Alef Logo
شعر معاصر
              

عن المتصوف سُكراً قراءة في "المخامر الأخير"

حربي محسن عبدالله

خاص ألف

2013-05-07

هل علينا أن ندور كما تدور الكواكب في دائرة المطلق؟, أم نتشهى الخلود بانكساراتنا وأحلامنا لنكتشف إن علينا أن نعيش أكثر؟, وأن الحياة سرُّ يفشيه الوجد, وكأس العشق, وثمة شاهدان لامناص من تصديقهما, ( وكيف تنكرُ حباً بعد ماشهدت...به عليك عدول الدمعِ والسِقَمِ). يخرج المخامر الأخير من دائرة المطلق مبتسماً بكل المفردات التي زرعها في جنبات قصائده, أقرأ صوفيةً تلملم عباءتها كشبكة أضاعت صيدها وأي صيد "لملم شباكك أيها الصياد التعس فالعنقاء لاتصطاد بشبك". ُثمّ أقرأ ثانية في مفردات التصوف بين صلاة الليل وفتوى العشق ومباحات الهيام بين مقام الرغبة ومقام الطلب, ثم يعيدنا النبيذ بمراوغاته من التحليق في سماء المطلق إلى أرض الرغبات والعذاب, فيأخذنا وائل سعد الدين في كتابه "المخامر الأخير" إلى صلاة في محراب الحب, تارة يطير بنا إلى وحدة الوجود بأسئلة تحملها "الرسائل عندما تسبق المسافة". وأخرى يحط بنا على أرض ليست سوى تعاريف على مسرح العرائس. بينما "يصلي لله على أن يخلق صبحاً أفضل من سابقه" يعود إلى تعاريفه؛ آخر العمر: مقطورة لا تفوح دواليبها بالروائح- لكنها تتثاقل من ثقل الممكنات- وطول الطريق. ثم ينطلق من الوجود إلى الغناء إلى السماء إلى الكلام حتى آخر تعاريفه؛ الفرح: حكاية قوس قزح – أن تبيع العرائسَ كي تشتري لقمةً ونبيذاً لتصعد قوس قزح. للرسائل الأخيرة فسحة من "كتاب المسافات البطيئة" تمتد من ركعتي الحلاج إلى مذهب محي الدين بن عربي في الحب. من الرسالة الأخيرة للحسين بن منصور الحلاج نقرأ "كلانا يفقه ما لايفقهون – وأنت الوحيدُ الذي تدير ذاكرتهم-تعال إليّ وأطلق مساماتٍ من روحك في مساحاتنا-نغني بلا شوائبَ- يا حبيبي". ومن الرسالة الأخيرة للشيخ الأكبر نقرأ "هو يطمع أن يصل إلى الذات المطلقة..أذاب أناه وأفناها في المطلق"..أعتقد بأن هنالك فرقٌ.. يظهر بين تجلّ وتجلّ ". عند الأول نتحسس وحدة الشهود وعند الثاني نتلمس وحدة الوجود وبين الوحدتين نرى المطلق وقد نزل من عليائه إلى منْ تحمّل ما أبت أن تحمله السموات والأرض وأشفقن منها, وإن كان ظلوماً جهولا, ليقاسمه الخبز والخمر والعذاب العَذِب وأمنية أخذت طابع الحسد, (بعض المتصوفة يحملون حسداً للشيطان لأن الله كلّمه وإن كان باللعنات وأنظره إلى يوم يبعثون). نسافر بعدها إلى اليقين الذي يسبق المسافة, لانجد المعري هنا بالطبع, فعنده " أما اليقين فلا يقين وإنما...أقصى اجتهادي أن أظنا وأحدسا" بل هو "يقين لمن يحملون القرنفل" رغم دهاليز الوحشة والعزلة وشهوة الدم في عيون الذئاب البشرية. نقرأ "يقين أول: منذ ذلك الاستجواب وأنا أفكر جيدا في بلاد الموت إنها الفقد الكثيف في بهو الوحشة ". ندور مع قصائد المخامر الأخير في دائرة المطلق بين حرف, ويقين, ومقام, وصلاة, وإشراق, ووقوف غاص بكاف الكون وواو الواحد, ودهشة نجدها في أغنيةٍ, "غنّيني.. أمنحك الدهشة في معجم هذا الكون..وأعلّمك مفاتيح الإشراق.. ياآخر تحليقٍ في ساحِ مساحات الإطلاق". ثمة بعدٌ آخر, دائماً, خارج دائرة المطلق, بُعدٌ يعيد أقدامنا إلى أمِنا الأرض " إهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقرٌ ومتاع إلى حين" . حيث نستقر نحب الأرض والناس أبناء الأرض "فهل يلام المرء على حبه لأمه؟!" نرنو إلى النجوم لكن أقدامنا راسخة على الأرض. تقول الشاعرة الإيرانية الراحلة فرّوخ فرح زاده في قصيدة من ديوانها "عمّدني بنبيذ الأمواج, "كلما قبّلت شفةٌ شفتي انعقدت نطفةٌ في النجوم ", أما المخامر الأخير فيقول " النبيذ يراوغني كلما لاحقتني شياطين سُرّتها طيفها واحدٌ..منذ ألفيّةٍ يستمد الليونة من صُلبه بالتناقض..مسترسلٌ أنفٌ ليس يُمسك ليس يلينٌ وليس يرقُ ". بعد أن نلامس البعد الجديد يتنقل بنا الشاعر في ساحاتٍ ومساحاتٍ بين الحب الذي يؤكد بأنه هو أيضاً حمّال أوجه فيحضر النبيذ المراوغ ليتلو علينا مقاطع أخرى " النبيذ يراوغني عندما أستعيد مقاطع أغنيةٍ.. ويعلّمني أن أمدّ ذراعيّ..خارج دائرة الانتظار المملّ.. له نكهة الوقت.. عقدٌ من الحجرِ المبتلى بالوراثة.. تلويحُ إمرأة في السحابِ..له أقبلتْ نصبتْ ساتراً واختفت ". أود أن أشيرهنا إلى إن الشاعر لم يتورط في لعبة المرايا وإنكساراتها التي أثقلت كاهل الشعر لفترة طويلة, ولم يجرّب القفز العريض على مفردات "المنجد" الذي لا يُنجد, ولم يكلف نفسه عناء الغموض المصطنع الذي أصبح مطية الشعراء المعاصرين بديلا عن "الرجز" الذي كان مطية أسلافهم. بل أخذنا إلى شعر يرسم صورة, لا لعبا بالكلمات المفبركة المتكلفة التي تدخلك في متاهة لا تعرف لها أولا ولا آخر. لا أزعم إني هنا لأقدم دراسة نقدية لكتاب "المخامر الأخير" بل قراءة انطباعية لما هزني من صور شعرية. بثها الشاعر في ثنايا قصائده. والشعر عندي هو شعر الصورة المبتكرة لا أحاجي وألغاز المفردات التي تتلعثم بفخامتها الفارغة. ختاما لهذه اللمحة نسمع بعض الغمغمات, فبين الحب والتحليق في المطلق نسمعُ "غمغمات منفردة لقيس بن الملوّح " نقرأ فيها:
لهذا الكائن الوهمي ألوان
من التخريب
تدخل بيتها المائي
مفردة بلا جمعِ
ومُفرغةٌ من الوجه الصبيّ
ليقرأ التحريف في السحب المتاحةِ
مرةً سيديرُ عمداً للخطيئة ظهرهُ
وثلاث مراتٍ بلا عمدِ
له ألف اكتراثٍ
بينما لم يكترث لحضورهِ الشبقيّ
أربك عنوةً أشياءهُ
فتنحنحت
وتهادنت
وارتاح بين أصابع اليمنى بياضٌ مائعٌ
يختارُ وقتاً ثمّ يمتهن الفراغ
يُتم تعليم التلاميذ الكبار
خطوط جبهته
فيهترىءالصغار
على يديه
بحكمة المجنونِ تنزلق الخواتمُ دفعتين
هناك تعترف الأصابع بالأظافر
والمهاجع بالضجيج
وغمغمات بالغموض
****

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

منْ يُخرج الناس من دين الله أفواجاً؟ بقلم:

21-تشرين الثاني-2013

الحقائق ثوابت أم متغيرات؟

16-تشرين الثاني-2013

عندما يتحول اللونُ إلى إله "كهوف هايدراهوداهوس"

05-تشرين الثاني-2013

أخطاء إملائية

26-تشرين الأول-2013

هل أصبح الكذب ملح الحياة؟

15-تشرين الأول-2013

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow