البحث عن هوية إسلامية معاصرة
سحبان السواح
2006-04-09
بين تظاهرات التنديد بالرسوم وتظاهرات الخلاف بين الشيعة والمسلمين السنة
يلفت نظر المتابع لنشرات الأخبار منذ نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي، حماس المسلمين بكافة توجهاتهم بالتعبير عن سخطهم بطرق مختلفة تبدأ بالتنديد وتنتهي بحرق الأعلام ورموز الأديان الأخرى، كما يلفت نظره الخلافات الداخلية بين المسلمين أنفسهم.
و أقرب مثال إلى ذلك ما جرى في العراق في الأيام القلية الماضية من تدمير وحرق وتفجير لمقدسات دينية من السنة ضد الشيعة ومن الشيعة ضد السنة. لن نختلف هنا، فيما إذا كانت هذه المشاحنات والمعارك الطاحنة التي جرت بين الفئتين من قبل جهات مدسوسة أو أنها تعبير عن واقع المسلمين الحقيقي في جميع مناطق تواجد المسلمين سواء أكان دين تلك الأماكن إسلاميا، أو غير ذلك. ولكننا نطرح سؤالا هاما كيف سيحترم الآخرون، سواء أكانوا غربيين أو غير غربيين، مسلمين يتقاتلون بين أنفسهم ويدمرون مقدساتهم بأيديهم؟ وكيف سيقتنعون بصدق دفاعهم عن نبيهم إذا كانوا هم أنفسهم لا يحترمون مقدساتهم الدينية؟
هنا يطرح السؤال نفسه، حين نقول إسلام ماذا نعني هل نعني السنة، وإذا كان كذلك فأية سنة نعني، أهي سنة طالبان أم سنة المنظمات التكفيرية الأخرى بن لادن و الظواهري وأبو مصعب الزرقاوي وتتوالى أسماء المشايخ أصحاب طرق القتل والتكفير، أم سنة حزب الأخوان المسلمين، أم سنة الشارع الذي يعرف كيف يتوضأ ويصلي ويردد بعض محفوظات قليلة جدا من القرآن ويخرج شاهرا سيفه دفاعا عن الإساءة لنبيه بمجرد أن إمام مسجده قال له لقد أساؤوا لنبيك أيها المسلم، أخرج ودافع عنه. أم الشيعة وأية شيعة هل الشيعة الإثني عشرية أم الشيعة الجعفرية أم الإسماعيليين أم الدروز الموحدين أم المرشديين أم العلويين أم بقايا الخوارج .
وإذا كنا نعلم أن عددا لا بأس به الأحاديث النبوية التي يعتمد عليها الشيعة في اجتهاداتهم كجهة إسلامية مختلفة هي غير الأحاديث النبوية التي يعتمد عليها السنة، وكل من الطرفين يدعي أن تلك الأحاديث غير صحيحة.
إذن نحن أمام إشكال هام. كيف نتأكد وبشكل قاطع أيتها هي الأحاديث الصحيحة؟ خصوصا أن الإرهابيين أو التكفيريين يعتمدون على أحاديث أخرى، لا بل على تفاسير غير مقنعة للقرآن بحد ذاته. ويطرح السؤال نفسه هنا كيف يمكن أن نتفق على تفسير واحد شامل جامع للقرآن، وكيف نصل إلى اتفاق على الأحاديث النبوية الحقيقية والتي لا تشوبها شائبة هذا شبه مستحيل إذا لم نتوصل إلى توحيد المذاهب الإسلامية بمذهب واحد، بالجلوس على طاولة واحدة والاتفاق، أي إسلام علينا أن نختار.
حين نصل إلى ذلك، حينها لا يستطيع أحد تكفير أحد، حتى لو أبلغ الجميع بأنه غير مؤمن ولا ديني، ولا يستطيع أحد أن يقول لنا أشياء عن ديننا، وعن نبينا، أشياء يدعون هم معرفتهم بها، هم مطلعون أكثر منا على أمور يخفيها عنا علماءنا على مختلف مذاهبهم، لأنهم متفقون فيما بينهم على إبقاءنا جهلة بحقيقة ديننا، ولكي يكون بإمكان شخص مثل الظواهري أو بن لادن وغيرهم كثر أن يجد ومن داخل القرآن، ومن داخل أحاديث النبي دعما لمقولاته التكفيرية، ولعملياته الإجرامية بحق البشرية.
لأن المسلمون المؤمنون هم الأغلبية، ولأن العلمانيون هم الأقلية، ولأنه لا يمكن اقناع المؤمنين بقبول العلمانيين فلا بد من الوصول إلى حل وسط يتفق عليه الجميع ليكن الدين لله والدنيا لنا، والدنيا سياسة والدين لا علاقة له بالسياسة، هذه نقطة خلاف لابد من التوافق عليها.
الإسلام كإسلام انتهى مع بداية الدولة الأموية، ما عاد هناك إسلام، صار هناك مسلمون، متعددو المذاهب ومتعددو التوجهات والفهم للدين، ولكن لم يعد هناك دين إسلامي. وحين ألغوا الاجتهاد بدأ الإسلام بالتراجع وصار كل شيخ قادر أن يؤسس لطريقة يعلمها لإتباعه ويكفر شيخا آخر له أتباعه أيضا، وصار بإمكان كل أي رجل مسلم تأسيس جماعة إرهابية تستغل جهل رجل الشارع ليؤسس جماعة إراهبية، ويدفع بهؤلاء إلى الموت بهدف بلوغ الجنة الموعودة، ولو كان رجل الشارع على معرفة جيدة بدينه، بكل ما يقوله الدين، لعرف أن طريق الجنة لا يكون بقتل الآخرين.
رجال دين وفلاسفة وعلماء وأطباء مسلمون أرادوا توضيح الحقيقة، بعضهم أراد أن يوضح حقيقة الدين وحقيقة واقع الاجتهاد وبعضهم تحول عن دينه لأنه أكتشف أمورا أراد تبليغها للناس في مراحل شتى من التاريخ الإسلامي. هؤلاء جميعا أدينوا وأحرقت كتبهم أو اختفت، نقرأ عناوين كتب لأبن رشد، وللراوندي ولان النفيس وللرازي وغيرهم كثر جميعهم أرادوا أن يرقوا بالإسلام نحو غايته الحقيقية وهو أن يكون دينا حديثا ومتتبعا للعصر بفكره وعلومه وأخلاقياته، ولكن شيوخ التكفير كانوا دائما موجودين، وكانوا دائما مستعدين لحرق وقتل كل من يخرج عن طرقهم في التفكير، لذلك اختفت تلك الكتب ولم يبق منها سوى عناوين مبثوثة في كتب التاريخ ، فقد كان المطلوب دائما من هؤلاء السلفيين والتكفيريين الإبقاء على الإسلام يراوح في مكانه.
متنورون إسلاميون وغير إسلاميين معاصرون كتبوا عن الإسلام، كتبوا عن إسلام متنور، مفهوم وواضح، بعض هذه الكتب منعت وثار ضدها مشايخ من مختلف الملل، وكفر أصحابها فقط لأنهم فكروا بتنوير رجل الشارع المسلم بدينه، لأنه بتنوير رجل الشارع وحتى تنوير المثقف الممنوع عنه كل ما يوضح له دينه مؤمنا كان أو لا دينيا أو علمانيا.
سننشر تباعا فصولا من هذه الكتب، وغايتنا تعريف الناس بدينهم، أو بالدين الإسلامي، لنترك لهم حق الاختيار بين أن يكونوا متدينين أو علمانيين.