دولة اسلامية, أم دعوة لاقامة مجتمع منافق؟
خاص ألف
2013-04-30
قيام الدولة الاسلامية, هدف مشوش وغائم التعبير يستخدمه الاسلام السياسي الطامح بالأساس للسلطة والنفوذ وهو مستعد أن يخوض من أجلهما في بحر من الدماء. خصوصاً إذا دخل على خط الفرقة الناجية التي تحارب أهل البدع. فيتحول كل مناويء للاسلام السياسي إلى عدو للمسلمين, يُعلن عليه الجهاد والحرب. وكما هو معروف فإن الحرب ليستْ سوى مغنماً أو مغرماً. ولكي نلقي على الاسلام السياسي نظرة من داخل أحد أجنحته التي تسعى بشكل أو بآخر إلى تحقيق الدولة الاسلامية وفقاً لمقاييس الشكل الخارجي, الذي يتحول المجتمع فيه إلى مجتمع من المنافقين يعيشون في كنف دولة كل ما يهم فيها هو المظهر الخارجي, رجال ملتحون ونساء منقبات. نتوقف عند أحد جانبي صراع الفرقة الناجية. ونلقي الضوء على جناح الأمة الثاني.
لو ترك القطا لنام, كان هذا المثل يرد كثيرا على ألسنة مراجع الشيعة وعلماؤهم في النجف وقم منذ أن ذكره الشيخ الأنصاري صاحب كتاب (المكاسب) وهو من أهم كتب الفقه ومصدرا لايستغني عنه الطالب في الحوزة العلمية. يراد بترداد هذا المثل معنى يفهمه الشيعة ابان زمن التقية ويعني أن ليس هناك من إمكانية لإقامة العدل إلا على يد الإمام المهدي المنتظر. وكانوا يرددون أيضا (خير الأعمال إنتظار الفرج) الذي يأتي على يد الإمام المعصوم. والعصمة هنا ليست هي الملكة المانعة من الوقوع في الخطأ فحسب, بل يعرّفونها بالشكل التالي: العصمة هي لطف إلهي خصّ الله بها من اصطفاه من عباده. ومن هنا يدعّم التشكيك بكل محاولة لإقامة العدل قبل المهدي على أساس إن شرط المعصومية غير متوفر . لكن ولاية الفقيه, الأطروحة التي كتب لها النجاح في السيطرة على مقاليد الأمور في إيران قلبت الموازين السابقة وحوّلت أصحاب الحل والعقد (على المستوى الفقهي التشريعي) إلى جنود متطوعين لخدمتها. فكان التحول البراغماتي للكثير من مراجع الشيعة في النجف وقم وطلابهم نحو نهج ولاية الفقيه والإيمان بالإسلام السياسي بنسخته الشيعية المعدّلة التي فرّخت العديد من التنظيمات والحركات و الأحزاب, وإن كان هناك من الرموز الكبيرة التي بقيت على عهد الشيخ الانصاري كالامام أبو القاسم الخوئي الراحل وخلفه السيد السيستاني. الإسلام السياسي الشيعي في العراق الذي انتقل للسلطة بعد إسقاط نظام صدام على يد الولايات المتحدة تأثر بكل من ولاية الفقيه وكتابات المرجع محمد باقر الصدر في دعوته الشهيرة للعمل على إسقاط نظام صدام وإقامة حكم بديل. فقد أصدر فتوى كانت أحد أسباب إعدامه من قبل النظام, جاء فيها (( على كل مسلم في العراق وعلى كل عراقي خارج العراق أن يعمل ما بوسعه ولو كلفه ذلك حياته, على إدامة الجهاد والنضال من أجل إزاحة هذا الكابوس عن صدر العراق الحبيب وإقامة حكم فذ شريف يقوم على أساس الإسلام)). وهكذا دخل الإسلام السياسي الشيعي في العراق معركة السلطة. وتفاصيل هذه المعركة معروفة لكل متابع للشأن العراقي. فقد تحّولت الحياة في العراق إلى مهرجان متواصل من الاحتفالات الدينية, المتضرر الأكبر فيها هو القطاع الخاص وصغار الكسبة والبائعين المتعيشين من أرباح سلعهم البسيطة يوما بيوم, وذلك بإحياء مناسبات وخلق أخرى ومدّ أيامها لتتواصل أيام بلياليها في موكب عاشورائي يهدف إلى ترسيخ السلطة بيد حفنة من الأحزاب والشخصيات, في توزيع لكعكة الغنائم على حساب العراق شعبا ومستقبلا, وتطبيقا لما قاله الأمام الخميني في كلمة مشهورة تجدها بالخط العريض على أسيجة الأبنية الحكومية وجدران الجوامع والحسينيات في إيران وهي: ( كل مالدينا جاء من عاشوراء) أي كل الخير التي أتت به السلطة هو بفضل عاشوراء وطقوسها. فقد ركزت أحزاب الإسلام السياسي الحاكمة في العراق على إحياء المناسبات الدينية ووظفت واردات الدولة من أجل هذا الهدف وفتحت الباب على مصراعيه للغلو وإثارة التطرف باستعداء أطراف أخرى لاتقل عنها في الرغبة بإذكاء نار الفتنة الطائفية. فتّم إعادة إحياء ألقاب وتسميات قد دفنت منذ قرون, كالناصبية والرافضة والمرتدين وإلى آخر ما تفتق عن ذهنية الطائفية وزعماؤها. وبذلك فُتح الباب على مصراعيه لطلب كل طرف من أخوته في العقيدة -على إمتداد عالم التعصب الذي بات يمتلك قنوات عديدة لدعمه أقلها شأنا القنوات الفضائية- مدّ يد العون بالعدة والعدد, وشبكات تجنيد المتطوعين لكلا الطرفين وخلايا نائمة وأخرى مستيقظة. فهل يمكن للإسلام السياسي بعد ذلك وبكل تياراته وتنظيماته الحزبية وبشقيه الشيعي والسني, أن يكون إلا طائفيا ؟ وهل يمكن لمن أصبح زعيما سياسيا بفضل طائفته أو طائفيته أن يكون صاحب مشروع وطني ديمقراطي ؟
ها نحن أمة تعيش على أمجاد الماضي بامتياز, دون الإلتفات إلى أي محاولة لإعادة قراءة التراث العربي الإسلامي بل ولدينا اختلافات كبيرة في تعريف التراث. وكل منْ حاول بجهده الشخصي مقاربة هذا الموضوع اصطدم بجدران صلبة وأسوار عالية, تبدأ عند تعريف العصمة ولا تقف عند خلافة الإنسان على الأرض. قد يعترض البعض من الإسلاميين على الطائفية وينأون بأنفسهم عن وحولها ولكن هل لدى هؤلاء عملا ناجزا يبحث في أصل المشكلة وكيفية الخروج على نصوص ترسخت في الأذهان لفرط تكرارها؟ دون التورط في البحث عن أسبابها وملابساتها والظروف التي أوجدتها. بل واصبحت هي سبب الصيد الوفير و( كل ما أمطرت به سماء الطائفية من خيرات وألقاب ونفوذ وسلطة على زعماء الطوائف وأمراء الحروب) فكيف يتخلى الطائفي عن طائفيته وهي من أوصلت خطاباته وسيرة حياته إلى الفضائيات بل واصبح ينافس نجوم المسلسلات الرمضانية في الظهور واللقاء مع جمهور المعجبين. قد يحيلك آخرون لأسماء لامعة في الفكر السياسي الإسلامي من سيد قطب وحسن البنا إلى محمد باقر الصدر, ولكن سؤالي هنا هو هل كان لدى هؤلاء مشروعا يتجاوز الطائفية ؟ قد تجد شذرات من التسامح والدعوة للوحدة هنا وهناك في كتاباتهم تشبه إلى حد كبير ما نسمعه في مؤتمرات التقريب بين المذاهب والحوار الإسلامي- الإسلامي وإذا استعرنا مصطلحات من قاموس نصر حامد أبو زيد نقول إنها دعوات توفيقية تلفيقية تلوينية لأزمة فكر لا يستطيع ان يخرج رأسه من الزاوية التي حشر نفسه فيها. ويصر على مكابرته ويتاجر بأوهام وحدة الأمة الإسلامية التي تنخرها الطائفية والتزمت, وتمزقها الفتاوى المتناقضة التي تصل حد التكفير وإباحة سفك الدماء بين مشيخة وآخرى قد تكون من نفس الطائفة. إن منْ يرفع شعار "الإسلام هو الحل" يواجه بالسؤال التالي عن أي إسلام يتحدث؟ إسلام الرافضة أم إسلام الناصبية؟ إسلام الزرقاوي أم إسلام جيش المهدي؟ والمذابح التي جرت بالعراق وساهم فيها طرفي الإسلام السياسي واذكتها أطراف أقليمية ودولية, كل حسب مصالحه وطموحاته وأهدافه هل تقنع أي عاقل بأن الإسلام هو الحل؟ الإسلام دين والإيمان بالدين قضية شخصية بمنتهى الخصوصية ما أن يتحول من كونه قضية شخصية إلى مؤسسة عبر الإسلام السياسي ورموزه, حتى يدخل مجبرا في حلبة الصراع. هذا الصراع الذي يباح فيه إستعمال كل الأسلحة لإلغاء الآخر المختلف هو صراع قذر, وليس هناك من سلاح برداء أبيض وليس هناك من يد طاهرة تحمل سلاحا لاتلوثها قذارة هذا الصراع. إذن للخروج من أوحال الصراع الطائفي القذر الذي يدعو إلى قيام مجتمع المنافقين هذا, علينا أن نفطم أنفسنا من حليب الطائفية الفاسد الذي يدره علينا الإسلام السياسي.
رحم الله أبا العلاء المعري الذي قال:
إذا رامَ امراً في الصلاةِ مُقيمها.......فتاركها عمداً إلى الله أقربُ
وفي موقع آخر يقول لله دره:
إن المذاهبَ ألقتْ بيننا إحناً"1".........وعلمتنا أنواع العداواتِ
"1" الإحن: تعني البغضاء.
08-أيار-2021
21-تشرين الثاني-2013 | |
16-تشرين الثاني-2013 | |
05-تشرين الثاني-2013 | |
26-تشرين الأول-2013 | |
15-تشرين الأول-2013 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |