<< نوستالجيا المقاهي الشعبية >> مقهى الروضة خنثى: لا ذكر ولا أنثى
2008-06-11
للمقهى الشعبي نكهته الخاصة، لونه وصفته وطبيعة زواره .. و طبيعة الندل فيه، وعلاقتهم مع الزبائن، تلك العلاقة الحميمة التي تصل أحيانا حد أن يصبحوا أصدقاء إذا غاب الزبون فترة يسأل عنه النادل أصحابه ليطمئن عليه، وإذا عرف أنه مريض عاده في بيته أو أرسل له مواساته محمولة مع الأصدقاء.
من جماليات المقهى الشعبي ذاك النادل الذي يدور بين الطاولات يحمل كؤوس الماء البارد على صينية يسيل الماء المحمول عليها من حوافها يضيف الزبائن ماء زلالا باردا في الصيف الحار ..
ومنها أيضا صوت كبير الندل وهو يصيح على طلبات الزبائن بصوت عال ليؤمنها صانع المشروبات وتتم تلبيتها بالسرعة الممكنة.
واحد شاي وتلاتة قهوة ع الريحة ..
واحد قهوة سادة ..
جيب مي يا ولد ..
ويسمع نقرا على معدن النارجيلة فيصرخ نارة يا ولد فتختلط تلك الصيحات مع صوت النرد وصراخ زبون لا يلبيه الزهر فيشتم أبو الزهر ودين الحظ ..
ويأتيك البويجي يحمل مشّاية بيده يسألك بمودة فيما إذا كنت تريد أن تنظف حذاءك فتقبل فيعطيك المشاية ويأخذ الحذاء ليعود به بعد قليل ملمعا ونظيفا.
ومنها أيضا تلك التجمعات الصغيرة حيث تعلو أصوات النقاشات الثقافية والسياسية .. وتصل أحيانا حد الصراخ لتهدأ بعد قليل وتعود للهمس ..
هي حالات انسانية شعبية يضمها مكان واحد اتفق على تسميته بالمقهى الشعبي..
ففيه تجد من يجلس بمفرده ليدخن النارجيلة..
ومن يجلس مع صديقه ومن يلعب الشطرنج ومن يلعب طاولة الزهر ومن يلعب الورق .. والندل يدورون بين الزبائن والجميع يعرف بعضهم بعضا إن لم تكن معرفة شخصية فهي معرفة بالوجه فجميعهم زبائن قدماء .. وإن لم يخل الأمر من عابري سبيل يشربون قهوتهم و يتيسرون إلى أعمالهم.وهؤلاء يدخلون كغرباء ويطلبون فنجان قهوة أو كأس من الشاي وكل له تسعيرته فيأتيهم بدل فنجان القهوة كأسا صغيرة وبدل كأس الشاي الصغيرة كأسا كبيرة وحين يحاسبون يدفعون المبلغ مضاعفا .. وهذه أول مخالفة لأخلاق المقهى الشعبي. بدأه أصحاب" مقهى الروضة " الذي ظل محافظا على هذه التقاليد منذ تأسس في منتصف القرن الماضي وحتى قرر أصحابه الميامين التماشي مع العولمة فعولموه .. وعولمونا.. وحرمونا من مقهانا من أجل حفنة هواء بارد .. وأكياس معبأة بالليرات الزائدة عن حاجتهم يسرقونها من جيوب زبائنهم دون مبرر. ومن أجل بعض التحسينات التي أفقدته شعبيته، فدهن بألوان باهتة ليس فيها أي حس جمالي.. فوق جدران لم يكلف أصحاب المقهى أنفسهم بإزالة الحفر من جدرانها فدهنوها مما أظهر العيب فيها أكثر مما لو ظلت على حالها.. ووضع له في الصالة الشتوية سقفا مستعارا مقابل ذلك حرمونا من كأس الماء البارد وفرضوا علينا زجاجة الماء المعلب وبسعر خيالي، وفي الفترة الأولى كان عليك لكي تشرب كأس ماء أن تشتري زجاجة ماء كبيرة تكفي لقبيلة وتدفع ثمنها أربعين ليرة وأربعين أخرى ( 38 ) ثمن فنجان القهوة .. وكل ذلك بموافقة الجهات المعنية التي تعطي تلك الموافقات ولا أدري اسم تلك الجهة وكم قبضت لتوافق على تلك التشويهات .. من يومها ، منذ أول زجاجة ماء جاءتني بدل كأس الماء .. وحملها الفتى الذي كان يقبض عشر ليرات حلالا زلالا له من أجل هذه الكأس.. ووضعها على الطاولة دون أن يسلم أو يبتسم فهو قد خسر البخشيس الذي كان يدفع له.. اتخذت قرارا بعدم دخول هذا المقهى مرة أخرى.. وبيني وبين نفسي تصورت أن معظم زبائن المقهى سيفعلون فعلتي .. لسبب ما وبعد مرور فترة طويلة عدت مضطرا ودخلت المقهى فوجدت جميع زواره في أماكنهم يمارسون طقوسهم وكأن شيئا لم يحصل..
هكذا نحن السوريين اعتدنا .. أو عودونا على قبول ما يفرض علينا دون أن نحتج .. حتى ولو أصبح مقهى الروضة "خنثى" لا ذكر، ولا أنثى..
08-أيار-2021
08-أيار-2021 | |
17-نيسان-2021 | |
03-نيسان-2021 | |
27-آذار-2021 | |
27-شباط-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |