جنوب لبنان بوصلة الأرض
خاص ألف
2006-09-06
كأنما أتنسم هواءً آخر، كلاماً آخر، صورة أخرى، حين عاد موتانا ، ليسقطوا من جديد.
وأرى مايراه البعض، وما يومض في العيون من نرجس تهجس به الأرض، أو سماء تزرع ألغامها على صدر طفل كان شقياً قبل حين، وقت تسلق شجر الحياة فهوى عن غصنها الأول في مساء الجنوب. والجنوب قبلة الأرض، وجهة الحلاج والحجاج
حقل من الحنطة وسماء من الغربان تنهش في قداسته. عروش وتيجان تبارك الغزاة على واحة القرنفل.
ربطات عنق على فوهات عمياء. وقوس يشده الجلاد على أرضه حين تهلل الفرعون وملوك النخاسة و ساسة العصر الجديد
وتجارالحروب التي يشنها سادة القتل الجماعي على الطفولة. والجنوب بوصلة للجهات كلها، أرض الأنبياء وماتركه المسيح على أحجار قانا. ما فات العاشق في اللقاء الأخير وماتركه المحارب في حقول الغار.
والعالم ضمير معطل ومن يقدح الزناد أيها القتلة .. ومن قانا إلى قانا ومن الجنوب إلى الشمال إلى الجنوب.. كم من المجازر .
وامرأتي تنام على ذهولها وتستيقظ على ذهولها وتقول.. ما أعاده سيد الجنوب عصي على الموت. و نصر الله نصّ إلهي. طفل حالم، وأنا بين عين وعين، أطل على وصاياه وهذي المغامرة نشيدنا، أمام حكمة الخائن. ولائحة الشرف الملطخ بالجريمة .
وامرأتي تقول.. حجر على سرير الطفل. دم جثة كانت. رأس في العراء. عائلة لم تنه طعام العشاء، تحت ركام الحجر الثقيل . روح عالقة في الشقوق. ساق عالقة في الأنقاض. يد تلوّح مفردة في السماء، تودع أحبة كانوا قبل حين.
وقانا لم تغادر كي تعود، من غزة إلى صور ومن صيدا إلى بعلبك، ومانراه، نراه حين يصب قمر التجسس عناقيده في كرومنا وتملأ الأشلاء آفاق الطائرات، تتصيد الأطفال في عش الأمومة ويستيقظ الموت في ليل الحكايا. والحكايا ماترك المحارب والمجاهد من ورد على عتباتنا، ومن قُبلٍ تهدهدنا في مساء النصر الأكيد. والحكايا أرجوحة العيد شاغرة، والعطلة الصيفية في قبر جماعي. ورحلة الموت خارج جرس المدرسة ، وعلم أممي يرفرف على ضريح قتلانا، وقتلانا لم يمضوا كي يعودوا، هاهنا في القلب ترف أجنحتهم ، وتعيد الأغاني الحزينة أصواتهم، في الصباح وفي المساء. وفي الصباح والمساء موت جديد، في الزوايا والملاجئ والخطابات الحكيمة ومعادلات الهزيمة خارج قوس الجنوب.
وتالا تقول .. وهي تفتش عن رسومها المتحركة ..من هؤلاء ياأبي؟ قتلة يا ابنتي. وماذا يريدون؟ موتنا
ومن هؤلاء يا أبي؟ موتى يا ابنتي . لكنهم صغار؟. اذهبي يا ابنتي واحضني أرنب القماش ودفتر الرسم.. ؟ اذهبي ياابنتي
وتالا لم تفهم. لكنها رسمت طفلة تبكي وقتيلا، وتالا في عامها الخامس تسأل عن وجه جميل مغمض العينين، يشبه لعبتها كثيراً لولا الدم والطين و بعض من أطراف ناقصة. هنا كانوا ومازالوا يا ابنتي لكنهم راحلون إلى حتفهم حين ينمو دم الصغار من جديد ويتفتح الجوري والفل من جديد. ومن جديد ترى ما تراه فتعود إلى سؤالها، ومن جديد لا تفهم ما يقال، فاذهبي لدفتر الرسم يا ابنتي وارسمي طفلة بكامل أعضائها، وشمساً بكامل ضوئها، وسماء بلا طائرات تقتنص الحياة.
وموتى يسألون عن أسمائهم ويبحثون عن أطرافهم في عتمة القبر الكبير. وموتى مايزالون في غرف النوم يغطون في موت عميق، بانتظار من ينفخ الصور كي يعودوا إلى أعمالهم، فما زال متسع من الحياة، ومازال متسع من كؤوس الشاي ولمة الجمعة وأحاديث العائلة.
وهذا الصيف صيف جائر يا ابنتي، لامكان فيه للعبة الحبل والمستراح، ولاحائط لترسمي عليه بطباشير الشغب.
موت على الطريق. على الأسطح.. في أقبية الملاجئ.. على أغصان الشجر وتحت قشرة الليمون. موت في ماء النبع و صنبور المياه. في المرآة والإكليل في حلم الصبي وفتنة الصبية . موت في الهواء في أنين لم يكتمل وصراخ لم يكتمل وفزع في العيون. وموت في الكلام البارد والدم البارد ونافورة الحجر.
موت في أول الفجر ، وطلة الشمس. في الظهيرة القائظة والأمسية القائظة وفي التعاليل. موت بين الفواصل. في أول السطر وفي آخره. وموت في فصل الحياة. وحياة في أول البوح حين يطل قائد القرنفل بالنشيد المغامر. وتشف الروح في الصوت الخفيض. وروعة المعنى على جناح العبارة يرددها الأنبياء في المحاريب .
وأنا في أول المشهد أطل على قمر في الجنوب لايغيب ، لايراه إلا من رأى أن السماء أكبر من الطائرة، وأن الأرض أكبر من ناقلة الجند والبحر أكبر من البارجة.
حسين يقول دافعت عن وردة في الجنوب وشيعت أخي هناك، واحتميت بشاهدة مرة وعدت للحياة مرتين. ، ويقول ياليتني هناك ، لأغلق باب السماء على أجنحة الموت وأترك الجند الغزاة معلقين، على حدود هزيمتهم، كي يكمل الطفل حليبه وتتعلم طفلة ربطة الشعر وتركض إلى حقلها الآمن بذيل حصان على ظلها الممدود على أرض آمنة.. وكي تسهر الأم على هديلها والحمام على هديله وتستيقظ أمي على هديل الحمام
.. وكان الكلام كثيراً في المقهى لكن الحروف غصت والصورة ابتلعت ما نريد، حين التهم الجند عنق صبي يلتحف بليل امه.. في مساء شحذت فيه الأرض نصالها على رقاب طفل في يومه الثالث وكان الحديث طويلاً لكنني لاأذكر إلا تهاليل الفرح لصفارة الإنذار تدوي في حيفا.. وحيفا نسيناها منذ كنفاني يقول ياسر وأعادها قائد الورد في ليل تنسمناه جديداً وياسر لايرى حيفا على خارطة العدو . يقول كأنا عدنا من جديد ويضحك مرة على العدو ويبكي مرتين على الصديق، وكان الحديث طويلاً ولاأذكر ما اراده فادي حين عاد إلى طمأنينة لايدرك كنهها ويقول كأننا عدنا من جديد وكأن حزب الله حزب الأرض كلها حين أفرع شقائق النعمان من دمنا وهذي الأرض لنا لأنا ولدنا في قبور أجدادنا على أرض القتال ..
بسيم قال كأن المسيح عاد هذه المرة على هيئة قائد الورد أو قائد الجند أو قائد أمة عادت إلى رحمها لتولد من جديد.. لكن يهوذا هذه المرة متوهج بدم ملك يرقص بسيفه العربي على جثة امرأة كانت تعد حماما ساخنا لابنها قبل أن ينام في ثلاجة أعدت للجنوب.
وكانت أرجوحة على اهتزازها، وطفلة على جمالها، وصبية على نيتها في العشق وليلة بلا قمر صديق، سوى منجل الموت في فضاء الجنوب يهوي على زنبقة تنامت قرب شاهدة على قارعة الطريق.
08-أيار-2021
01-نيسان-2008 | |
06-أيلول-2006 | |
07-أيار-2006 | |
24-نيسان-2006 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |