شوارع
خاص ألف
2013-05-23
إنها الشرفة الوحيدة التي تطلّ على هذا اليباب، على هذه الجثث الموزّعة كالأرقام المتصاعدة ..
جثة.. جثتان .. على بعد مترين ثلاث، وهكذا، تتباعد المسافات وتقترب، والأشياء الوحيدة التي تفصل بينها، لاشيء سوى الجثث!!.
أتذكر يا صديقي ... ؟
عندما كنا نلهو بالخيط الشفاف والعملة الورقية ..
كنا نجلس هناك تماماً ..
ــ أين هناك؟
انظر .. عند تلك الجثة التي ترتدي كنزة حمراء ..!
ــ كلا .. ليست كنزة ......، إنما هذا دمٌ طغى على البياض !!.
لا فرق ... أدمنّـا الأحمرَ !.
هناك كنا نرمي القطعة النقدية الورقية مربوطةً بالخيط، ونوهم العابرين، وعندما ينحني أحدهم كي يلتقط النقود .. نسحبها بسرعة ونضحك .. وبالتالي هو يضحك مع قليل من النزق .
..........
................. اليوم يا صديقي هناك .. أترى؟
يسحبون الجثث من بعيد بحبالٍ من منتصف الشارع، ولا أحد يمرّ كي يلتقط حتى ملامحها، خوفاً من شخصٍ مجهول،يرمي الجثث فوق بعضها، لربما أحدهم هو، ذاته الذي يجلسُ فوق أحد الأسطحة، يدخّن سيجارة ويرتدي قبعة سوداء، ويردي كل من يعبر أمامه بقناصتهِ ...
إنه ينتقم...
من الأطفال الصغار الذين خدعوه بلعبة الخيط والنقود، حين مرّ في هذا الشارع منذ سنين!.
***
* الشارع الثاني :
مرّ مُسرعاً أمام المرآة.. وعلى بعد خطوتين توقّف.
حكّ رأسه وفكّر...
مدّ رأسه إلى الوراء بعد أن شدّ ظهره قليلاً ليرى وجهه مرة أخرى ..
ـ لستُ أنا .. ممرراً أصابعه على ثنايا وجههِ، فاغراً فاه !!
لم يتردد أن ينسى كل شيء ويمضي إلى الخارج متوجساً شيئاً ما ..
كل هذا الهدوء الذي حوله في الشارع، وكل هذه الأنقاض والغبار.. مشاهد رآها من قبل، لكن أين !!.
/
أيضاً .. لم يتردد أن ينسى كل شيء وتابع مسيره.
الجثث المنتفخة، والحيوانات النافقة، وأصوات المدافع والصواريخ التي تأتي من بعيد.. مشاهد أخرى مرّت من قبل في ذاكرته؛ كأنه في حُلم أعمى !
.........
.................. أعرف أنني لستُ أحلم..!
هذه قريتي ..
أولئكَ أصدقائي وجيراني!!.
ظننتُ للوهلةِ الأولى أني أشاهدُ فيلماً عن الحرب العالمية الثانية...!
" برلين" .. نعم تشبه برلين..!
لكن في برلين كان عدواً .. ( الجيش الأحمر )!
إني أسمعُ صيحاتٍ عربية .. سورية .. ريفية ..
لحظة ...
رطنٌ لا أفهمهُ ...............................! أه .. ليس عربياً !!
لن أستدير للوراء .. سأركض .. سأركض ..... .... .....
/
/
صوتٌ آخر ... إنه ابن القرية المجاورة لقريتنا .. أعرفه، إنه ابن مختار القرية يحملُ بندقية، جاء لينقذني ....
......
................................
وبعد قليل :
ــ احملوا هذا الكلب... وألقوه فوق الكلاب الأخرى هنااااااااااااااااااااااااااااااااااك .
/
/
.................. فعلاً إنه لم يتردد أن يُقتلَ........ وينسى كل شيء!!.
***
* الشارع الثالث:
زهور ناعسة على الشرفات .. شمس الصباح الناعمة، وأطفالٌ هنا وهناك... دراجات هوائية صغيرة، صغيرات يلعبنَ بالدمى ويتراشقنَ الضحكات والقلوب.
باعة الحلوى المتجولون في كل زاوية، ونساء على عتبات الأبواب كل واحدةٍ منهن تروي قصةً قديمة، أو تشكو زوجها لجارتها أو جارتها لجارتها الأخرى..
الأرض الطينية ذات الرائحة الجميلة، الممزوجة مع رشات المياه الخفيفة من كفِّ لحّام الحي..
تردد المراهقات في النظر من الشبابيك..
خجل أبناء الحي بالتلصص عليهنَ ........
ازدحام الخطوات بين دجاج الحي الراكض هنا وهناك ...!
التحيات الصباحية ..
رائحة الحقول القادمة من بعيد ...
/
صوت أجراس الكنيسة الصغيرة صباح الأحد ...
تجويد القرآن القادم من الجامع ــ أصوات أطفال القرية ــ
...............
..........................
شيءٌ ما من الغيب يمدّ عنقه من بين غيمتين ...
ينطلق ...
مسرعاً
مسرعاً
يصّفرُ صفيراً غريباً ...................... دويٌ كبير!!!
كل شيء جميل في القرية ... صار غياباً وغباراً ودماً ...
و ............... مئذنة الجامع مكسورة العنق .. لكنها تتكئ على كتف الكنيسة و ... صمت .!!
/
/
طفلٌ صغير يخرج من الغبار والأنقاض مندهشاً،
يلتفت حوله ...
يرفع يديه ..................... ويسأل الله:
لماذا .......؟؟!!!!
08-أيار-2021
15-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
03-نيسان-2021 | |
27-آذار-2021 | |
06-آذار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |