مؤكّداً بنصوصه أن الشعرَ لا يقفُ عند حدّ الاطلاع والموهبة فقط بل يقود صاحبه إلى أساطير شعرية خارج الزمن والمكان لم تحدث بعد. وكما اشتغل أوفيد على نظم الأساطير اليونانية بأسلوب شعري زخم ــ جميل ـ يخرج عن نطاق السرد أو الحكايات، مما أعطاه باعاً كبيراً في وقتها وبعد ذلك بحقب وإلى الآن..
تمكّن أوفيد من الوقوف بشعره أمام عظماء الشعراء أمثال "فرجيل" شاعر الإمبراطور ــ أغسطس ــ و" هوميروس" ولنقل أنه تجاوز الكثير من الشعراء الكبار في عصره بعد أن ألّفَ أجمل الأشعار ( التناسخات ) وقبلها (فن الهوى) و(علاج الهوى)( مسخ الكائنات ) وغير ذلك ...وله مقولة مشهورة تؤكد خلوده إلى الآن وهي في كتاب التناسخات إذ أنه قال)) سأعيشُ إلى آخر الدهر ))...
ومن قصائد التناسخات الشهيرة كانت ــ أورفيوس ويوريدسـ غرام أتلانتا ـ وديدالوس وايكاروس. وقصائد أخرى؛ التي مرّ عليها إلى الآن 2000 عام ونيف..وكان للــ"تناسخات " أثراً كبيراً في الأدب العالمي، إذ نقلها الكثير من الشعراء والمترجمين أمثال: (بوكاشيو) الأديب الإيطاليعندما حوّلها إلى سرد قصصي محافظاً على المغزى الشعري ضمن تركيبة للصورة المتتالية وللحدث المتزامن دون القفز من نص إلى نص مع ربط وحبّكة مُـكمّلة للبناء الشعري. وأيضاً ترجمها ــ درايدن ـ إلى اللغة الإنكليزية ففاضت أشعاره في كل مكان، وسيطرت على ألباب الأدباء، وتناقلوها من لغة إلى لغة ومن جيل لآخر.
ونأتي خطفاً إلى زاوية مظلمة أنهت حياة ــ أوفيد ــ عندما نفاه " أغسطس" خارج روما إلى (توميس)، مدينة تقع عند البحر الأسود، الثامن للميلاد،متذرعاً للمقربين منه وغيرهم أن أوفيد تجاوز بشعره الحدّ السيئ في تلميحه الــ" جنسي " الذي أحسّه بشكل مادي يمسّ العفّة، وخاصةً حفيدته " جوليا " التي أشغفت بـ" أوفيد" وتعلّقت به سرّاً وبنصوصه التي رآها الإمبراطور أنها ماجنة وعلنيّة .. وفي هذاالموضوعأبحاث مختلفة وآراءٌ أخرى عند الباحثين في التاريخ لسبب نفي أوفيد وموته بعيداً عن روما بعد أن أرسلَ الكثير من القصائد متضرعاً " أغسطس" للعودة إلى دياره دون فائدة ترجى حيث مات هناك تاركاً أهمَ الأشعار" كتاب الأحزان"كتبه في منفاه .. و" سلوان الحب " و " تقديم الأعياد" و التراجيديا الأوفيدية ( ميديا ) التي لم يصل منها إلا أجزاء منسوخة وموضوعة عنه أوفيد رآها بعض الشعراء بعده ومن النقاد قال أنها مهمّة، لكن تبتعد عن أسلوب أوفيد في آخر أيامه.
ومن أهم المواضيع التي كتبها أوفيد ــ أسطورياً ــ أسطورة ( نرسيس ـ نارسيسوس) ابن نهر ــ سيفيز ــ عندما كتبَ قصة ــ نرجس ــ الذي انحنى أمام النهر ــ فانعكست صورته .. ولاستحسان وجهه كما يوصفه أصدقاؤه، راح يحمّلق دائماً في النهر حتى أجازت له مخيلته أن هناك أنثى تنتظره.. فراح يبحثُ عنها ولم يجدها حتى مات قهراً عليها ..عكس الكلام أن ــ نرجس ــ غرقَ بسبب انعكاس صورته على وجه الماء؛وفي ميثولوجيا أخرى تزعم أنه تحوّل إلى زهرة، بسبب حبّــه للفتاة (ليريوبي). وكما قلنا أن هناك خلافات في الآراء حول ذلك .
شذرات أوفيدية:
* الصخور وسكك المحراث تبلى وتتفتت،إنما ليس للموت سلطة على الشعر.
*إذا لم تكن خاملاًينبغيعليك أن تعشق.
*المسيرات الطويلة شغل الجندي،والعاشق سيمضيإلى نهاية العالم وراء حبيبته.
*الرجال المسنونيعانون الخزيفيالحب،والخزيفيالحرب.
*حينيزول اللهب الأخير الذييلتهمنيسأبقى حياً،وكل شيء فيحالته المثلى سيستمر.
*الشعرينزل القمر من عليائه وردياًكالدم،ويرد جياد الشمس على أعقابها،الشعرينتزع أنياب الثعابين ويسحب سمها،ويعيد الأنهار تجريصعداًإلى منابعها.
*الأبواب تستسلم للشعر،والأقفال التيتحكم رتاجها،وحتى أقوى السنديانيخضع للشعر.
*خير لك أن تكتب عن الحب لا عن الحرب.
*الإنسانيرغب بمزيد من الأشياء الموضوعة فيخزائن مغلقة،والتدابير الوقائية تغرياللص،وقليل من الحبيُنال بالاستئذان.
*الشعر،الشعر وحدهينجو من المحرقة التيلا تشبع.
*أنا شاعر الفقراء،وهكذا أحببت.
*نحن الشعراء لا نستطيع أن نمنح إلا القصائد،ولكننا أفضل العشاق.
هوامش :
ـ ول ديورانت: كتاب الحضارة.
ـ ترجمات أوفيد " فن الهوى ":د.ثروت عكاشة
ــ ترجمة شعر أوفيد: أدونيس (علي أحمد سعيد)
/ خاص ألف /
يتبع ...
08-أيار-2021
15-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
03-نيسان-2021 | |
27-آذار-2021 | |
06-آذار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |