خصام و نقد - حول النسخة العربية لجائزة البوكر
خاص ألف
2013-01-21
بعد أن ذهبت جائزة البوكر العربية، في دورة سابقة، مناصفة لطوق الحمام و القوس و الفراشة، و هما عملان تنغّص عليهما كل أنواع العيوب في السرد والخيال الفني، بدأنا نواجه السؤال - المشكلة التالي: ما هي نوعية اللوبي الصاغط المسؤول عن اتخاذ هذه القرارات؟!!..
لقد تغاضت اللجنة ،عمدا ، عن أعمال جديدة لها دور في تأويل أوجاعنا، وفي المقدمة: صائد اليرقات لأمير تاج السر، حيث طرح مسألة الحريات العامة و علاقتها بالحياة النفسية للأفراد، وذلك في مجتمع متخلف لا يجد تعريفا مناسبا لمعنى الواقع، و يورط نفسه دائمافي أوهام تساعد على تصوير نتائج الكبت في اللاشعور و كأنها نظام لتاريخ له قوانيه.
و تنسحب هذه الرؤية الناقصة للجائزة أيضا على سوق الأدب، فالسفسطائية، منذ عقود ، مسؤولة عن تعريف دور الأخلاق في الحياة العامة. و لذلك غابت حتى من القائمة الطويلة مجموعة أعمال أساسية ناجحة منها ( على تخوم الألفين ) لبرهان الخطيب، و هي رواية وضعت نصب عينيها تحليل أسباب الفوضى في الشرق الأوسط، و إعادة تأويل علاقة الشرق بالغرب ، ليس من منظور دعائي أو رومنسي، و لا من زاوية استشراقية خيالية و متأثرة بالفوبيا التي ترسم المشرق و كأنه عالم للدسائس و السحر و الشعوذة، أو صورة للحب الممنوع و الجنسانية، و لكن من منظور عاطفي تعامل مع الحضارة على أنها تراكم معرفي لقيمة الإنتاج و العمل.
وقل الشيء نفسه عن الدورة الأخيرة لعام 2012 - 2013 .
فقد غاب من القائمة العمل الثاني الشيق لأمير تاج السر و هو ( أرض السودان - الحلو و المر)، وبه وضعنا أمام مسؤولياتنا حيال مفهوم التباس الهوية و الحضارة النائمة، أو سبات الحضارات.
وفي نفس الوقت احتلت مساحة مهمة من الترشيحات رواية ( أصابع لوليتا) للأعرج واسيني.
ولئن كان لا يوجد اعتراض على اسم هذا الروائي، المناضل و المنتمي، الذي لم يبخل على المكتبة العربية بمجموعة من الإضافات النادرة وفي مقدمتها روايته ( البيت الأندلسي) ، فإنه يبدو في أصابع لوليتا بحالة غامضة. حالة استسلام لفروض أصبح فيها الأدب سلعة للاستهلاك و أداة لدغدغة مشاعر العامة و التنازل لمستواهم، عوضا عن تهذيبها.
متى كانت عفوية الشعب و فطرتهم الغريزية هي المقياس أو مصدر المعايير، أليس من الأجدى أن نترك ذلك لمسألة مستوى حياتهم بما تتطلبه من خدمات و مصادر ترفيه و استجمام؟!.
وهكذا تورط الأعرج واسيني بمجموعة من عيوب السرد الفني، و أولها: إسقاط الذات على السياسي، و تأويل مفردات تحليل الخطاب و الذهن و العقل في سياق المنفعة البسيطة المباشرة.
لقد وقعت هذه الرواية بنفس المعايب التي نعزوها لإحسان عبدالقدوس و يوسف السباعي، حيث المعايير الوطنية تتعرض للابتزاز و للطرق بأدوات ذهن يستهلك الأخلاق و لا يصنعها، و يختصر المعاني عوضا عن أن يمهد لتطويرها..
أضف لذلك الحالة الوجودية لبطل روايته الضائع بين خيارات ليست واضحة، و الذي كان يختنق و هو يتنقل بين محطات الرواية، و نقاط ارتكاز الأحداث.
لم يكن بطل الرواية إشكاليا في الطريقة التي أدار بها نفسه المتأزمة. و عليه لم تكن المفهومات الأساسية عن المرأة و السياسة و الثقافة و الحب، و أخيرا جدلية الدولة و الدين متبلورة في رأسه.
****
لا أستطيع أن أقول إن البوكر ، بنسختها العربية، لم تحرك ساكنا حيال الجو الصامت المتكبر المبشر بأخلاق ظالمة، لا ينقصها النفاق الذي تعودنا عليه في العهود المنصرمة.
لقد كان لها، و بالأخص في مطلع عمرها، دور في إعادة صياغة و تعريف الضرورات الأخلاقية للفن الرفيع، تماما مثلما فعلت البوكر بنسخها المتعددة، سواء في روسيا أو في إفريقيا، و فوق ذلك في بريطانيا.
والشيء بالشيء يذكر..
لقد وقعت البوكر - مان في جملة من الأخطاء و العثرات، و كان آخرها القفز من فوق العمل الهام ( الحب و الصيف) لوليام تريفور.
لقد كثفت هذه الرواية الصغيرة و المضغوطة تراث رواية الحب الهرطوقي الذي تنتمي له ( مدام بوفاري) لفلوبير، و ( العذراء و الغجري) للورنس.
إنها ليست ، في جوهرها، عملا إيروتيكيا، و لكنها تتعامل مع الحب الحرام و مع تأثير الكنيسة الكاثوليكية على العواطف المجردة، من زاوية ملحمية. و ذلك في صور و مشاهد خلابة تضع الإنسان مباشرة في مواجهة غامضة مع نفسه و مع الله و الطبيعة.
و تكرر الخطأ أيضا على مستوى النثر الفني المكتوب بلغات إفريقية محلية، حيث أنه لم يكن لدى لجنة البوكر الحساسية و لا المعايير اللازمة للتمييز بين عملين متفاوتين باللغة و الأسلوب، و لنفس الكاتب، و هو غينوا إتشيبي.
فقد وضعت اللجنة روايته المتألقة ( الأشياء تتداعى ) على قدم المساواة مع عمل بارد تجرد فيه عن الإحساس بالعمق الإثنوغرافي للقارة السمراء، و هو ( مضى عهد الراحة)..
حاليا تبدو البوكر أشبه بـ ( مائدة متنقلة)، و التعبير الأخير لأرنست همنغواي.
و هذا باعتقادي أحد أهم نقاط الضعف التي ستطوي ملف الجائزة ، و تحولها عما قريب لشيك مزيف بلا رصيد..
كانون الثاني 2013
08-أيار-2021
مقتطفات من : كافكا في المحاكمة الأخرى بقلم : إلياس كانيتي ترجمة : |
17-نيسان-2021 |
03-تشرين الأول-2020 | |
12-أيلول-2020 | |
22-آب-2020 | |
20-حزيران-2020 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |