تفريغ العقل/ " العقل السوري والفاقة القسرية " 2/2
خاص ألف
2013-05-20
لم يكن الجزء الأول من الدراسة كافياً لوضع المسميات في مكانها بما يخصّ المُغتصبة سوريا، المسميات التي يجب أن تكون هي المسميات الحقيقية، لا الأكاذيب التي وضعها " باتريك سيل " في كتابه عن حافظ الأسد، والتي وصلهُ ثمنها وهو في أحضان مومس داخل إحدى غرف الفنادق في لندن!!.
وغيره، وغيره..... إلخ.
أنفقَ الطاغية الأب ملايين الدولارات كي يُـجمّل صورته أمام الشعوب العربية وغيرها، تحديداً في المجتمعات الغربية بعد انقلابه القذر على أصدقائه وتصفيتهم فرداً فرداً، ممن كانوا حوله، الذين أسّسوا مع " عفلق " الحزب المشؤوم، إلى كل من يعارضه ويخرج عن دائرته من ضباط إلى أفراد، ومنهم موظفو القيادة القومية، أو شخص أراد التنفس من نافذة أخرى تطلّ على حدود الوطن كي يغيّر هواء رئتيه لحظة إبان ذاك الوقت المخنوق!.
لو كتبنا آلاف الكتب والمخطوطات عن فظائع هذا النظام، لابدّ أن يُذكرنا حجرٌ ما تأذى من أفعالهِ داخل وخارج سورية لنقشها حتى على حجرٍ عابر في فمِ التاريخ المعاصر.
إن أتينا إلى مسألة تفريغ العقل، وقد استعنا إلى مراجعَ عدّة سياسية منها، وفكرية أكثرها... نصل إلى أنّ الوضع لدى بعض دول الاستبداد يكون وضعاً مُـغايراً لا ينتهي بمجرد انتهاء الطاغية أو حاشيتهِ؛ بل يستمر التأزّم في تلك الدول لأسباب معروفة، منها النزاع الثقافي والطبقي الذي زرعه الطاغية في المجتمعات عوضاً عن سلب الناس كرامتهم وأموالهم و تعامله مع أسياده الكبار ــ القوى العظمى ــ وجغرافية المنطقة وأهمية موقعها الاستراتيجي تلعب دوراً كبيراً.
يصنع الطاغية تاريخه عن طريق بصمات يتركها في أذهان الناس تكون سلبية حتماً، فلن تكون إيجابية لمرة واحدة بسبب استبداده على البشر طيلة وجوده.
يحاول أن يكون عملياً بعض الشيء مع تطور المجتمعات الأخرى، وبذلك يعطي شعبه ما يطمح إليه بالـ"قطارة"، كي يبقى ضمن حدود الطاعة ولا يتطلع إلى مواكبة المجتمعات المتقدمة فذلك يضر بالطاغية ويهدد وجوده. فالتفكير في أمور التطور والانخراط مع التقدّم التكنولوجي والانفتاح الثقافي والفكري عند الناس، كما ذكرنا هذه الأمور من المحرمات لدى الطاغية!.
يذكر هيغل في كتابه (العقل في التاريخ) ضمن فقرة صغيرة سبب اصطدام فكرة الماضي واستجلاب حاضر وعالم بعيد عن أفكارنا إذ يقول : ((التاريخ النظري يمكن أن نسميه بالتاريخ البراجماتي ( العملي ) pragmaticaf . فحين يكون علينا أن ندرس الماضي، وأن نشغل أنفسنا بعالم بعيد عنا، فإن حاضراً يبزغ أمام الذهن، ناتجاً عن نشاطه الخاص كما لو كان مكافأة للذهن على الجهد الذي يبذله. والواقع مهما تعددت الأحداث وتنوعت فإن الفكرة التي تتغلغل فيها ــ أي مضمونها العميق والرابطة بينها ــ واحدة. وذلك يُـخرج الحادثة من مقولة الماضي ويجعلها حاضرة بالقوة)).
إذاً، ففكرة الماضي لدى الشعوب وخاصة العربية منها، هي فكرة انتصارات وأمجاد وعدل لا سابق له، وزعماء حكماء وواقعيون.
يتحسر المظلوم على تلك الأيام الماضية ويستحضرها في ذهنه، هنا يُـصاب بالتمرد على واقعه وعلى المستبد. فمن كل النواحي التي يعيشها يجد نفسه في قبضة الطاغية لا يستطيع التنفس.. حالته النفسية والمادية، مكانته الاجتماعية وثقافته، كل أمرٍ جيد يتطلع إليه، يتحكّم به الاستبداد.
فكل حاكم مطالب أن يقر حقوق شعبه ويعمل على تحقيقها لا دفنها تحت قدميه ونسيانها لمجرد استلامه حكمه.
هكذا وجدَ الطغاة، وراء كل طاغية سبب لوجوده ولطغيانه. وكما يقول "الإمام علي" مشيراً إلى قوة الظالمين : ( ليس لقوتهم، لكن لضعفنا ). وأسباب أخرى تجعل الشعوب راكعة، منغلقة ثقافياً واجتماعيا؛ الركض وراء لقمة العيش وتأمين حاجاتها اليومية ومتطلبات الحياة الأخرى؛ هذا ما أضعفَ الشعوب وجعلها متفرقة وخاضعة.
عمد الطاغية الأب في سورية على سحق الشعب وتجويعه بكافة الوسائل، رغم وجود ثروات خيالية تكفي الشعب السوري وشعوب أخرى.
اتجه إلى تقسيم الثروة على عائلته وعلى المقربين منه، ووضع المبالغ الطائلة في بنوك الخارج تأميناً له ولأحفاد أحفاده، وترك الشعب السوري يتلوى بين الفقر والاضطهاد والخنوع!!.
* تحجيم العقل .. العقل السوري نموذجاً :
ـ الدين "لمحة"
ـ الثقافة "إضاءة"
( 1 ) كأغلبية مسلمة في سورية معتدلة، تتعايش مع باقي الأديان والمعتقدات، خاض النظام صراعاً طويلاً مع شرائح المجتمع السوري المسلمة، واشتغل على قاعدة ( فرّق تسد )!.
إذ أقام منظومة من رجالات الأمن كل عملهم هو التفرّغ لملاحقة أي ميول ديني ضمن جماعات مدنية بعيداً الجوامع وأمكنة العبادة كالمعاهد وغيرها.
فكل إمام جامع منوط عليه ألا يخرج في خطبته عن الخطوط الحمراء التي تمس النظام وتشجّـع الناس على التوسع الديني في كل مكان، وهذا أيضاً بابٌ من الأبواب التي يُـغلقها الطاغية كما ذكرنا والتي تهدد وجوده.
فخطبة الجمعة تأتي أحياناً توجيهاتها من أجهزة الأمن، عوضاً عن وجود أكثر من رجل أمن في أوقات الصلاة، وخاصةً صلاة الجمعة!...
معاهد تحفيظ القرآن التي تتوزع في المدن السورية، كلها تحمل اسم الأب والابن الأكبر!!.
وكأن تعليم أحكام القرآن وتجويده وتحفيظه محصورٌ باسم العائلة التي تدّعي العلمانية!.
وكما يوجد سياسيون للطاغية ومستشارون، يوجد شيوخ دين يتبعون له، ينظفون صورته ويدعون له بعد كل صلاة ودرس ديني.
فالذين يخرجون عن طاعة ولي الأمر كما يستند في هذه الزاوية الدينية فقط، يصبح ملعوناً ومطارداً ومهدداً بالسجن أو التصفية هو وعائلته وكل أقربائه!.
استطاع النظام أن يدقّ إسفيناً بين الأديان داخل سورية، وخوّف الأديان الأخرى والأقليات من الانتشار الإسلامي في المجتمع السوري فأطلق مسميات عدّة عليه ( الأخونجية، و .. و) واستطاع أن يكافح الحركات الإسلامية بشكل وحشي وخاصةً في أيام الثمانينات في محافظة حماة.
ومن هنا إذا تمرّدت شريحة أخرى في المجتمع السوري بعيدة عن الإسلام، تلقى المصير ذاته، فهذا يدل على كذبة النظام في حماية الأقليات وادعاءاته الباطلة.
ــ ( 2 ) الثقافة
كل فكر مناهض للنظام وكل عقل مستنير، هو بشكل كبير أخطر عدو له. فلقد حصرَ النظام العقل السوري المثقف في دائرة ضيقة، وفرض عليه رقابة جد صارمة أكثر صرامة من باقي العقول التي هي بسيطة لكونها لم يتسنَ لها الخوض في غمار الفكر لأسباب معيشية فرضها النظام عليها.
فنجد أن المثقفين منهم الكتاب والشعراء وغيرهم من عقول في ذات المجال، ممن رفضوا الخضوع لطغيان النظام واستلابه حرية تفكيرهم وآرائهم، وطموحاتهم في تغيير المجتمع والنهوض به إلى الحرية والثقافة، بعيداً عن مستنقعات الجهل والخنوع التي أغرق النظام فيها أبناء سورية وحجّم عقولهم للأسباب المعروفة، بعيدون كل البعد عن أبناء وطنهم وممنوع عليهم الاحتكاك بهم، فكل مفكّر مناهض أو شاعر أو كاتب، تجده إما في أقبية المخابرات، أو خارج الوطن منفياً عن أهله وانتمائه. عداك عن جعل كل المطبوعات والجرائد الحكومية المحصور عددها بالـ" 3 " تكون تحت رقابة آلية تعود كل توجهاتها إلى توجه الحزب الواحد وشعاراته الفارغة.
وللنظام كتّابه وأبواقه الإعلامية، والمنافحون عنه يستميتون بسبب قاعدة الترغيب والترهيب.
فإن دفن الفكر والثقافة في المجتمع السوري من أولويات النظام بعد المسألة الأمنية، وتلك هي معركته الكبرى!، التي يفترض عليها أن تكون في مقارعة العدو الأصلي ألا وهو الصهيوني الذي يحتل جزء من وطننا ويحتل الأراضي العربية.
نهايةً .. تلك هي حرب النظام على العقل السوري، في كل الجوانب، الاجتماعية، المعيشة، الثقافة، الإبداع، الفكر الحر، وكل شيء يحسّ أنه سوف يهدده، يستأصله من جذوره أو يذهب به إلى المجهول.
نهاية الجزء الثاني
/ خاص ألف /
هوامش: الصراع على السلطة في سورية / نيقولاس فان دام / 1961 / 1995
ـ مهزلة العقل البشري/ د. علي الوردي / دار كوفان / الطبعة الثانية 1994
08-أيار-2021
15-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
03-نيسان-2021 | |
27-آذار-2021 | |
06-آذار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |