جلسة دمشقية ونقاش حضاري مع أبو يعرب المرزوقي
سحبان السواح
2008-01-22
بعد فترة من المراسلة بيني وبين أبو يعرب المرزوقي، ومنذ ان اتصل غاضبا في أول رسالة له للموقع وكان اهتمامه منصبا على تلك العلاقة الجدلية التي يمكن ان تقوم بين العلمانية والدين
ولكن ليس على العلمانية أن تأخذ قشور فلسفات الغرب، وليس على المتدين الأخذ فبمقولات السلف التي لاتسمن ولا تغني من جوع ،وليس من يحكي بها الآن إلا مأجورا للسلطة أو للأعداء وليس ما يفتون به ويقولونه أكثر من مهاترات لا معني لها، وليس المقصود منها سوى إلهاء بعض الفقهاء عامة المسلمين بأمور لا تعنيهم، فيما الأمور الأخرى والهامة جدا ، فهم يبتعدون عنها ، ويخفونها ولا يعلنوها للعامة ويكتفون بالحديث عن الحجاب .. وما يجوز وهل لا يجوز في أمور ليست من الأهمية بمكان.
جلسة ممتعة تحدثنا فيها كل من طرفه فيما يقلقه وفيما يرغب به، وتبين أنه رغم وجودنا على طرفي المعادلة الصعبة: العلمانبة والدين فإننا من الممكن أن نتفق على كثير من الأمور.. وحين خرجت من اللقاء كان السؤال الذي يلح علي هو .. ترى كم شخصا يشبهنا منتشرا في أرجاء هذا الوطن الذي جعل الاختلاف الخبيث ديدنه، ليس برغبة منه، وإنما من تآمر خارجي وداخلي عليه.
قال أبو يعرب فيما قال أن علينا بداية كشعوب عربية .. أو كشعب عربي فنحن شعب ولسنا شعوبا في نهاية المطاف أن ننال حريتنا من حكامنا، وبعدها نقرر مصيرنا بيدنا لا بيد حكام يحكمون
بالجزمة العسكرية وسوط الجلاد وبالتهديد بالسجون وملئها بالمعارضين حتى أوصلوا شعبا بكامله للاستسلام والصمت بداية، ثم إلى القبول المهين بكل ما يؤمنون به.
بعد أن ننال حريتنا نستطيع أن نتحاور ، المتدينون من جهة والعلمانيون من جهة للوصول إلى صيغة ديموقراطية نحكم من خلالها أنفسنا بها.
قلت له ولكن هذا أمر صعب الآن.
فقال ولم؟
قلت لأن الشارع الآن وبفضل حكامه المتسلطين تحول إلى الدين ، وليس إلى الدين القويم وإنما إلى تدين أعمى إرهابي مستعد للقيام بأي شيء للقضاء على كل من لا يأتمر بأمره وتجربة الجزائر أكبر مثال على ذلك.
قال وتجربة حماس مثال أيضا فقد استلموا الحكم وفشلوا.. دعهم يستلمون الحكم بديموقراطية وهم سيفشلون وحينها يأتي دور المعتدلين من كلا الطرفين.
راقتني الفكرة .. فكل الأمور تحتاج إلى فرصة، وتحتاج إلى تضحية ، وعلينا أن نضحي بسنة أو سنتين تحت حكم إسلامي .. ثم ننال حريتنا ونعود لحياة ديموقراطية سليمة يقبل كل منا رأي الآخر، ويفهم رجل الدين موقف العلماني .. ويفصل الدين عن الدولة وتسير الأمور كما يجب أن تسير..
قلت : ولكن هل يمكن أن يتفهم رجال الدين المتشددون مثل هذا الأمر أليسوا مستعدين للعودة إلى إرهاب الناس وإلى العمليات الانتحارية؟
قال حين نكون يدا بيد .. حين يفهم كل منا رأي الآخر ويحترمه فلابد أن نكون قادرين أن نقف بوجوههم بالحجة والمنطق. هم الآن محتمون باستبداد الأنظمة العربية .. ولكن حين ننتهي من استبداد تلك الأنظمة فليس من أحد يحميهم .. وسيفهم الشارع مع من عليه أن يقف.
أهي المدينة الفاضلة من جديد، أهي أحلام يسوقها أبو يعرب المرزوقي حالما بمدينة فاضلة أم أن كل ذلك ممكن .. ولكن بعد أن ينال كل بلد وكل شعب حريته من حكامه ..
بعد أن تركته تذكرت حين كانت سورية تحكم من قبل حكومات ديموقراطية وكيف كانت تتم الانتخابات وكيف كان يجلس الإسلامي إلى جانب العلماني داخل المجلس .. وتذكرت أن أحدا ممن يسمون اليوم "الأخوان المسلمون" لم يحاول فرض فكرة دينية متشددة لتتحكم بالمجتمع وحين كان يفعل كان المجلس يتصدى له .. وكان يتراجع دون عنف عن طلباته.
هي دعوة إذن .. ليس لتأسيس حزب، ولا إلى عقد اجتماعات ، ولا إلى تشكيل جماعات سرية بل فقط إلى أن نتحاور بعيدا عن التشنج .. أن نبدأ بحوار مفتوح بين العلمانيين أنفسهم الذين اختلفوا منذ فترة ليست بالبعيدة مع إعلان رابطة العقلانيين العرب ، فقامت قائمة البعض واتهموهم بأشياء ليست واقعية .. وليتحاور الإسلاميون فيما بينهم ليصلوا إلى نتيجة تقول بعودة الاجتهاد في أعلى مستوياته لتخليص الإسلام من الشوائب التي تخللته، ولتحديد ماهو واجبٌ اتباعه من القرآن والسنة النبوية لهذا العصر وما صار يجب توقيف أحكامه بسبب التغيير الكبير الذي أحدثه العلم والتطور الحضاري.
هي دعوة للحوار .. بين العلمانيين العقلانيين أنفسهم .. وبين الدينيين أنفسهم وبين العلمانيين والعقلانيين والإسلاميين الغيورين على الدين .. حينها نستطيع أن نطالب حكوماتنا بحريتنا الكاملة.
والموقع مفتوح لهذا الحوار لكل من يريد أن يدلو بدلوه فيه .. ونحن بالانتظار.