عمرو .. كل شبر بندر
خاص ألف
2013-03-24
عمرو .. كل شبر بندر
فجأة تنظر فترى أولئك الأطفال الذين كانوا على صدرك و في حجرك لا حول لهم و لا قوة شباباً يتجاوزون كل عتباتك بمختلف أشكالها و أحجامها و ألوانها و يشكلون فضاءً آخر... فضاءً مختلفاً... له كينونته الخاصة...
يختلط الأمر عليك...هم فروا من قيدك...او قيودك.... تعتقد أنهم لم يعودوا في حاجتك و لم تعد لك تلك السلطة الجميلة عليه هو الشعور الجميل و الأناني في الوقت ذاته
جميل لأنك تعرف أنك رميت أولادك للحياة و جعلتهم بشراً يواجهون ما يواجهون بكفاءة و قدرة عالية على تحمل المصائب. و أناني لأنك لا تريد أن تخسر تلك الثروة البشرية التي تمد حياتك بالعاطفة و النور و لا تضيء إلا بكبسة زر سحرية تمارسها أنت بمنتهى الحب و... السيطرة
كنت أكره أن يكون عندي أطفال... أكره المسؤولية و لا أحب الالتزام القسري بأي شيء و لكن عمرو ـ ابني البكر والذي جاء رغماً عني والذي أنذرني الأطباء بأنني سأصبح عاقراً إن لم أحتفظ به بسبب كل العمليات التي قمت بها كيلا أنجب و أتحمل المسؤولية ـ هذا الجنين في داخلي غيّر مجرى حياتي و خلق مني إنسانة لم أعرفها و لم أكنها في يوم...
صدمت في البداية و خاصة أنه حرمني من أن أمارس وظيفة مضيفة طيران بمرتب عالٍ... كنت قد أجريت امتحان قبول و حزت على علامات عالية رغم أني كنت متزوجة ..
وبين يوم وليلة بدأت أحب هذا الذي في داخلي... لم يتحرك و لم يرفس و لم ينبض و لكنه صار شغلي الشاغل...
صار له برنامج يومي منذ كان جنينا في داخلي...
يدخل الأصدقاء بيتنا فيرون ورشات عمل... من موسيقا أطفال... موسيقا كلاسيكية... كتب أطفال ملونة و مختلفة... مبسطة بصفحات عادية و مجسمة نافرة... ألعاب محشوة... و ألعاب أصنعها بنفسي... و مسرحيات و تمثيليات أخرجها أنا مع أولاد الجيران لأكثر قصص الأطفال شيوعاً و أسجلها على أشرطة.... مع مؤثرات صوتية... كنت أحضر طشت الماء مثلاً ليكون المستنقع للأمير الضفدع... و ابريق الشاي المعدني أو قدر ألمنيوم للطرق عليه للإعلان عن صاحبة حذاء سندريلا.... و كنت آخذ أدواراً عدة أحياناً في نفس القصة...فأنا الحطاب و الجدة و الذئب في ـ ليلى و الذئب ـ لعدم توفر العناصر البشرية .
كنت قرأت أن الطفل ـ الجنين يتأثر بكل ما حوله... و أنه يفهم و يسمع و يتفاعل مع أمه... و هكذا كنّا أنا و عمرو... أصدقاء بلا حدود...
حينما كان جنينا في شهره الخامس طُرق الباب... فتحت بسرعة .. دخل صديقنا الجميل المقرب لنا المخرج فواز الساجر
و رآني أفتح كتاب قصص انكليزي و أقرأ منه لعمرو و كأنه موجوداً... اعتذرت من فواز ـ رحمه الله ـ قلت له بأنني سأكون معه بعد دقائق... فابتسم ابتسامة العارف... و راح يراقبني بعين انسان ثم بعين مخرج... وحينما انتهيت و أغلقت الكتاب... قال ( الله يعين اللي في بطنك... راح يموت بين الكتب ).
ولد عمرو... و رغم أنني كنت أتوقع بنتاً لأنني أكره الذكور وقعت في غرامه بعد دموع لدقائق قليلة...
وبدأت الحياة...
لم يكن عمرو في يوم طفلاً....رغم أن أغلب أصدقائي كانوا يطلقون عليه صفات و ألقاب جميلة... مثل الطفل المبتسم،الطفل السعيد، الطفل الرجل، الطفل الذي قفز من البوردا... كوني كنت أصمم له معظم ثيابه و أخيطها بالإبرة فقط كوني لا أعرف استخدام الماكينة .
كنت أخشى ألا يحب الموسيقا أو الكتب...و لكنه عشقها... و لم أذكر أنه نام يوماً واحداَ دون قراءة... ليس قصة قبل النوم بل قصص قبل النوم التي كانت شبه تمثيلية أو مسرحية كاملة تؤدى على السرير... كنت أتعب من كثرة القفز و الصراخ و الهمس و القبل... و غالباً ما كنت أنام... أو أغمض عيني لنصف ساعة فيقطع الأمل فينام.
كانت أيامنا مليئة أيام الأسبوع مقسمة مشوار بالحدائق و الطرقات....تتناقله أيدي معظم المارة و الأصدقاء و شرطة المرور الذي يصر أن يقف في مكانهم المخصص و يصفر في صافراتهم... سينما أفلام أطفال... معارض كتب... مسرحيات إذا وجدت للصغار و أحياناً للكبار...دورات رسم...و في البيت نأكل ونحن نسمع الموسيقا... نغسل الصحون و نحن نرقص... نتفرج على فيلم فيديو ونحن نقص و نرسم و نلوّن، ننزل الأدراج و نحن نتكلم ونغني و نستذكر، نركب الحافلات و التاكسي و نحن نقرأ... كان سائقوا الحافلات حينما أصعد مع ابني يقولون جاءت ـ أم كتاب ـ
نمر قرب بردى يسألني ببراءة واستفهام: ماما...بردى لأنه يبرد ؟؟؟ شو رأيك تخيطي له ثوباً... وحين تركض الأشجار سريعة و تمرمن وراء الزجاج كان يصرخ و لا يهمه وجود الناس في الحافلة: لماذا تركض الأشجار ماما وين هي رايحة ويغشى الركاب من الضحك على تعليقاته.... أو فجأة يسألني و نكون في مكان ما : ماما بيت الأسد اسمه عروة و الا عرين ؟؟؟
ظلّ هكذا مرتبطاً بي تماماً كما كان داخلي... كبر...صار شاباً و لكنه لم يغيرْ من طبعه شيئاً... كنت أخشى أن يتلاشى أو يتضاءل ذاك القرب الأناني... ولكنه تحول إلى حب أكبر و قرباً أكبر من جهتينا ..
منذ فترة قريبة...كنت في الصف أعطي درساً... رن الموبايل .. و كنت قد نسيت أن أضعه صامتاً... لم أجبه ..فأنا أكره قطع الدرس... أرسل لي رسالة : ماما لم أتعوّد ألاّ تردي علي .. كلميني ضروري....ضروري
كلمته: عمرو شغلت بالي.... ما الضروري قلْ بسرعة.
قال: ماما شو كان اسم القصة التي....................... الخ ؟؟؟
وقتها غشيت من الضحك... قلت : هل من المعقول أنك ما زلت تذكرها... كنت في الثالثة...!!؟؟
قال ماما: أنا لم أنس حتى القصص التي كنت تحكيها لي و أنا داخلك...
قفلت الموبايل و بكيت...
يقولون الأولاد يكبرون كل شبر بنذر.... لا لم يصدق القول : أولادنا كبروا في أحضاننا كل ذريرة بنذر. ذريرة تصغير ذرة .
08-أيار-2021
24-نيسان-2021 | |
13-آذار-2021 | |
19-كانون الأول-2020 | |
07-تشرين الثاني-2020 | |
12-أيلول-2020 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |