بين اليأس والأمل
خاص ألف
2006-10-28
لن تجد على وجه الأرض، ما هو أكثر وقاحة من الفشل.
تجده يتربصك في كل زاوية وركن، يترصد الآمال والأحلام، ويقتنصها منك اقتناصاً، ولا يكتفي بذلك ويمضي في سبيله، إنما يصر على القعود قبالتك محتضناً أحلامك بعد أن استولى عليها، ليمارس عليك الإغاظة المتعمدة بشديد إصرار وترصد، وبنشوة واستمتاع قاتلين ...
تراه من حين إلى آخر، يكشف لك عن طرفٍ من حلمك المسلوب ليذكرك بانتصاره عليك، متهكماً وساخراً من هزيمتك، تجده يقهقه ملء شدقيه بجلجلة تقع منك وقع الصفعات، ولا ينفك حتى يحيطك بحلقة ضيقة من الإحباط لا تنفك تزداد ضيقاً في كل مرة يظهر لك ويخرج لسانه هازئاً ...
الفشل مخلوق عديم الذوق، لا يعرف الإتيكيت ولا يعترف به، فهو لا يأتي إلا فجأة وبدون سابق موعد. بل ولا يحلو له المجيء إلا في أعقاب ميلاد حلمٍ ما ....
تراه يتسلل خلف حلمك خفية، ليلقي وبكل مكرٍ وخفة، في طريق الحلم الوليد قشرة موز، وربما قشرتين، ليتزحلق بها الحلم ويقع على رقبته وتتعطل مسيرته. يعيد الكرة مرة بعد مرة حتى يتوقف الحلم تماماً في النهاية.
كثيراً ما تتمكن الأحلام من الصمود وتنهض لتتابع السير، ويتابع أخينا إلقاء قشور الموز في طريقها بدون كلل ولا ملل، وبعد سقطتين أو ثلاثة أو أكثر نجد الأحلام قد لفظت أنفاسها وفارقت الحياة.
ملكة الحلم هي جزء من تكوين البشر، خلقت معه ولا تموت إلا بموته.
قد يموت حلمُ ويدفن، لكن يظل الإنسان مصراً دائماً على خلق حلمٍ جديد، ربما يكتب له النجاح وقد يعتريه الفشل كسابقه، الاحتمالان واردان دوماً، إلا أن الحالمين يظلون على الوفاء والإخلاص لأحلامهمً حنى بعد موتها.
تتفاوت قدرة الناس على الإمساك بأحلامهم تفاوت قدراتهم الذاتية التي منحها إياهم الخالق. لكن تبقى النتيجة واحدة، اللهاث الدائم وراء حلم ما، والإمساك بآخر إن أفلت الأول، والقضية الأكبر دائماً هي ... كيف النجاة من براثن الفشل المتربص والكامن في حيث لا يدرون.
الكل يحلم .... والكل متعب بأحلامه، والكل مصمم على الحلم. أليس غريباً أمر الإنسان؟
لا راحة لمؤمن ... قولٌ صحيح تماماً ! لا يرتاح الإنسان إلا بإحدى اثنتين، فقد الإيمان، أو فقد الإنسانية.
لندع فقدان الإنسانية جانباً فهذا منحى آخر، ولننظر في فقدان الإيمان، حيث الإيمان هو ذروة الحلم ورأس المنحنى فيه. لا أقصد الإيمان الديني وحسب، بل كل ماينطوي عليه يقين المرء من معتقد يرى فيه سبيله إلى الطمأنينة. والاستقرار والطمأنينة هما أمل الإنسان المنشود في هذه الحياة وهاجسه المتقد إلى أن يموت.
الدافع الأكبر لبني آدم في إصرارهم على الحلم، هو الأمل. والأمل هو الأب الشرعي لكافة الأحلام على هذه الأرض. فبدون الحلم لا معنى للأمل، وبدون الأمل لا شرعية للحلم.
تتقد شعلة الأمل وتخبو تباعاً على قدر توهج الأحلام وخفوتها. والامتحان الكبير للأمل هو انحسار نور الحلم بالتأكيد. فكلما تراجع ضياء الأحلام، خبا نور الأمل وهبطت الظلمة ...
في الظلام ... لا مكان لأي من الحلم أو الأمل أو الإيمان، فهذه كائنات لا تحيا إلا في النور. وحلول الظلام هو بمثابة إعلان الوفاة لكلٍ منها، وإلغاء مملكة الأحلام، وهو المناداة بسلطان آخر، سلطان جديد يتغير بتملكه طعمُ كلِ شيء، بل وينعدم معه طعم الحياة برمتها ......!
مات الأمل...، عاش اليأس .....!
اليأس هو العاهل الجديد إذن، واليأس لمن لا يعرفه مخلوق لطيف لا يؤذي ولا ينفع ولا يضر، مخلوق كالبرزخ، حيث لا حياة ولا موت. يبدو معه الناس شخوصاً من ضباب، يتحركون باتجاه الريح. يدفعهم الهواء ولا يتنفسونه، لا تذيبهم الشمس ولا يثلجهم الجليد. لا يتعاطون الأحلام، ولا يعيرونها أدنى اهتمام. ترى اليائسين يتفرجون على الحالمين بمزيج من الشفقة والشماتة، يديرون ظهورهم لكل يقين ويبشرون بالشك والتشكيك، ويسخرون من كل بارقة أملٍ في الأفق، وتراهم يفعلون كل ما يفعله الآخرون لكن بدون أن يحسوا بما يحسه الآخرون، يأكلون ويشربون وينامون ..... ولا يحلمون. لا يحفلون للموت، فظلام القبور عندهم مساوٍ لظلمة الحياة.
اليأس يا عزيزي القارئ (إن كان ثمة من يقرأ هذا) شيء مريح، ومريح جداً. وراحة اليأس تتبدى في الخضوع والإذعان لكل ما يأتي، حيث تتساوى في نظر اليائس كل المتناقضات، فلا فرق بينها إطلاقاً. فالظلام لا يفرق بين الخازوق وعمود النور.
أنظر إلينا نحن العرب ...... ألسنا كذلك؟ ألم نصبح كذلك؟ أليست مسيرتنا ومصيرنا كذلك؟
أرجوكم أقنعوني بالعكس من ذلك ، وسأكون لكم من الشاكرين !
تقبل الله صيام الصائمين، وقيام القائمين، وعبادة العابدين، وكل رمضان وأنتم بخير
08-أيار-2021
23-نيسان-2008 | |
15-كانون الثاني-2008 | |
03-تموز-2007 | |
12-أيار-2007 | |
31-آذار-2007 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |