حليف النبيذ / قراءة في رواية "ابن سينا "
خاص ألف
2013-02-06
حليف النبيذ / قراءة في رواية "ابن سينا أو الطريق إلى أصفهان"
تتوالى السنون وتتقلب الأيام ونجم الشيخ الرئيس ابن سينا لما يزل يلمعُ محتفظاً بألقه, فهو الطبيب الفقيه العالم الفلكي, حليف النبيذ ونديمه, في ليالي السمر أو عندما يطيل السهر في القراءة والكتابة والتأمل, حتى آخر العمر وانقضاء الأيام. ابن سينا المتأرجح بين الشك واليقين يقول " دخولي في اليقين كما تراه... وكل الشك في أمر الخروجِ". كانت مسيرة حياته متقلبة بين قصور الأمراء وسجونهم, وساحات الحروب وجراحها النازفة. مشى على حد السيف وعانى من تنكّر الأيام لكنه يقول" إن من شأن الزمن أن يمحو من الذاكرة الآلام ويطفيء الضغينة ويهديء الغضب ويخمد الأحقاد فإذا الماضي كأن لم يكن وإذا العذاب المضني والخسائر الفادحة أمور غير ذات بال. وذلك أن الله لا يفرق بين الجزاء والعطاء ولابين ما يُمن به على خلقه من واسع رحمته وما تكافئهم به الدهور في مرورها فإذا هو يقدر لصروف الدهر أن تمحو كل ما يصل الأسباب بالمسببات".
ابن سينا (980م-1037م) الذي احتفل العالم أجمع بالذكرى الألفية لميلاده في عام 1980، من أعظم مفكري العصور الوسطى، وله فضل كبير في تاريخ موسيقى شعوب الشرق الأدنى والأوسط خاصة وفي تاريخ الموسيقى العالمية بشكل عام. كما أن مساهمته في تطوير نظرية الموسيقى لا تقدر بثمن. وقد جاءت نعوت "الشيخ الرئيس" و"حجة الحق" (ابن سينا) بعد بحوث المعلم الثاني العظيم أبي نصر الفارابي فيما يتعلق بالموسيقى. لا نعلم هل كان ابن سينا موسيقياً عملياً وهل كان يتقن العزف على إحدى الآلات الموسيقية. وتتضمن مخطوطات العصور الوسطى العديدة كثيراً من الحقائق الممتعة التي تظهر علاقة ابن سينا بالموسيقى. وغالباً ما حملت هذه الحقائق طابعاً أسطورياً بتأكيدها الملّح على شهرته الذائعة في المجالين النظري والعملي للموسيقى. وقد نُسب إليه اختراع العود أمثال: (الجرجاني في بهجة الرواج). ويعتقد العالم الموسيقى والفنان الكبير عبد القادر مراغي (بين القرنين 14-15) بأن ابن سينا لم يكن موسيقياً عملياً مع أنه كان ضليعاً بعلم الموسيقى. وأما الأسطورة التي انتقلت من جيل إلى جيل بين الموسيقيين الشعبيين فقد حفظت حتى يومنا هذا أن ابن سينا وحده – من بين علماء عصره – الذي يستحق لقب "الشيخ الرئيس" لأنه كان متعمقاً في جميع علوم عصره ومن بينها علم الموسيقى, كما نود أن نشير هنا إلى مانُقل عن ندم ابن سينا لعدم دراسته للرقص. إن ما قدمه ابن سينا في الموسيقى وعلم الجمال لا يمكن فهمه أو استيعابه معزولاً عن مواقفه الفلسفية. فهو يخضع الموسيقى لصالح التربية الأخلاقية، ولتطوير العالم الروحي للإنسان. لقد كانت فكرة الشخصية المتطورة تطوراً متناسقاً، والتي تجمع بين الكمال الجسماني للإنسان وغنى عالمه الروحي وسموه الأخلاقي، هي التي حددت مكانة الموسيقى وأهميتها في المنظومة التربوية عند ابن سينا. ومن هنا جاءت أفكاره الموسيقية والجمالية متميزة بالتماسك والانتظام. وقبل كل شيء تنبغي الإشارة إلى أن ابن سينا لم يكن مجرد متابع أعمى للأفكار الموسيقية الجمالية التي جاء بها اليونانيون القدامى. فهو بعد أن استخدم منجزات العلوم الطبيعية في ميدان علم الموسيقى أخذ ينتقد، كالفارابي والبيروني، التصورات الكونية وغيرها لدى الفلاسفة القدماء. وينشئ لنفسه موقفاً تقدمياً أصيلاً، بالنسبة للعصر الوسيط، فيما يتعلق بنشأة الموسيقى وماهيتها.
وقبل الدخول إلى رحاب رواية (ابن سينا أو الطريق إلى أصفهان) للروائي الفرنسي جيلبرت سينويه التي ترجمها آدم فتحي وهو شاعر ومترجم تونسي وقد صدرت عن منشورات الجمل, نتوقف عند تعريف جورج لوكاتش للرواية التاريخية: "رواية تاريخية حقيقية، أي رواية تثير الحاضر، ويعيشها المعاصرون بوصفها تاريخهم السابق للذات". فهي بالتالي "عمل فنّي يتخذ من التاريخ مادة له، ولكنّها لا تنقل التاريخ بحرفيته، بقدر ما تصوّر رؤية الفنّان له وتوظيفه لهذه الرؤية للتعبير عن تجربة من تجاربه، أوموقف من مجتمعه يتخذ من التاريخ ذريعة له أما عن علاقة الرواية التاريخية بالتاريخ فيقول: إنّ الاعتماد على التعاريف المخصصة لكل إسناد نظري يبحث في علاقة الرواية بالتاريخ من شأنه أن يقود الباحث نحو إعادة التفكير في إشكال كبير يخص علاقة الأدب بالتاريخ السؤال المطروح هنا هو: هل الرواية التاريخية هي التي تعتمد الحدث التاريخي مرجعيّة للحدث الروائي؟ وبالتالي فإنناّ في هذه الحالة أمام مرجعيتين: مرجعية حقيقية متّصلة بالحدث التاريخي، ومرجعية تخيلية مقترنة بالحدث الروائي, وهذا ما نلمسه في هذه الرواية. في مقدمة الشاعر المترجم للرواية, والتي عنونها بـ (مقدمة لابدّ منها الكتابة كترجمة..الترجمة كعودة..) نقرأ: "ابن سينا واحد من بين قلة من نوابغ العصور السالفة الذين وصلت أهم مؤلفاتهم, إضافة إلى صورة واضحة عن حياتهم الشخصية, وذلك من خلال الصفحات التي تركها لنا تلميذه وتابعه أبو عبيد الجوزجاني الذي صاحبه في حلّه وترحاله, والذي وصف لنا في قرابة العشرين صفحة ما تعرّض إليه معلّمه من ظلم الملوك وسطوة الأمراء وتعب الجسد في مرام النفس الكبيرة. ويبدو ابن سينا من خلال "سيرة" الجوزجاني شخصية مأساوية جاهزة للتنفيذ الروائي, بما تتضمنه من تفاصيل وتقلّبات وتشويق ونهاية يتعارض فيها القدر مع الإرادة وفقاً لشروط المأساة الأغريقية. وقد استغل جيلبرت سينويه هذه السيرة القصيرة لإنجاز عمله الضخم, فأجرى نص هذه الرواية على لسان "أبي عبيد الجوزجاني, وأورد عدداً من الحواشي ذيّلها باسم هذا التابع الوفيّ الذي رافق ابن سينا طيلة خمسة وعشرين عاماً وأردفها بحواشٍ أخرى ذيّلها بإمضاء المترجم, وذلك لإحكام الإيهام بنسبة هذا النص إلى تلميذ ابن سينا وكاتب سيرته المعروف, ولمزيد الإقناع (إقناع القاريء) بأن المؤلف (الفرنسي) ليس أكثر من مترجم لسيرة ابن سينا كما كتبها الجوزجاني, وهذا يعني أيضاً أنه ليس سوى "ناقل" أمين لنص كُتب في الأصل بالعربية". ويؤكد المترجم في موقع آخر من مقدمته ... يمكن القول إن روايات جيلبرت سينويه تطرح في معظمها سؤال الرواية التاريخية الأهم: أين يقف التاريخ وأين تبدأ الرواية؟ كما تطرح في بعضها (وخاصة في هذه الرواية) سؤال العلاقة بين الرواية التاريخية من جهة وأدب السيرة من جهة أخرى. وقد كان الروائي الفرنسي في إجابته عن هذين السؤالين أقرب إلى ما عهدناه في تجارب نجيب محفوظ (رادوبيس, كفاح طيبة) وجمال الغيطاني (الزيني بركات خاصة) منه إلى أعمال سليم البستاني أو فرح أنطون أو جرجي زيدان مثلاً.
في جنبات الرواية يستشهد الشيخ الرئيس بأقوال لحكيم يهودي يدعى "بن غورنو" جاء في أحدها "إذا صفعت الحماقة العقل فمن حق العقل أن يتصرف بحماقة". وفي قول آخر نقرأ "على من خلقني أن يحطمني لأن عمله ناقص".
08-أيار-2021
21-تشرين الثاني-2013 | |
16-تشرين الثاني-2013 | |
05-تشرين الثاني-2013 | |
26-تشرين الأول-2013 | |
15-تشرين الأول-2013 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |