Alef Logo
ابداعات
              

سرد متقطع

ياسر الأحمد

خاص ألف

2013-02-15

لم يتغير المكان كثيراً عن آخر مرة كان هنا، الأمكنة أصلاً لا تتغير كثيراً في عمر واحد، أعمار كثيرة نحتاجها قبل أن نرى الطقوس وقد تبدلت، والأحجار وقد مسحت غبار التراكم عن أيامها. لا زال الجسر في مكانه ، والقوارب الصغيرة ما زالت تبحر ليلاً في رحلات صيدها البطيئة. المشهد لم يعد يبحث عن ممثليه متلهّفاً، فما حدث بين الضفتين تراجيدي بأكثر مما تتحمل خشبة مسرح، أو مما ينتظره مشاهدون مسترخون.
صعد إلى حافة الجسر. وعلى الصخرة الملساء بسط فراشه الريفي الملون، وألقى وسادة القشّ القاسية، كان التعارض بين بهجة ألوان الفراش والوسادة القاسية يهب نفسه للنسيم النهري الرطب، نظر خلفه حيث المقبرة .
كان تلاً يطلّ على " الفرات " في هدوء بسيط يمتصه الماء, لم يعد الناس يدفنون موتاهم في ساحات بيوتهم. أبٌ يشرب الشاي متكئاً على رخام قبر جد ما ، وفتاة تلهب التنور وعيناها سارحتان في شجيرة الليمون المرتوية قرب قبر شقيقتها ، ونهداها يتلاعبان كرغيفٍ ساخن ذات شتاء . الموت نفسه صار أقل بهجة .
أقلُّ احتفائنا بالموت خبتْ شمعتُه ، المقبرة مرة أخرى تطلّ على النهر ، ولكن من جهة السهل وليس من الجهة الجبلية ، ترى كيف يختار الناس قبورهم ، هل يستمتعون بهذا الاختيار ؟ كان جسده بعد الموت مثاراً لتفكيره وهو ينظر إلى الحفّار يتسلّى بحفر قبر جديد .
ناداه من بعيد ، وقف ولوح بكوفيته وحين لاحظه ناداه مرة أخرى ، بعد قليل حين وصل الحفار سكب له الشاي من إبريقه الصغير ، أعجبته الرغوة فعبّأ كأسه مرة ثانية . أراد شاهداً محترفاً .
من بعيد كان صوت جريان الماء روتينياً كنوبة حراسة ، لماذا عليّ أن أعيش حتى الغد ؟ سأل نفسه . لماذا كغبار أصطدم بجبل ؟ ضحك وهو يتذكر حلم حياته الأثير . غرفة مائلة على سفح جبل بسقف نصف مفتوح ، وسرير معدني بشرشف طويل ، وصندوق تحت السرير يتسع لقنينة نبيذ وبعض المعلبات . مطر يغسله كل فجر وأعقاب سجائر تذهب في المنحدر كوردة منسية .
ضحك عالياً ونظر إلى الحفار ثم خلع ثوبه وانغمس في النهر للمرة الأخيرة.
لم تقل جملتها دفعةً واحدة ، عادةً لا تنسلخ عن ذاتها دفعةً واحدة ، لا تريد أن تفقد البطء ، البطءُ أكثر مرضاة لمزاجها.
قالت جملتها وكأنها تهزّ جذع زيتونة هرمة . ثم لا يستجيب فتهزّه ثم لا يستجيب ثم تهزّه .
وحين نهضت عاريةً مزج الضوءُ مواعيده ثم أتى .
لم تقل جملتها دفعةً واحدة أو لم تقلها أصلا ، فما تشتهيه لم تعد تفكر فيه ، وما يفتحُ أبوابها نسي أن يطرق المزلاج وقد ابتلّ ...
رأت العصفور مرةً على على جُرف الماء ، ثم رأت الماء يسلُّ روحَ العصفور كما تزهقُ قدمٌ حبة َ مشمش صيفية .
:- اسمعوا...
لاشيء
ثم حين لهتْ أحست بلهوها يذهب نحو المعنى فلهتْ سِراعاً
كان هذا شهرها الأخير
وكان الزيتُ شهوة جلدها ، تبدأ من الرقبة ثم تنتهي عند الركبتين . تزرّ ُ الركبتين بالزيت.
باردةٌ جملتها ولذلك لم تقلها دفعةً واحدة ، تقريبا تخاف من شيء يأتي دفعة ً واحدة ً فيأخذها كسيل ٍ
أطلَّ حصانُه شاغرَ السرج , فصاحتْ : - يا ولِيْدي
كان صوتُ الطلقات يزدهر في الفضاء و بين الأشجار ويتصادى بين ضفتي النهر مادحاً نزق الموت ...
قبل أن يذهب ملأ ركابَه بحبات التمر الناشفة ، وجعبته ببعض ماء النهر ، ثم رمى بكوفيته خلفه وأطلق العنان للحصان ...
رأى الذبح يقذف بنفسه على الرجال ويداعب نحورهم بيده الباردة ، أبصره يأخذ غنيمته مغمض العينين وجاف الشفتين ...
صلباً ككعب البندقية أشعل خاصرة حصانه وحين لم يطاوعه بكى بصمت ، بصمت ٍ طال حتى مسح آثار البكاء ...
: سأقتله . همس في إذن الحصان وبدا أن فهم الحصان مقنعٌ لسيلانه العنيف , فانطلق به كسراب في ظهيرة .
مرة ً سأل أباه : لماذا نحن رعاة لهذه النجمة فأتاه الجواب صادماً كجمجمة : لأننا من هناك بدأنا !
لم يكن لموعده اليومي مع الموت رهبة تعلو , ولا بهجة تستفزّ حناياه . كان موعداً لا ينتظره ولا ينأى عنه ...كان وعداً ...
في هذه الظهيرة ينتشر المدى كوباء وتصبح الهواجس ترياقاً من سُمٍّ
ما أقربه من غثيان ضحاياه ...

حورية الكنز
حين فرشت للضوء أجنحتها عبر كماءٍ دافق
الساعات الطويلة أمام النهر كانت تشي بحورية ستقفز من الماء فتشبكان يداً بيد ٍ ذهاباً نحو قيامة الكنز
في خاطرها كنزٌ دائماً . تستيقظ صباحاً وامتداد الكنز يصبغ حلمها..
تشعل النار في التنور منتظرة العفريت الذي " سينط ّ " بالكنز في وجهها وحين ترفع صوتها بأغنية ٍ فهي دائماً متأكدة أن ملاكاً سيخطئ الطريق ويتعثر في فنائها ..
لحظة المرض كانت لحظة الكنز الساطعة...
ألمٌ يشتدّ .. عرق متتابع.. هذيان صغير .. بكاء السحرة.. عروج الروح إلى جبل ...فتق في الذاكرة ..
ليس كنزاً تماماً .. فلنقل أنه تراكم كنوز صغيرة .. أو هو تباعدها لكن في ذات مجرى الناي
تسأل نفسها أحياناً ..لماذا تبيت ُ حورية النهر في عمقه

المشي والأحذية
تسكنه الأفكار عندما يمشي ويخلع نعليه موفراً للرمل هِبَة الطوائف المغلقة ، وبأصابعه الضيقة يقلب حبات الماء العارية كجسد .
في الأقصى تفتح نهديها للمشي فتخسر طرقات الأحذية .
ويرتضي قلبها خسارة القرينة والدليل والتهمة ، والثمرة التي كنهد والنهد الذي كأصبع والورك الذي يجلد فخذاً ، والمجلود الذي ينفلت كطير .
وهو هو ...يمر بأظافره على الرملة وعلى الحذاء و يعلق في فخ البَشَرَة
ثم تسكنه الأفكار إذا رمى إبرته في مجرى الفرس فجاءت عارية متوازية وفاتحة جديدة
وهو هو لا يذكر من سيرته القديمة غير المشي حتى فجرها وفراتها
عنب عنب عنب
صارخة تأتي كلمسة النار الفجّة
الأكثر ما يقلقه هو المأخوذ بشفرة طير يجرح الهواء ككلب .
وقبل الروح كان المكان
لم يعرف بدقة كم مضى منذ أن زار هذه الخمارة آخر مرة ، كان وقتها مسكوناً برغبته في الحياة ،الان تسكنه الهزيمة .. تماماً .
لم يعد يجرؤ حتى أن يضع كاس العرق على الشرفة كما فعل ذات مساء . فالله لا تعجبه رائحة العرق بعد التعب .
يلبس موته ظلاً هادئاً ،وتلبس صبواته خوفاً هادئاً ،وشمسه تصعد درجات الوقت بحبر مسالم . ماذا بقي من شرارةٍ ليقول أنا .
المصادفة ليست سراً . المصادفة مجرد تفسير لطيرانٍ متهور .
صدر وحلمة وظهر وزغب وفسوق فماذا بقي بعد لينخفض أو يرتفع .
كيف يحتضر الشكل اذا لم يصارع مضمونه ؟
الزمن رطب كملح نديٍّ ،أو كبحر !

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

سرد متقطع

15-شباط-2013

الدخول إلى حلب

20-كانون الثاني-2013

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow