فدائيات!
2013-02-01
حين رأيتهن على شاشة التلفزيون ضاقت كلماتي علي ولم أجد في الاستعارات درباً، فقد ألبسوهن ثوباً إنسانياً وأخلاقياً فضفاضاً عندما ألصقوا بهن صفة 'فدائيات'....أعذروني فأنا أتحدث عمن تم تجنيدهن في ما سمي من قبل النظام السوري 'بقوات الدفاع الوطني' وأطلق تعبير 'فدائيات' عليهن...
لن أتحدث عنهن كتعبير حقيقي عن هذه الكلمة لأن التاريخ وما تحمله كلمة 'فدائية' لا يمكن أن يتحمل هذا التشويه وهذا اللغط... لن أتحدث عنهن 'كفدائيات' لأن النظام السوري أراد من خلالهن أن يصدّر صورة للعالم يقلب فيها التاريخ ويصبغ اللاشرعي بصبغة شرعية محببة ... أراد أن يشبه 'الشبيحات' بالفدائيات وشتان بينهما... كيف يمكن أن تكون فدائية تلك التي حملت سلاحاً ونزلت تستعرضه و تستقوي به على جيرانها وأهلها ومن كان لها من أصدقاء في حيها أو مدينتها... هذه 'الفدائية' لم تذهب إلى الجولان يوماً 'ولم يقترح عليها زوجها' أن تفكر حتى بذلك، فحرفت وظيفة السلاح الذي حمّلوها إياه وحولته إلى إكسسوار واصفة الحالة بـ 'شي حلو' ... عذراً منك يا دلال المغربي و يا حلوة زيدان ويا سناء محيدلي...ويا...يا كل الفدائيات عبر التاريخ من الخنساء حتى آخر شهيدة سقطت مضرجة بالدم والألم والبرد...عفواً هؤلاء لسن 'فدائيات'
لن أتحدث عن الشبيحات فهن لسن الموضوع بل الموضوع هو النظام الذي أراد بهذه الدعوة لتجنيد النساء أن يقدم نساءه المتحضرات اللواتي يلبسن البنطال و يلونن شعرهن ووجوههن كبديل عن تلك النساء القادمات من القرى ومن أطراف المدن ويحتضنّ الثورة...ربما أراد أن يقول: انظروا الفرق بين نسائنا ونسائهم...هم ونحن ...أراد أن يسوق نفسه كنظام علماني بصورة نسائه 'المتحضرات'.
إن النظام السوري لم يستطع من خلال دبابات الموت وطائرات القتل وشبيحة الإجرام أن يسوّق فارقاً بينه وبين 'الإرهاب' الذي يدعي محاربته فحاول أن يستعين بتلك الوجوه لتصنع ذلك الفارق !
لن أعلق كثيراً على ما قالته النساء اللواتي تم تجنيدهن بأنهن أصبحن يخفن من المجهول ومن الجيران والأقارب ولهذا فقد تسلحن، ولكني أعرف تلك النساء جيداً فقد كنت أراهن في المدارس و الجامعات في وجوه مدربات الفتوة، هؤلاء النساء لم يُخلقن اليوم ولم يتم تأهيلهن اليوم، هن نتاج أربعين عاماً من القمع والإذلال والتربية العسكرية، تم فتح الأدراج القديمة وإخراجهن منها إلى الواجهة من جديد حين دعت الضرورة لإظهار المرأة المسلحة المتحررة العصرية!! ....
فدائيات سورية لسن هؤلاء النساء، بل هن أولئك النسوة الموجودات في كل حي وحارة ومدينة وقرية، هن أولئك النسوة اللواتي قلن نعم للحرية في زمن الصمت والسوط، هن من تم اعتقالهن وزج بهن في السجون، هن اللواتي حملن منشورا بحجم راحة اليد ليغطي مساحة الوطن، هن من تركن الحليب على شفاه أطفالهن وقبعن في أقبية النظام لسنين...
في زمن الثورة، الفدائيات هن بضع نساء قرويات خرجن للاحتجاج على الطريق الواصل بين مدينتي اللاذقية وبانياس بسبب اعتقال أولادهن وأزواجهن، حملن خوفهن، كن بجمال الأرض وبساطتها، لم يتسلحن إلا بالصدور والأكف وذلك الصوت الذي أردن به أن يشق الريح... كن كالجبال الراسيات لم يتزحزحن رغم زخ الرصاص، هؤلاء النساء هن فدائيات سورية..
في بداية الثورة السورية، مازلت أتذكر خوفي من مفاجأة رجال الأمن لبعض الفتيات الجسورات اللواتي كن يسابقن المخبرين في سوق مدحت باشا ليعلنّ ثورتهن، كن كالفراشات في ربيع لم يحن، بل كسرب عصافير يغني، صوتهن كان ثورة، وصمت الشارع كان عارا، اخترن الوطن بالسر والعلانية وغنين له، أولئك الفتيات هن فدائيات سورية...
امرأة في درعا انتشلت جريحاً من الموت استهدفه قناص حين استعصى انقاذه على الرجال، وأخرى في ريف دمشق زحفت لتنقذ جريحاً آخر وكسرت الجدران لتتجاوز حواجز الموت لتمرّ بحقيبة فيها بضعة أدوية، تلك الفتاة لم تنقذ الجرحى فقط بل أنقذت سمعة الأطباء في سوريا حين انحازت لإنسانيتها ...هؤلاء هن فدائيات سورية.
وقفت تتحدى الموت والنظام في حمص لتقول إن الثورة هي لكل السوريين، لا تخص طائفة دون غيرها... غنت لوطن الكرامة والحرية والثورة ولا شيء سواها، تآخت ووجع الناس فهي منهم وتشبههم في حبهم وبساطتهم .. تلك المرأة هي من فدائيات سورية.
امرأة عجوز في ريف اللاذقية اختصرت كل الألفاظ والتعابير، رمت سنين عمرها الثقيلة وانحناءة ظهرها لتطهو وتطعم شبابا لم تعرفهم من قبل لأنها مع الحرية ومعهم ....تلك المرأة هي من فدائيات سورية...
امرأة أخرى في جسر الشغور فقدت أولادها و لم تذرف دمعا بل صلت ركعتين لأن أبناءها استشهدوا في سبيل الوطن...تلك المرأة من فدائيات سورية.
فنانات ومبدعات اعتزلن الفن واحترفن المقاومة بالصوت والصورة، هؤلاء النساء هن من فدائيات سورية...
رياضيات سوريات لم يعدن يركضن في حلبة السباق بل غدون يركضن في سباق الكرامة، تلك النساء هن من الفدائيات...
كل النساء اللواتي يقفن في طابور الخبز والوقود كل يوم كي يطعمن ويدفئن أطفالهن وطائرات الموت تحلق فوقهن هن فدائيات سورية...
كل النساء اللواتي خبرن الخوف في عيون أطفالهن وغنين لهم كي يناموا ويصبحوا على وطن هن فدائيات سورية...
فدائيات سورية هن تلك الطالبات اللواتي ذهبن إلى قاعة الامتحان حين قصفتهن طائرة وغدر بهن طيار...
فدائيات سورية هن اللواتي تفيئن بحب الوطن حين خيب العالم رجائهن....
فدائيات سورية هن الشجر ...هن الزهر...هن أهزوجة وأغنية...هن الصبر والدمعة...هن المقاومة ...هن روح الوطن وترابه...هن الحقيقة ...
أولئك هن فدائيات سورية أنا أعرفهن جيداً...
القدس العربي
08-أيار-2021
29-نيسان-2017 | |
17-أيلول-2014 | |
17-آب-2014 | |
04-آب-2014 | |
01-آذار-2014 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |