عندما تبكي الطاهرة / المرأة التي ارتقتْ المنبر
خاص ألف
2013-05-15
من هي قرّة العين؟ وأي دور لها في كشف المسكوت عنه؟ وهل شهد القرن التاسع عشر دورا قياديا لجيل من الشباب يقوم بإنتفاضة تقودها امرأة؟ هذه المرأة كانت تجلّي مباشر لروح التجديد والجرأة في العبور إلى الضفة الأخرى.فهل كانت قرة العين تحمل روح التمرد والسعي الدؤوب نحو فضاءات أرحب وإن بدت بسياقات تدور حول الموروث الديني الموغل بالأسطورة وعقائد التضحية بالذات؟.
هذا مايحاول الاجابة عليه الكتاب الصادر عن دار المدى للثقافة والنشر والذي يحمل العنوان التالي: بكاء الطاهرة – رسائل قرة العين , لمجموعة من المؤلفين وقام بتقديم الكتاب يوسف أفنان ثابت. ولدت قرّة العين في قزوين في العقد الثاني من القرن التاسع عشر وقد سميّت (زرين تاج) وهو الاسم الفارسي لها الذي يعني (التاج الذهبي) لأنها كانت ذات شعر أصفر,كانت أسرتها من الأسر الدينية المعروفة في قزوين ذات جاه ومكانة تدعى ب (آل البرغاني).تميّزت قرة العين بجمالها الفتان وذكائها المفرط وقد بدأ نبوغها بالظهور منذ صباها الباكر قيل انها كانت تحضر دروس أبيها وعمها التي كانا يلقيانها على الطلبة, فكان يوضع لها ستار لتستمع إلى الدروس من وراءه, وسرعان ما أخذت تشارك في المجادلات الكلامية والفقهية التي تثار بين رجال أسرتها, وكثيرا ماكان أبوها يظهر أسفه قائلا: (لو كانت ولدا لكانت أضاءت بيتي وخلفتني). هذه المرأة التي شغلت المجتمع العراقي في السنوات الأخيرة من ولاية نجيب باشا عندما أسفرت عن وجهها وارتقت المنبر, وخطبت وجادلت, فكان ذلك أول حدث من نوعه في تاريخ العراق, وربما في تاريخ الشرق كله, طيلة قرون عديدة وأمتد تأثيرها في العراق وإيران. وقد أعلنت مرارا وبوضوح أنها ليس لها هدف سوى وجه الحقيقة التي تستحق أن نكون شهداء من أجلها, بل ان نكون عشاقا مخلصين لها مهما كلف الأمر وذلك ماحرّض ضدها رجالات الدين في كربلاء في حملة لاهوادة فيها وهي مواجهة مألوفة في شكلها الخارجي, لها الكثير من النظائر في التاريخ الإسلامي, سوى أن الطرف المستهدف في هذه المواجهة أنثى تسلحت بالعلم الديني التقليدي, وهضمته, لتقٌدم مقولتها المستجدة فراحت تتحدث بضرورة التمرد عليه. كانت قرة العين من الأركان الأساسية في حركة الباب الشيرازي, فمنذ تعرفها على فكر الشيخ الإحسائي مصادفة في قزوين في بيت أقربائها, اتضح امامها الطريق الذي ستسلكه لخوض حياة قدر لها أن تكون الأعقد والأكثر جرأة وخطورة بالنسبة لامرأة عاشت حياة اجتماعية ودينية صارمة في القرن التاسع عشر, امرأة خرجت من الحاضنة الشيعية الايرانية للخلاص المهدوي. إن ارتباط الدعوة الدينية بالأنوثة على هذا النحو لم يكن نموذجا متاحا في المتخيل الإسلامي العام, سوى على شكل جنون متمرد تنفرد به بعض الشخصيات المدعية معرفة الإتصال مع السماء,وهو مافهم من حركة قرة العين في كربلاء اول الأمر, ولم يكن من اتخاذها من بيت كاظم الرشتي مكانا للدرس إلا تحدّيا لمخالفي الشيخ الرشتي, واستكمالا لمواجهات فكرية تعود للصدامات الأولى مع فكر الشيخ الإحسائي, لذا تعرضوا لمواقفها بوصفها نموذجا للجنون المنفرد, واستلهاما لفكرة الشيطان الأنثى, فكرة جسدتها امرأة تدعي معرفة أسرار الظهور المهدوي, لذا أعلن عن نشاطها بوصفه هدفا شيطانيا لايمت بصلة للاهوت الشيعي, إلا أن هذا الهدف تضمن من ناحية ثانية وعي الحرمان الانثوي في التاريخ الإسلامي وقدّم هذا الحرمان على أنه قيمة من خارج مسار الحياة البطولية في الإسلام, بل قدّم في جزء منه على إنه مسار خيالي لن يصمد أمام الإجماع الرصين للارثوذوكسية الشيعية. إن رفض قرة العين بدا تجاوزا منفردا. حرثٌ في أرض بكر لا تقدّر عواقبه, وإن كان في الأصل أطروحة سمو تضامني مع المعذبين مدعّم بدعوة الباب ذات الطابع الذكوري كما هو الحال في كل حركة دينية, وهو ماحصل في كربلاء اول الأمر, فقد تبعها عدد من الرجال فراحت تبحث عن انصار من النساء وإن كان برفقتها كل من والدة الملا حسين كاتب وحي الباب, وأخته خورشيد بكم (شمس الضحى) إلا أنها استطاعت ان تضم إلى دعوتها مجموعة من النساء الشهيرات هناك, وممن تبعنها في الأصل من إيران فقدمت تلك المجموعة شخصية قرة العين بوصفها مصدرا مغايرا لمعنى الخلاص, كما أن المجتمع هناك بذكوريته الطاغية إستقى موقفا جديدا تسبب به النفور العام من التواريخ المقدسة السابقة, تلك السير التي قادها رجال طالما احتقروا المرأة وقدموها بوصفها مكملا محتملا لمشهد البطولة العام. إن الكشوفات التي قدمتها قرة العين في تلك المرحلة صدرت عن تفكير شاعرة متنبئة اعتمدت سياقا نبويا معلومة تفاصيله للكثير من مؤرخي الحركات الدينية هناك, فحتى الذين سلّموا بان لكل حركة او دين جديد أنثاه, او امرأته الأنموذج, فأن قرة العين كشفت, بالنسبة لهم, عن بعد شيطاني سيعبث - لو تركت على حالها- بقضية مقدسة ينتظرها الناس منذ أكثر من 1300 عام. لكن هذه الملاحظة لا تتعارض بطبيعة الحال مع الصورة التي طرحت فيها قرة العين في المشهد البابي أو حتى البهائي, فقد كانت قرة العين بالنسبة للباب الصورة الأكمل للعالمة الربانية التي انطوت على قدرة فهم وتحليل مسارات حركته وصياغتها بالنتيجة لفكرة الانسلاخ عن الشريعة الإسلامية كما حدث في مؤتمر (بدشت) في ما بعد. إن جرأة الباب بإعلان الإنفصال عن الدين الإسلامي بعد إشهاره كتاب البيان أدى إلى ضرب سلطة المراجع الدينية كافة, وحشد جميع المراكز الإسلامية ضده, فضلا عن السلطة السياسية.بينما راحت الحركة البابية تنتظم يوما بعد آخر, وعمّت المدن الايرانية مواجهات دموية, من مثل تلك التي حدثت عام 1848 في مازندران وفي عام 1849 في قلعة الشيخ الطبرسي واتخذت طابع المواجهات المسلحة, وبلغت زنجان ويزد. ولما أعدم الباب سنة 1850 لاحقت السلطات أتباع الحركة البابية في كل مكان, وقتلتهم في مجازر قلّ نظيرها في التاريخ القديم والحديث, حتى إنه يمكن القول أن أغلبهم قد أبيد سنة 1852 وبضمنهم ابرز رموز الحركة ومنهم قرة العين. ليس من الممكن هنا أن ننفي أن طرائق الحياة العلمية في إيران لم يكن مشاعا فيها أن تدرس المرأة العلوم الدينية, لكننا يمكن ان نستخلص أن دراسة (قرة العين) أحتوت صورا غريبة, أثمرت عن معرفة فريدة من بنى عقلية تمنعت على المعرفة العلمية, اتخذ فيها النزوع العاطفي المشحون بالروايات مسارا سيخط الأطر العامة لأسطورة الأنثى التي أغرمت بفكرة ظهور المقدس وأضفت عليه لمسة بشرية كامنة في صلب التقاليد الدينية الصلبة. إن بعض الحالات الدينية التاريخية القليلة لتشير حقيقة وبكل وضوح لاستبدال بعض الذوات الانسانية وضعا اجتماعيا مرموقا كالذي كانت فيه قرة العين, والرخاء المادي الذي تعيشه أسرتها وفضاء طفولتها في احد القصور الفخمة في قزوين. أن تستبدله فتاة في عشرينيات عمرها بمغامرة دينية محفوفة بالمخاطر, وأي نفس حسنة السريرة لا تعد هذا الاستبدال إذا ما قبلت بحقيقة ظهور مخلص العالم من العذاب يمكن أن تستوعب كل طربق المحن والأزمات اللاحق في لحظة تتجسد فيها المنة الإلهية بكلمات قليلة قالتها قرة العين وكررتها كهواجس ذات نبرة تنبؤية:( ياإلهي امنحني الفرصة لأهب حياتي هذه لتثبيت هذا الدين بين عبادك). لقد اخترقت قرة العين العالمين الإسلامي والغربي, في لحظة بدا فيها العالم على تخوم الخروج من ظلام دام قرونا عدة, عالمين متناقضين في نظرتهما للماضي, ربطت بينهما (قرة العين) وفرقتهما في الوقت نفسه, أعطت للشرق دفقة من المروق الجديد أشار في خلاصته إلى أن العدل لن يتحقق أبدا لو لم نبتكر ظهورنا الجديد, او نجسد غائبا منتظرا بصور متعددة. ونبّهت في الوقت ذاته ضمير العالم الآخر إلى الفرص التاريخية النادرة التي تتخلل العذاب الإنساني في الانتصار لفردية معاصرة تستوحى من المقّدس المعاصر. لقد أتمت قرة العين مصادرها الدينية منذ بدايات صباها الاستثنائي, الذي وفر لها فرصة هضم كل المدونات التي كانت متاحة في بيت رجل الدين الأشهر في المدينة, وهو والدها الملا صالح القزويني شقيق إمام جمعة قزوين والعدو الأكبر لطروحات الشيخ الاحسائي. لذا لم يكن متوفرا للباحثين اللجوء إلى قضية أن تكون قد صدمت بفكرة خارج سياق مصادر معرفتها, بخاصة أن المصادر القريبة من لحظة موتها والتي تلته,موثقة على نحو كشف عن تفرد في متابعة دراستها الدينية اليومية طوال سنوات التعلم المعروفة في ايران حينها, الأمر الذي أنهى امكانية الجدل في نقطة كهذه كانت ستسهم كثيرا في البحث عن تحليل أقرب إلى المتوقع من أزمتها الروحية, حيث أنهت قرة العين المراحل التقليدية في الدراسة الدينية بشهادات معارضيها الأوائل.
قبل أن يدخل الكتاب إلى عالم الرسائل التي سطرتها قرة العين في مناسبات متعددة يقول ( لقد حوكمت قرة العين على عجل من أجل دعوى خرجت من أطراف الغلو الشيعي, مشتقة مواقفها من ميل عولمي تسمح به فكرة العدالة المطلقة, فهل كان كافيا ذلك الأيمان الحماسي بافكار الباب للحكم عليها بالكفر؟ إن النظام الديني في الاسلام محكوم اجتماعيا بقوة أخلاقية واحدية, تربط بين التفكير المحدث, والحق التأديبي, ولم تكن فكرة إنشاء مذهب ديني أو حتى ديانة مستقلة قد اقيمت في وعي مجموعة من الشباب الإيرانيين لم تتجاوز أعمارهم الخامسة والعشرين, عندما وجدوا أنفسهم في مواجهة سلطة دينية وثقافية وعسكرية, اعطتهم وهما بقدسية مسعاهم, إذ غدت أرواحهم ثمنا زهيدا من أجل فكرة ظلت معلقة في السماء ,قرونا, وأن لها أن تختبر قوتها أرضيا, فبدا أنهم فرسان كلفتهم السماء بتقديم أجسادهم قربانا).
08-أيار-2021
21-تشرين الثاني-2013 | |
16-تشرين الثاني-2013 | |
05-تشرين الثاني-2013 | |
26-تشرين الأول-2013 | |
15-تشرين الأول-2013 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |