الحياة مع فاليري إليوت بقلم: سام أندرسون ترجمة:
خاص ألف
2013-01-02
بالتأكيد مع مرور الوقت ذهب شيء ما باتجاه خاطئ. لا توجد طريقة أخرى لتفسير وفاة فاليري، زوجة ت س إليوت الثانية من حوالي أيام. ولد إليوت في ثمانينات القرن التاسع عشر، و اشتهر في عشرينات القرن الماضي، و توقف عن كتابة الشعر ( تقريبا) في الأربعينات، و رحل عن عالمنا كرجل عجوز في الستينات. و قد قاوم هو و رفاقه - عزرا باوند، وكونراد إكين، ووالاس ستيفينز - الفناء من خلال الظهور في المختارات الشعرية ( الأنثولوجي)، و بهذه الطريقة تحملوا عبء حراسة حدود الأرض المقدسة المترامية الأطراف و الملتهبة و التي اصطلح على تسميتها بالحداثة.
السؤال الآن: كيف يمكن لشخص عرف إليوت عن قرب خلال حياته، و تقاسم معه سهرات الليالي الطويلة، و شاركه لحظات الأنس و اللهو و التهام شطائر الجبنة، أن يستمر على قيد الحياة حتى عام 2012؟.
أسهل طريقة للتفسير هي العودة للفكرة المعروفة: رجل قوي و مسن يتزوج سكرتيرته الشابة الجميلة. بالحقيقة، هذا ما حصل فعلا. كانت فاليري فليتشير تبلغ في يوم زواجها 30 عاما. و كان إليوت 68 عاما. و لكن علمنا ت س إليوت درسا مهما: أن ننظر بعمق للمقولات القديمة الشائعة، حتى نلاحظ كم هي غريبة و معقدة لدرجة لا تخطر على بالنا.
ربما كانت فاليري إليوت هي المعين الأكثر حماسة لزوجها، و هذه عبارة لها مغزى عميق. و قد جاءت نقطة الانعطاف المهمة في حياتها و هي بعمر14 عاما عندما سمعت تسجيلا صوتيا لـ" رحلة ماغي"، القصيدة التي يتصور فيها إليوت رحلة، تبدو حقيقية، قام بها لمقابلة المولود يسوع: رحلة طويلة و شاقة و مسكونة بإحساس خانق بالشك. كان الشك يقضم منه طوال الطريق. وقد انطلقت فاليري برحلة مشابهة طلبا لمقابلة المعلم و للعمل برفقته. و استغرق ذلك ثماني سنوت. سافرت من يوركشير إلى لندن، و عملت في مكتبة عامة، ثم سكرتيرة للروائي شارلز مورغان - و أخيرا، في عام 1950 واتاها الحظ و التقت بعائلة من الأصدقاء الذين يعرفون إليوت، و هكذا تدبرت أمرها لتلتحق به كسكرتيرة شخصية و تنضم لأسرة دار النشر فايبير و فايبير.
و كما يمكن أن نفهم من عدة برامج قدمها التلفزيون لم تأخذ مباشرة قرارا رومنسيا. و عوضا عن ذلك، لعبت دور سكرتيرة حقيقية و موظفة أرشيف متفانية. و لكن على غرار إليوت نفسه، كانت منفصلة عن الجو عاطفيا. و بعد خمس سنوات، اشتكى إليوت من موظفته الشابة الغامضة لامرأة حاولت أن تتقرب منه لمرتين و لم تنجح في إقناعه. و قال:" لا أستطيع أن أفهمها، إنها مغلقة مثل محيط ساكن". و لكن لدهشة الجميع، اقترنا بعد سنتين و بالسر.
كان إليوت رجلا صعبا: منعزلا، ضيق الصدر، و عرضة للانفعالات، و نظريا، و كآبيا، حانقا، قابلا للعطب و التأثر. و في نفس الوقت الذي اقترنت فاليري به، لم يكن ضيق الصدر و لكنه مريض بالأصالة. و هناك وباء في قلبه، و يعتمد على عكاز في المشي، و كان يعاني من الأسما ( عسر التنفس - قاموس أوكسفورد للمصطلحات الطبية - المترجم). و كتب المؤرخ ليندال غوردون: "إنه في شتاء 1959/ 1960 أخبر باوند إنه يتوجب عليه أن يركز كل طاقاته في التنفس". و في شهر العسل في فرنسا أصيب إليوت بالإنفلونزا و انكسر أحد أسنانه.
وفوق ذلك، أصبح في حياته الجديدة برفقة فاليري مخلوقا مستحيلا: مخلوقا تغمره السعادة. كان دائما يعتمد على الآخرين، الذين يتوسطون بينه و بين العالم الخارجي: منهم المعلمون و زملاء السكن و الأصدقاء. ثم حلت محلهم فاليري إليوت و أصبحت كائنا واحدا يختصر عدة أدوار مركبة.
كانا يشبكان أيديهما معا في العلن. و يقرآن لبعضهما البعض. و يرقصان معا.
كتب إليوت يقول:" هذا هو الفصل الأخير من حياتي. و هو الأفضل و فيه فائض من كل شيء يمكن أن أستحقه".
لم يستمر زواج فاليري إليوت و ت س إليوت غير ما يقل عن ثماني سنوات؛ و أصبحت أرملة لما ينوف على خمسين عاما. في غضون هذا الوقت، عاشت على مقربة مع كتابات إليوت و هي تحرسها و تقدمها للعالم، و هناك فكرة مشكوك بها أنها منحت حق ملكية هذه الكتابات لأندرو فيبير لتخصيصها لرعاية " القطط"، ( نحن نعلم أنها استخدمت الأرباح لتأسيس مؤسسة خيرية). و نشرت صورة عن مخطوطة " الأرض اليباب" و أضافت لها مقدمة طويلة و مفسرة. و لم تسمح للأكاديميين باقتطاف أشعاره و نشرها في دراساتهم، و هذا جعل مهمة كتابة سيرة حياته صعبة.
على أية حال، كم أدهشتني باستمراريتها في ظل ذكرى زوجها، و إعطائه الأولوية على ما عداه. مثله، كانت جادة فيما يتعلق ببناء و احتضان الأصول وفق نمط متحرك، و ليس فقط تمريرها من جيل لآخر من غير إحساس بالمسؤولية.
و أصبحت مثالا حيا لما آمن به : أنه يمكن التعبير عن العاطفة بقوة لو توفرت لها الخصوصية و أداء الواجب، و لكن قطعا ليس باستيعاب حركة العموم.
و حتى في أصعب لحظات حياتها كانت فاليري تعتقد أن إليوت هو شاعر عصره و شاعر لذاكرة لا تموت. فقد كان باستمرار بين حركة مد و جزر ، ينحسر و يتقلص ثم يمتد و يفيض. و هذا يتضح من بداية قصيدته العظيمة " الرباعيات الأربعة" حيث يقول :الوقت حاضر و الوقت منصرم / و ربما كلاهما حاضران في المستقبل،/ و الوقت المستقبل موجود في الماضي".
ولقد أنفقت فاليري إليوت عدة عقود و هي تعيش مع كل تلك الأوقات المتداخلة، و المتلاقية في لحظة واحدة..
سام أندرسون SAM ANDERSON : يعمل بصفة محرر في مجلة النيويورك تايمز. له عدة مؤلفات آخرها ( هدير الرعد في مدينة أوكلاهوما ).
العنوان الأصلي للمقالة: The Lives They Lived- Valerie Eliot .
الترجمة عن نيويورك تايمز . أعداد شهر كانون الأول. 2012
08-أيار-2021
مقتطفات من : كافكا في المحاكمة الأخرى بقلم : إلياس كانيتي ترجمة : |
17-نيسان-2021 |
03-تشرين الأول-2020 | |
12-أيلول-2020 | |
22-آب-2020 | |
20-حزيران-2020 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |