الرجل المفضل / قصة: ستيفاني غرانت ترجمة
خاص ألف
2013-05-24
تم إلغاء القران مرة قبل الآن، و اليوم يتأخر العروسان، أو العروسة و العريس، قل ما شئت، بهبوط السلالم، و كل من في البيت ينتابه القلق. إن كلمة عروس ليست مريحة، و لكنها منتشرة بين الناس هنا في غرب ماساشوستس، مدينة الزواج المثلي، إن هذه الكلمة تترك لديك الإحساس أنها ليست في مكانها الطبيعي و قد انتهى وقتها. ( تعلم فيي في المدرسة إن ماساشوستس كلمة هندية تعني مكانا حافلا بالهضاب؛ كان يهتم بمعاني الكلمات، من أين مصدرها، و حينما وصل للصف التاسع، أجبرتهم معلمتهم الهيبية السيدة جونسون على البحث عن معاني الكلمات، حتى لو أنها معروفة). و من الواضح أن كلمة عروس كلمة ممتازة لأن لها مفعولا مزدوجا، فهي تصلح للمذكر و المؤنث، و ليس عليك أن تقرر أو تشير ماذا تعني بالعروس حقا. و هذا مناسب جدا لفيي لأنه هو الذي يصور العرس بالفيديو. فذلك عمله ، من ضمن أشغاله، و قد صور لحينه ما يعادل خمسة أعراس لسحاقيات منذ أن أصبح هذا الزواج قانونيا، و قد ازدهر عمله، و أصبح مشهورا في البلدة الصغيرة التي يعيش فيها و المسكونة بعدد كبير من السحاقيات.
أضف لذلك لم يكن فيي يحب استفزاز أحد، و على وجه الخصوص مشكلة صبي/ بنت، في الإنترنت يقولون عن ذلك إنه تعبير للجنوسة، على أية حال، لدى فيي حساسياته الخاصة تجاه هذا الموضوع، و سوف يعود له في وقت لاحق لينظر به. و لكن أيضا لا يسعك أن تدير أعمالك و أنت تهين الناس من على يسارك و يمينك. و لذلك كان ممتنا لتلك الكلمة، كان ممتنا لكلمة عروس. كان البيت متماشيا مع الظروف - له طابع فكتوري متوحش- و لكن يبدو أنه تقريبا صغير الحجم و الضيوف فيه واقفون و يتبادلون الابتسامات الجامدة و يرشفون الشراب و يتحادثون بطريقة عصبية مبالغ فيها، محاولين جهدهم أن لا يلاحظوا أن العروسة و العريس تأخرا خمسا و أربعين دقيقة. كان بيتا من النوع الذي تحب أمه بيعه، حيث أنه كله من الخشب و المكتبات جزء من الجدران، و الأثاث بحالة جيدة تهيب بك أن ترحمه و لا تجلس عليه. و بهذا الجو وقف فيي عند منعطف السلالم ليصور الزوجين السعيدين و هما يتقدمان بأول خطوة نحو الغرفة.
و تصوير الأعراس ليس العمل الوحيد لفيي، و لديه عدة نشاطات إضافية، و كان والده يقول عنه إنه شاب متعدد المواهب، و مع ذلك كانت لهجته باردة حين قال ذلك، شيء يشبه السخرية التي لا يحبها فيي. من أعماله الأخرى مجالسة الأطفال ( و هكذا تعرف على بيث و لينا)، والاهتمام بالحدائق و جرف الثلوج، و الاعتناء بالحيوانات الأليفة، و أهم من ذلك كله أي شيء يحتاج له أساتذة الجامعة و طلابهم.
تخصص فيي بأساتذة الجامعة لأن والده منهم و قدمه لعدد من هؤلاء، حسنا، لم يكن الأساتذة نافعين لأنفسهم، إما لأنهم كسالى أو غير قادرين، لقد كانوا بحاجة للخدمات باستمرار، و أصبحوا جزءا لا يتجزأ من خطة عمله، مجالا حقيقيا للاستثمار، هنا في الجامعة كانوا ذخيرة لبيونير فالي، و هو سوق استكشفه فيي، بكل تأكيد استكشفه. و جنى منه نقودا طائلة، الكثير من النقود، و هو ما احتاج له بالضبط. كان فيي بحاجة للنقود للعمل الجراحي. أو عملياتنا الجراحية، بصيغة الجمع، فقد احتاج لأكثر من عملية ضرورية.
و الآن يدور فيي حول نفسه ، حول سؤال قديم، راسخ، عن تعبير الجنوسة: تصادف أن فيي وبحكم الولادة حبة زيتون، حبة زيتون صغيرة، بكلمات أخرى، كان في الواقع لدى الولادة هي و ليس هو، و مع أنه لا يتذكر تلك اللحظات، فهي عميقة و قديمة، تعود لأول مرة استبدل بها الضمير في رأسه. و الآن يبلغ من العمر ستة عشر عاما و تم تحويل الجنس عنده من سنوات طويلة، و لكن فيي يعلم أنه هذا ما حصل، فهذه أمريكا، و في النهاية، كل شيء هنا ممكن. أو هذا رأي السواد الأعظم من الناس، كل شيء ممكن لو بذلت أفضل ما عندك و هو لم يقصر. لقد عمل فيي بجد يفوق ما عمله كل معارفه. و كان تصوير العرس من دواعي سروره، و في هذه الظروف الخاصة، كانت الغاية توفير النقود و ليس إرضاء النوازع، فقد أحب لينا بجنون و بعاطفة جياشة مدمرة. و كانت هي العروسة و ليس العريس.
اعتنى فيي بماكس الصغير ابن لينا و بيث، و الذي كان من عرق مختلط، و مع ذلك لم يكن أبواه الأبيضان كذلك. فقد تبنيا ماكسيميليان، و باعتبار أنه صبي رائع و لا يعرف الهزل، فهو يشعر بأهميته الذاتية قليلا. و ربما حصل على هذه السمات من أمه و أبيه، كلاهما جاد حقا، أو بتعبير آخر و أوضح كان كلاهما مستقيما، ربما هما شديدا الاستقامة، و لكن ليس بمعنى الصرامة، و كانا بجانب ابنهما الأسمر بطريقة واضحة تفطر القلوب.. ويجب فهم موقفهما منه بهذا الشكل.
النقطة المريحة في موضوع ماكس أنه يعلم أن فيي مذكر. و حينما بلغ العام السادس من عمره، بلا سؤال، و بلا كلام شعر بالمسألة، و رأى كل شيء. و ربما من الأسهل أن تكتشف ذلك و أنت في السادسة من أن تكتشفه و أنت في العشرين، من يعلم، ربما هذا شيء له علاقة بالطفولة. مقدرة يحوز عليها كل إنسان ثم يفقدها في نهاية الأمر: أنت تنظر لجنس المرء و لجنوسته، أيا كانت الكلمة، على أنه موضوع له علاقة بما يفوق المظاهر الجسمانية التي تولد بها. فيما بعد - في نقطة من هذا التحول، اكتشف فيي، إنها مشكلة خاصة به - و هنا وضعت بيث يدها على كتفه.
قفز فيي مسافة ميل، قفز من داخل جلده، و هذا تعبير مجازي سمعه و لم يفهم منه شيئا حتى حصل له. و بطريقة ما، هبطت بيث على السلالم دون أن يلاحظها. كانت ترتدي مئزرا مزركشا، لونه أسود و رمادي و في نهايته ذلك الذيل الخاص و معه سروال مخطط بخطوط رفيعة وبخصر مرتفع. قالت بيث لفيي بهدوء و لكن دون أن تتخلى عن مشاعر الكرامة، كان صوتها مرتفعا بما يكفي ليسمعها الآخرون: ماكس يمر بأزمة عصيبة، هل بمقدورك أن تصعد إلى الأعلى و تخاطبه؟.
و طبعا شعر فيي بالامتعاض ، شعر بالخطأ و كأنه مذنب. كان يحب بيث، أحبها بجنون. كان لها جانب ذكوري لطيف، صلب و جذاب، ليس قاسيا مثل كثير من الرجال. لم تكن أستاذة، و لكنها تقوم بإصلاح المنازل و مؤخرا تطوعت لتدريس فيي بعض الأساليب التي تنفع في تجارته. لم تكن اتكالية أو قدرية، مثل بعض الناس الذين يعرفهم فيي، كانت كادحة، وبمعنى أنها تقوم بأداء عملها بيديها.
حين أحب فيي لينا لم يقصد بذلك إهانة أحد. إنه شيء خارج على السيطرة، أن تحب هذه و لا تحب تلك: لا شيء يتحكم بالسقوط في الغرام، أليس كذلك؟. و لكنه كان منذ البداية ضد الزواج المثلي، لو شئت الحقيقة.
و لم يخبر أحدا، بالأخص هنا في فالي، حيث أن السحاقيات أكثر من المواطنات العاديات، بنسبة 3-1. و لم يكن يتوجب عليه أن يفعل شيئا، أن يحتج، كرامة لله إنه ليس مسعورا، ليس أخرق. و ربما توجد تناقضات في طبيعته، و هذا لا يقلقه أبدا. فالحياة مبنية على التناقضات. و حينما فكر بالزواج، لم يخطر له غير اقتران رجل مع امرأة.
لقد صور تلك الدمى الصناعية التي وقفت على قالب الكيك: ولد و بنت و جاكيت زواج له ذيل، و ثوب زفاف.
و صور - ما اسمه؟ ذلك المتهور الذي ضرب على الزجاج بطريقة تذكر بالأفلام القديمة ( فلم مفضل لدى والدته)، إنه الذي صاح إلين، الين!. أحب فيي المشهد. من لم يحبه؟ أحب الحنين المصاحب له. بصدق، لقد صور فيي نفسه مع لينا حينما صور العرس. صبي و بنت و جاكيت طويل و ثوب. و الآن تستطيع أن تشاهد المشكلة عن بعد - لقد كانت لينا أما لكل تلك المشاعر البعيدة. و لكن أين هو؟ آه، على اليمين: كان فيي يتبع بيث على السلالم و هو يقفز في المرة الواحدة سلمتين معا.
تبين أن لينا حامل و أن بيث ليست الوالد و هذا هو سبب إلغاء العرس في المرة الماضية. لم تكن بيث هي النصف المسؤول عن الحمل، لو تابعتم مع منطق فيي. لو واصلتم مع تيار أفكاره. فالطفل لم يكن في الخطة، و لم يخلق بطريقة صناعية، فقد احتكموا لهذا الأسلوب من فترة طويلة قبل تبني ماكس، طريقة حاولوا معها من قبل، من حوالي خمس سنوات مضت تقريبا، و لكنها لم تحمل بأي طفل. و لذلك حينما شاعت حكاية الحمل، تم إلغاء الزفاف، و ذهبت بيث بطريقها. و في نهاية الأمر، بعد فترة قصيرة، عادت، و قالت إنه لم يكن بوسعها هجران ماكس.
و كان الحمل موضوع البلدة لعدة شهور، و اقترح الجميع اسم الأب، أو قدموا نظرية مفادها الحياة السرية للينا. ثم بعد عدة شهور، و لدهشة الجميع، عادت ترتيبات الزفاف. و لم يكن وراء ذلك- كيف أعبر عن ذلك - لم تكن هناك أحاديث واسعة و تأويلات. لم يفسر أحد كيف حصل الحمل. و لم يتحدث أحد عن علاقة غرامية طويلة أو علاقة لم تستمر إلا ليوم واحد.
و لم يخترع أحد غطاء لتأويل القصة ( لتقل إنهما استشارا الطبيب لتأمين أخ لماكس)، و برأيي فيي هذا شيء يصدقه الناس. من دواعي سعادة الناس الاحتكام لتفسير- أي تفسير يمكن تصديقه. كلا، لم تكن هناك قصة مريحة، و لكن فقط الأحداث نفسها.. لينا تحمل طفلا في أحشائها- ذلك هو الموضوع باختصار.
و ما أن أصبح الطفل واقعا ملموسا بلا توقعات مسبقة، أصبح - كيف نعبر عن هذا المعنى؟ - sui generis . و هذه مفردة لاتينية. كانت السيدة جوزفين فقيهة باللغة اللاتينية: العبارة تعني التفرّد ، لا مثيل له، و لكنها بالبيولوجيا تعني اتجاها نوعيا لا ثاني له، أو إنه في مصفوفته البيولوجية ( في جنسه ) وحده و لا يشبه غيره. و هكذا كان، و بتعبير السيدة جوزفين، ليس هذا هو موضوعنا. الموضوع أن كل إنسان في البلدة ابتلع حقيقة الطفل. كل شخص، نعم كلهم، و على وجه الخصوص. على بيث أن تبلع الحقيقة. أولا و دائما. و فعلت ذلك. أو يبدو أنها عكست المسألة. هذا ما تبادر لذهن فيي.
لم تكن الحياة السرية للينا صعبة على التعريف. و لكنها الحياة السرية للزوج. وقف فيي في الطابق الثاني في غرفة نوم ماكس، و حاول أن يغلق ذهنه أمام أفكاره عن لينا و بيث أو عن التكهن من هو والد الطفل- و حاول أيضا أن لا يتمنى لو أنه والد هذا الطفل ، يا للسخرية، كان يعلم أن هذا مدعاة للسخرية و لكنه واظب على أمنيته الخرقاء- و في نفس الوقت بذل جهده ليستحوذ على اهتمام ماكس بكاميرته.
كان كلاهما فوق البساط الممدود أمام صندوق دمية ماكس المتحركة. ما هي الدمية التي ليس لدى هذا الولد منها. تساءل فيي، و لكنه شعر بالضيق لعدم لياقته، كان يلاحظ بؤس ماكس. و أخيرا قال فيي : هاك و قدم له الكاميرا. لماذا لا تلتقط لي صورة؟ كان ماكس أخرق. و هذا تعبير فقط، اختصار. فالتقاط صورة يعني التسجيل. و كان ماكس جميل المحيا حقا، هذا ما يقوله الجميع. له جلد أبيض مصفر و عينان واسعتان معبرتان و سوداوان. و لديه شعر أجعد منفوش و ناعم نهاياته شقراء.
و الآن يرتدي زيا خاصا للأطفال مثل جاكيت بيث. إنه أفضل رجل حاليا ، و هذا أسبغ عليه عمرا متقدما، كأنه بالغ و لكنه مريض يعاني من مرض يمنع الجسم من النمو - حيث أنك تكون بحجم طفل طوال عمرك. قال فيي لماذا لا تصنع فيلما من بطولتي؟. أو من بطولتك ؟. ربما بطولتنا معا، و نحن نتلكأ. أي شيء. عبس ماكس و كان هذا أفضل من التجهم، و لكنه أشد حزنا. كان لحزن ماكس فضاء واسع فتح الباب أمام فيي ليشعر بأحزانه و أوجاعه الخاصة. و ها هو يتذكر اليوم الذي اكتشف فيه أن ماكس يعلم أنه مذكر.
كانوا في مجمع التسوق في هامبشير، ينظرون للواجهات و المعروضات، لقتل الوقت - فقط طلبت لينا من فيي أن يحمل ماكس و يأخذه لفيلم هناك - و فجأة اضطر ماكس للتبول، فقبض على يد فيي و اتجه إلى مرحاض الذكور. تلكأ فيي، و قال له كلا، من الاتجاه الآخر. و جره باتجاه معاكس، فغضب ماكس و قطب أساريره و هز رأسه، بجدية تامة، و قال كلا يا فيي ، ذلك مراحيض النساء. و الذكور يذهبون لمراحيض الرجال. و إلا وقعنا بمشكلة. و لكن فيي بثيابه لا تستطيع أن تحدد نوعه، ذكر أم أنثى، كان شعره غير قصير و لا طويل، الطول المثالي فقط لإخفاء وجهه، و هكذا ذهب مع ماكس لجناح الرجال. و كانت تلك أول مرة يذهب فيها فيي لمثل هذه الأمكنة.
لأول مرة يشم فيها رائحة الذكورة، و كان هذا جزئيا من الإطراح و جزئيا من المنظفات و الجزء الأخير شيء لم يتعرف عليه و لكنه ليس نسويا بالتأكيد. و لهذا السبب - في ذلك اليوم الغريب- اقترب بعاطفته من ماكس. و إن لم يكن ذلك سببا فقد كان شيئا صادما له. قال له ماكس: هل سوف تتزوج ذات يوم؟ فهز فيي منكبيه. و قال: أعتقد. لماذا؟.
لا أعلم. و هذا ما يقوم به الناس حينما يحب بعضهم بعضا. لماذا؟ غباء. هل أعتقد ذلك؟.
كنت أعتقد أنك تجاوزت مرحلة السؤال عن السبب، من ثلاث سنوات تقريبا. كشر ماكس أنفه، و اعتبر فيي ذلك ابتسامة. قلّب ماكس بين يديه كاميرا التصوير عدة مرات و كانت تبلغ حجم راحة الكف. ثم صوبها على فيي. و ركع على ركبتيه و قرّبها من وجه فيي- مسافة قريبة جدا، بتلك الطريقة التي يلجأ لها من لا يعرف كيف يستخدم كاميرا. هل أنت تحب الآن؟. وقف فيي. كان يعلم أن ماكس لم يلمس في حياته زر التسجيل. قال أعتقد ذلك، و أبعد الكاميرا ببطء. و تابع يقول: أقصد، نعم، بكل تأكيد..
من؟ لا أحد تعرفه. بنت أم صبي؟ بنت. تنهد ماكس. و ترك الكاميرا. أمي تحمل في بطنها ولدا. لاحظت ذلك. طفل كبير. هذا شيء رائع . هل تعتقد ذلك؟. بالتأكيد. كنت دائما أود لو لي أخ أو أخت. لماذا؟ نفخ فيي. للصحبة. و اتسعت عينا ماكس. و أصبحتا براقتين. يمكن للوالدين أن يكونا بداية. هذا مطمئن - كنت دائما أفكر من المريح أن يكون معك شريك من عائلتك إذا تناسلت . أعني، لو أنها تعرف كيف تفهم التناسل..
و هو لا يزال على ركبتيه ابتعد للخلف. و ارتكز بمؤخرته على كعبي قدميه، و شرع يفكر. و تلمس بأصابعه صدريته المزخرفة بمثلثات حادة و دقيقة. ثم وضع يده في جيبه الصغير في المثلث الأيسر و أخرج لا شيء، لقد أخرج منه الهواء. مرة و اثنتين و ثلاث مرات. و كان يتأمل أصبعه في جيب الجاكيت الصغير حينما قال، هل تعتقد أن الطفل سيكون أبيض اللون؟.
شعر فيي باختناق في بلعومه. هذا شيء لم يفكر به. خلال كل المحادثة الحمقاء عن كيفية الحمل بالطفل و ظروف الحمل، لم يفكر و لو لمرة واحدة ما هو لون الطفل. أقصد هل سيكون أكثر بياضا مني؟. بلع فيي و هز رأسه. ثم نظف بلعومه المحتقن و قال: لا أعلم. و لن أحضر زفافهما التافه. لا ألومك. و تراجع ماكس و هو على ركبتيه، حقا؟ هز فيي رأسه بالإيجاب. و قال بصوت مخنوق: حقا. هذا شأنهم. و ليس شأنك. نعم يا فيي هذا كل شيء!. هل هذا كل شيء. اقترب زحفا. هل بمقدورك أن تطلب منهم توضيحا؟.
هز فيي رأسه. انظر يا صاحب. عليك أن تفعل هذا فقط. في الواقع ليس لديك شيء- كل الناس يقولون إنني أسود. و لكنني لست كذلك. أنا أبيض. أستطيع أن أخبرك ماذا يودون لي أن أكون عليه. أسود. أو أمريكي أسود. و غاصت مشاعر فظيعة في جنبات فيي الموجوع.
و لكنني لست كذلك. ها هي تلك المشاعر التي تقض مضجعه تتعمق و تصبح في داخله. لم يكن فيي يريد إزعاج راحة ماكس الصغير. هذا آخر ما يرغب به في هذا العالم. فهو يحبه بمثابة أخ له.
و لكن بنفس الوقت، تبادر لذهنه أن ما يقوله ماكس خطأ، خطأ، خطأ فاحش. ماكس الأسمر الجميل كان جميلا لأنه أسمر. و مع ذلك يوجد شيء ليس له معنى بهذه العبارة، لقد كان ما هو عليه لإنه ماكس، و تصادف أنه أسمر. هذه هي الخلاصة. و هو شيء فوق الصدفة، فسمرته جزء لا يتجزأ من جمالياته، من أنه ماكس - لماذا يصعب تفسير ذلك - هل لأنه من ضمن المنطق؟. أن تعبر عما سلف بطريقة من الطرق المألوفة. يا له من خطأ غريب.
أما هذا الجزء الذي لا يتجزأ؟. إنه السؤال. في أمريكا حيث يمكن لماكس أن يعيش، و حيث يعيش فيي، تصبح المسألة هي ما تريده أنت. إنه الشعور العميق. إنه الرعب. و قد مر بنفس الحالة من قبل. بالتأكيد مر بهذه الحالة - و هذا يعود لثلاث سنوات خلت، حينما دخل على الإنترنت لأول مرة و تعرف على أصدقائه، أمثاله، حينما تعرف على كل شيء يمكن لك أن تعرفه عن الذكور المتحولين جنسيا، و هو ما يمكن أن نقول عنه، كل شيء عن مشكلته الصعبة الخاصة. و حينما سمع بالهرمونات و إزالة الرحم و تحريض القضيب. و حينما سمع عن عضلات الذراع أو الساق أو عن جدار الصدر و كيفية توظيفها لتحريض القضيب. القضيب اللذيذ. و حينما تعلم كيف لا يرتعش من التطور الذي يطرأ على جسمه. ( فكر في البداية :ها أنا أغرق، ذلك حينما كبر ثدياه. فقد طرأ على ذهنه ها أنا أغرق في بدني و في طبقات اللحم المتراكمة). لو اجتهد فيي في عمله، لو وفر كل نقوده في المصرف، لا شك كان بمقدوره أن يخضع للعملية الجراحية.
لا شيء يوقفه. و لا حتى أبويه، فهما لايعرفان شيئا، و ليس لديهما أية إشارة على ذلك. نظر فيي إلى ماكس، و كان ينتظر، بصبر ينتظر، الرد. لا توجد عملية جراحية تغير اللون إلى أبيض، هل أنا مصيب؟. و لكن كلاهما ليس من نمط واحد، إنهما غير متساويين: و فيي يعرف هذا تماما. كيف يمكن تفسير ذلك لماكس. و فيي يفترض أن هذا له علاقة بالتاريخ - الذي سمع به فيي من السيدة جاي، فقد شكلت حلقة للبحث في هذا التاريخ المرعب و الفظيع - مع أنها معلمة لغة إنكليزية ، و ليست معلمة تاريخ.
أنفقت حوالي ثمانية أسابيع حول موضوع الاستعمار الفظيع، و قد اعترض ولد بقوله : ما علاقة هذا بالقواعد الصحيحة، و بتركيب الجمل؟. و لكنها لم تتردد و تابعت الكلام عن المستعمرات و الإمبريالية ، و هذا الهراء.
و انتبه فيي أن هذا ما سيفهمه ماكس، بغض النظر عن قصده: مجرد ثرثرة. نظف ماكس بلعومه. و هو لا زال ينتظر. و طرف أمام فيي برموش عينيه المبللتين و الطويلتين. و للحظة قصيرة من الوقت، كان منظر ماكس حقا يشبه شخصية كرتونية قديمة - ما هو اسمها؟. ذات العينين الحالمتين - بيتي بوب ، هذا هو الاسم.
كان ماكس وحده هو بيتي بوب رمز الأمل و الحزن، و ليس بيتي بوب الجنس. و ربما كان الأمل هو نفسه الحزن. انظر يا أخي، حاول فيي. هذا سيحطم أمك لو أنها رفضت أن تحضر العرس. و لكن الوقت مبكر جدا للتخلص منهم. ثق بي. أمامك العمر كله لتقضي عليهم. لا داعي للإسراع يا رجل. أمامك فسحة من الوقت.
لا داعي للعجلة. وقف فيي و مد يده لماكس. فتنهد ماكس و نهض و مسح الشوائب عن سرواله الخاص، و تلكأت أصابعه عند الخطوط الحريرية التي ترتسم على طول الثنيات الخارجية. و لدقيقة، شعر فيي بالحسد من طبيعة ماكس، بمعنى من صبيانيته البسيطة ، التي هي من نتائج عمره اليافع. ثم انتابه الشعور بالخجل من حسده له، الخجل، طبعا، مما أخبره به ماكس للتو، و هكذا رد فيي بقوله خطوط جميلة. رفع ماكس عينيه. حقا كانت تلك الخطوط مدهشة. رفيعة جدا. يا لهذه البذة كم هي جميلة. فعبس ماكس. أنت تبدو مثل، لا أعلم، مثل عامل في المصرف أو مثل نجم سينمائي أو ما شابه. أنت تبدو كأنك من حقبة أخرى، من العصر الإدواردي، أو الفكتوري.
دائما أضطرب في التمييز بين المرحلتين. في الطابق الثاني، فتح الباب. و أصاخ فيي السمع و هو ينتظر، و كان ممتنا في هذا الوقت لأية مقاطعة. و انتظر ماكس أيضا، و هو يحني رقبته و يمدها باتجاه الصوت. و الآن سمع أصوات أقدام على السلالم. ثم دخلت لينا من الباب المفتوح إلى غرفة ماكس. و هي تتفحصها دون أن يبدو إنها تبحث عن شيء. و عيناها تصبان النظرات بشكل مستقيم. كان ثوبها ضيقا. و لو شئت الصدق كان فيي يشاهد كل بوصة من بطنها، و ثدياها المكتنزان يرتاحان على تلك البطن المنتفخة. و شعر فيي- حسنا - لقد غمرته المشاعر. و رغب لو يغادر هذا المكان. و لكن عليه أن ينتظر، حتى ينتهي من عمله، التسجيل بالفيديو، إلى أن يتمم واجباته تجاه لينا.
لينا الغريبة، طبعا هو يرغب أن يتلكأ هنا، أن يكون حاضرا بوجودها. و لكن بما أن حديثه مع ماكس، فقد كلفه ذلك شيئا ليكون هنا. لا يعلم ماذا، بالضبط، و لكن يعلم أنه مكلف فعلا. بعد دقيقة تقريبا من انهمار المياه في المرحاض، دخلت لينا إلى الغرفة. و قالت لماكس هاي يا صديقي. كانت بطنها مثل صاروخ.
قال ماكس هاي. و غمرها بعينيه المذكرتين الصغيرتين. و أصبح بياض عينيه داكنا و عميقا. نظرت لينا إليه بالطريقة المباشرة. كلاهما - من غير مبالغة - لا يعلم أن فيي في الغرفة الكريهة!. و قالت لينا: هذا هو الوقت لنهبط على السلالم. و امتدت يد وراءها بطريقة كلاسيكية ، بطرقة عناق نمطي. و ذلك لدعم ظهرها المقوّس. أصدقاؤنا بالانتظار، هل أنت جاهز؟.
هز ماكس رأسه و جمع كتفيه، يا لك من جندي طيب، و اتجه نحو أمه. و حاول أن يميل عليها، ليلفها بذراعيه فتحضنه، و لكن البطن المنتفخة جعلت مهمة الالتصاق مستحيلة، و في الواقع أبعدته عنها.
قالت لينا لفيي: هل بمقدورك الانتظار هنا لدقيقة؟. سوف نتخلص قريبا من مشكلة الهبوط على السلالم. و سوف أهبط مع ماكس و أتكلم مع أصدقائي ثم ستنضم لنا بيث- إنها تحتاج لدقيقة - بل هي بحاجة لدقيقة - و حينما تهبط سوف ننتهي من كل شيء.
ارتفع صوتها قليلا و أصبح بإمكان فيي أن يرى و يسمع الألم، أن يرى القلق في وجهها الجميل و الصارم. و بينما أصبح الزفاف محتدما، و عقبة بوجه سعادتها و ليس بوابة للسعادة. لا أريد - دعنا لا نسجل بالفيديو أي شيء ما عدا حفل الزفاف الأساسي. فقط ما نفعله ، حسنا ؟. حتما. لقد كانت لينا تتمتع بهذه الروح الطيبة و هذه اللطافة.
و حينما نظرت إلى فيي، كانت قسمات وجهها تؤكد أن كل العالم سينهار من حوله، و لكنها لم تكن متأثرة بذلك، كانت مهتمة فقط بما يقوله لها على مدار الوقت. كانت جميلة و ناضجة و أنيقة، و بالتأكيد هي كذلك، و لكنها أيضا كانت لطيفة بشكل لا يصدق. و قد زود ذلك فيي بحالة خاصة، مظهر لطيف ربما جاء في رأس قائمة الصفات الضرورية. أن يكون لطيفا و متألقا، و لكن هذا لا ينفع مع لينا، أن تكون متألقا و لطيفا، فالطبع اللطيف هو التألق بالنسبة لها.
كان هناك ماضيها المستمر و المثالي و الذي هو شخصيتها و روحها الخاصة. و لو شئت الحقيقة، هذا من دواعي سعادته و طمأنينته أن يفكر بلينا فقط و كم هو يرغب بها. قال هذا ثوب رائع. ضيق جدا. فاحمر وجه لينا و شعر فيي بالضيق - كلا ليس كذلك. كان يريد أن تفهم ماذا يعني- فقال لها : أقصد يا له من مريح للنظر. جذاب. إنه ثوب جذاب تماما. فابتسمت لينا و قالت شكرا. و الآن احمر وجه فيي. احمر لدرجة قرمزية. ثم أضاف فجأة دون أن ينتبه أنه سيقول ذلك: ليس من الضروري أن تهبطي على السلالم. توترت لينا، ما هذا الكلام.
كانت يدها تداعب شعر ماكس و هذا التوتر دفعها لأن تجر بقوة خصلة من شعره. فنظر ماكس و تردد بنظره بينهما ، من فيي لأمه. فقال فيي: إنه لا يريد أن يشارك بالزفاف. و صدم ذلك لينا. و لكن أعتقد.. و نظرت نحو ابنها. كنت أعتقد أنك جاهز؟. فهز ماكس كتفيه و هو مضطرب. و هز فيي رأسه بالموافقة. يقولون كل زفاف يتسبب لشخص ما بمأساة.
هل يقولون ذلك؟. من قال ذلك؟ هل هو تولستوي؟. بل صديقتي فيلو. آه. هل أعرفها؟. لا أعتقد. قابلتها بالإنترنت. آه. هل هذا مأمون العواقب. مقابلة الأشخاص على الإنترنت؟. أعتقد ذلك. حسنا، آمل أنه شيء آمن. أقصد، أتمنى لو أن زفافي ليس مأساة تصيب أحدا. هل الطفل صبي أم بنت؟. الطفل؟. يا للحظ. ابتسمت لينا ابتسامة خفيفة، تقصد هذا حظ ماكس. تقصد يا لحظ ماكس لأنه سيحظى بأخ. كلا، يا لحظ هذا الطفل. يا لحظه أن يولد صبيا في حضنك و رعايتك.
أي رعاية؟. لا أعلم. لكنه صبي فقط. و أعتقد أن البنات شيء رائع. أليس كذلك؟. طبعا - أنا أحب البنات أيضا، أحبهن، و لكن...
ثم انتشر تعبير على وجه لينا يدل كأنها فهمت كل شيء. كانت ملامحها تبدو كأنها ، حسنا، كأنها تتألم، و لكن ضوء ضعيف أشرق بوجهها. و ارتاحت الخطوط و التجاعيد التي تحيط بعينيها و زوايا فمها، و أدرك فيي أنه مثلها تماما: إنها تعتقد أن فيي بنت و يحب البنات مثلها تماما. و تساءل: لماذا يعتقد الجميع أنني عادي مثلهم، بينما أنا لست كذلك؟. و لماذا يعتقد الجميع إنني مطمئن و مرتاح البال؟. و أن الأمور طبيعية و هي ليست كذلك. و هكذا قال فيي، صاح، فعلا صاح: أنا ضد الزواج المثلي. لو شئت الحقيقة. فقالت لينا : آه آه. و نظرت إلى ماكس. و وضعت يدا على كتفه، و شعر فيي بالرعب. و أراد أن يوضح، و أن يقول كل شيء للينا. عن نفسه و عن ماكس. و كيف تأقلما معا. و كيف لأول مرة يزور فيها مراحيض الرجال. و كيف من الصعب أن يعبر عن شيء لا يمكن التخلص منه و شيء معاكس له. و كيف أنه كان في طفولته نسيج وحده. و لكن هذه أفكار كثيرة لا يمكن البوح بها دفعة واحدة. و هكذا قال: لا أقصد ما قلت حرفيا. و قالت لينا و وجها واضح و غائم في نفس الوقت: ماذا تقصد إذا؟. فقال فيي: لا أعلم. لقد كان لا يفهم نفسه حقا..
ستيفاني غرانت Stephanie Grant: روائية أمريكية معاصرة. ولدت في ستاوتون بماساشوستس. و حصلت على الماجستير من جامعة نيويورك. و تعيش حاليا في دارام بنورث كارولينا. من أهم أعمالها روايتان هما عاطفة أليس، و خرائط أيرلندا.
الترجمة من المجلة الأمريكية سرديات ( نارايتيف )
08-أيار-2021
مقتطفات من : كافكا في المحاكمة الأخرى بقلم : إلياس كانيتي ترجمة : |
17-نيسان-2021 |
03-تشرين الأول-2020 | |
12-أيلول-2020 | |
22-آب-2020 | |
20-حزيران-2020 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |