عن قصص جاي جي بالارد بقلم: أنتوني بورغيس ت و إعداد :
خاص ألف
2013-02-09
أول شيء نقوله عن جاي جي بالارد J G Ballard أنه ليس من بين أفضل كتابنا المتخصصين بالخيال العلمي، و لكنه أيضا يدخل في عداد أفضل كتاب السرد الفني طوال الحقبة الذهبية.
ربما يؤكد بالارد نفسه المزاعم الأولى، و لكنه سيلتزم بالصمت حيال المزاعم اللاحقة. لأن القصص الهامة التي تنشر اليوم هي من ضمن أدب الخيال العلمي ( أو قصص الخيال غير المسبوق أو الخيال الافتراضي أو السرد الذي توجد وراءه حوافز ميتافيزيقية) حيث أنها تدفعه ليصل للحدود و الحواجز التي يضعها العلم أمامنا: ودائما نحن نصل في النهاية شئنا أو أبينا لما يصنف في مجال الخيال العلمي.
و كما أرى إن الكاتب المعاصر الوحيد الذي يحترمه بالارد حقا هو إسحاق عظيموف و وليام بوروز. و هذا يمكن أن نفسره بطريقة سلبية على أنه نوع من الرفض لهذا الأسلوب من القصص، و التي تبدو أنها لا تقر بوجود حالة - ثورة أصابت الفكر و العواطف، لنقل منذ عام 1945.
وهذا قد يعني، فيما يعنيه، أن القسم الأكبر من السرد المعاصر، و الذي لا يزال متماسكا في مجال الموضوع و الأسلوب، يحصر نفسه، موضوعيا، لما يمكن التوصل إليه من ملاحظات و مفاهيم عن طريق التجريب، و لغويا ما قد تعتبره جورج إليوت على أنه تطور محدود، و لكن بشكل عام محسوس فعلا.
ويعتقد بالارد أن معظم السرد المعاصر يقف عند حد قناعاته حول لا أخلاقيته، و هذا من التبعات المخجلة التي فرضها صعود الرواية البورجوازية. و إن اللغة الموجودة هي في حدود تسجيل الواقعي، و إنها ليست مطلقة الصلاحيات فيما يتعلق بتحرير المتخيل.
وكي نتقدم إلى الأمام، كما فعل بالارد، يجب علينا أن نعود للخلف أيضا. فالرؤية القيامية العلمانية و الأسطورة التي سبقت نظام تشكيل العقل الحديث تتلاقيان في نفس منطقة الإبداع، بينما كبار الروائيين البورجوازيين الذين يكتبون وفق قانون الأصول، لن يكونوا مرتاحين لذلك. إن بالارد كاتب يعترف بالحدود الموضوعاتية، و لكنها حدود من عندياته. و إن غريزته الإستاطيقية تحدو به ليفهم أن واجب كاتب أدب الخيال العلمي ليس أساسا و لا جوهريا أن يدهش أو أن يصدم القارئ باكتشافات عشوائية، و كما هو حال كل أدباء الخيال العلمي، عليهم تصوير المخلوقات البشرية، في حالات غير معقولة و حدية. و بالتالي أيضا تخيل ردود أفعالهم.
شخصيات بالارد مخلوقات تعيش على الأرض، و ليست من الفضاء الخارجي. لماذا نخترع كواكب جديدة و مسحورة مع أنه لدينا كوكبنا الخاص بنا، و فيه تقع حوادث غريبة، و تكون النتيجة عبارة عن ظاهرة بمنتهى الغرابة ويمكن ربطها بالحقائق الحالية أو بما هو محتمل. و ذلك مثل ربط السبب بالأثر؟..
لا يوجد هناك في نظرية التطور ما ينكر على الأشياء الحية القدرة على التأقلم كطريقة للاحتماء من الضربة النووية. و في العصر الذي يهيمن عليه الانفجار السكاني لن نكون على موعد مع قوانين الحياة في الفضاء فقط. و لكن سنكون على موعد مع حالة العقل الذي يرى خزانة المكانس بشكل ملجأ أو مسكن. و سيستخلص الإنسان الأوكسجين من المحيط ليقوم بتهوية المجتمعات الكونية، و سيختفي المحيط الأطلسي و يتحول إلى بركة ملح، و في هذه البركة سنكون نحن السمكة الأخيرة في العالم، و سنُضرب حتى الموت على أيدي صغار قساة القلوب. و سيتطور جنس بشري جديد تقوم الماكينات باستعباده، و هي ماكينات ذات قدرة فائقة على مواجهة حياة استهلاكية متناهية. إن ردة فعلنا على رؤية بالارد مضاعفة: رفض هذا العالم الشاق و المستحيل، و الاعتراف أن كل شيء ممكن. و الوسيط بين العالم و هذا الجنس البشري الغريب يعبر عن حالة كلاسيكية - إنها الرواقية التراجيدية: فهو يكافح ضد التبدل بالنيابة عنا، و لكن ليس بمقدوره أن ينتصر.
لقد كان فوكنر في ( الإنسان المثقل بالأحمال) أقرب لروح النصر لأنه اخترع خدمة ابستمولوجية - فقد اختزل الأشياء غير المقبولة في العالم إلى معطيات نحسها، و حوّل المعطيات المحسوسة إلى أفكار، ثم قام بنفي و قتل الأفكار من خلال قتل نفسه.
إنه من اليسير فعلا أن تطلق على بالارد اسم نبي العالم الأعلى . انه ليس من مهام كاتب الخيال العلمي أن يضفي جوا أخلاقيا على الإنسان البعيد، و بالطريقة المعروفة في مسرحيات فاوست القديمة. إنه يضع الأسس و يقيس عليها، و لو فعلنا ذلك، سوف نصل إلى نتيجة لا نعرفها: فالاختيار يبقى حرية. نحن نربط النبوءات الخاصة باللعنات، مع نوع من الذهنية التي ترفض كل التطور التكنولوجي: ما أن نعترف بسلطة الفونوغراف و محرك الاحتراق الداخلي حتى نضيع. لقد بنى كل من هـ . ج. ويلز و ألدوس هكسلي يوتوبياهما ( عالم فاضل و عالم شرير) على قواعد من معرفة علمية غير جاهزة. إن سلطة بالارد الخاصة في حقول مختلفة و خصوصية، على ما يبدو لهؤلاء غير العلميين، ذات أهمية : فأنا أرى فيها برهانا على إجراء مزيف بخصوص الموازنة العقلية أو الفرضيات التي لا تكون امتدادا لخيال غير مرن بما فيه الكفاية. و المضمون النخبوي لعدد من قصصه يحرض بقوة الكآبة و ما شابه. و يمكن للمرء أن يضيف لما سبق رحمة و طاقة لا متناهية و كلاهما توفره لنا الكتابة.
و برأيي الشخصي ... ( إن قصص بالارد )، من وجهة نظر علمية، ليست قصص خيال علمي: فأرضيتها مقبولة فقط في حدود قانون تتحكم به الحكاية، و هذا شيء قديم جدا له جذور من أيام هوميروس....
ربما إن الفكرة في النهاية ليست كل شيء. و لكن المهارة تكمن في دقة الملاحظة و في المصداقية التامة الموجودة في خيالاتنا عن استجابة الجنس البشري للظواهر اللامسبوقة.
في ( غليفر ) يتحاشى سويفت الكثير من المشاكل المحسوسة و المادية من خلال اهتمامه بالنوايا السياسية الساخرة، و لكن بالارد لا يتحاشى شيئا باستثناء الأخلاق البسيطة: و كي نقول إن قصصه تنفي هذا أو ذاك نحن نرتكب جريمة إلغائها بالكامل.
موناكو 1978
المقالة عن جيمس غراهام بالارد الروائي البريطاني المولود في شانغهاي عام 1930 و الذي توفي في لندن عام 2009. أما كاتب المقالة جون أنتوني بورغيس ويلسون المعروف باسم أنتوني بورغيس Anthony Burgess فهو في طليعة الروائيين البريطانيين المحدثين. من مواليد عام 1917 و توفي عام 1993. من أهم أعماله البرتقالة الآلية التي ينتقد فيها قانون المجتمع الرأسمالي الشمولي كما فعل جورج أورويل في عمله الهام ( 1984).
الترجمة بقليل من التصرف من مقدمة طبعة عام 1978 لكتابه مختارات من أفضل قصص بالارد. منشورات دار بيكادور.
08-أيار-2021
مقتطفات من : كافكا في المحاكمة الأخرى بقلم : إلياس كانيتي ترجمة : |
17-نيسان-2021 |
03-تشرين الأول-2020 | |
12-أيلول-2020 | |
22-آب-2020 | |
20-حزيران-2020 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |