ما معنى نقل صلاة الجمعة وصلوات الأعياد تلفزيونيا أصابتني الحيرة وأنا أفكر بعد أن وصلتني هذه الزاوية أين أضعها، أين هو مكانها المناسب، أين يمكن أن توضع مادة لم تنشر لكاتب شغل الدنيا في حياته سوى هنا، في هذا المكان، حتى ولو كان عنوانها افتتاحية، فلم لا يكتب ممدوح عدوان ويشغل العالم بعد أن خطفه الموت وحرمنا من ضحكته المجلجلة دائما، وشغبه الدائم، من مسرحه وشعره وأشياء أخرى كثيرة. لم أجد مكانا سوى هنا. فليكت افتتاحية هذا اليوم، ممدوح عدوان.
على الرغم من أن الدكتور هنري كيسنجر كان يكتب زاوية يومية للتعليق على مباريات كأس العالم التي جرت في الولايات المتحدة الأميركية عام 1994، إلا أن أحدا لم يستطع أن يشد اهتمام الأميركيين إلى اللعبة، أو إلى التصفيات التي تجري في بلدهم . وكنت هناك يومها . فرحت أتابع التعليقات الصحفية. ليس لكي أفهم المباريات أو أتتبع نتائجها ، بل لكي أفهم سر إحجام الأميركيين عن هذه اللعبة . كان شخص ما قد كتب يشنّع على الأميركيين من أجل إحجامهم عن اللعبة معتبرا ذلك شذوذاً عن باقي البشر. وقال إن كرة القدم جزء من غريزة الإنسان. إن أي طفل يسير في الشارع، وحتى الرجل الكبير – أو طفلة – وحتى النساء البالغات لولا الحياء – ويرى حجراً صغيراً أو علبة فارغة، فأنه يركلها بقدمه، وربما يظل يركلها باستمتاع حتى يصل إلى بيته أو تفلت منه. فردَّ عليه أحد الكتّاب الجادّين قائلا: إن ركل الحجر أو العلبة أو الكرة لعبة مسلية. ولكن هذا يكون حين تقوم أنت بالركل. و لكن ليس من المسلّي أبداً أن تتفرج على ولد يركل كرة. هناك فرق بين أن تفعل وبين أن تتفرج. وبمعزل عن أننا نستمتع – نحن والكثيرين في العالم – بالتفرج على لعبة كرة القدم. وبمعزل عن كوننا نندمج نحن والملايين في الفرجة حتى لنتخيل أنفسنا أننا نحن الذين في الملعب. إلا أن حجة الكاتب أعجبتني. قد تختلف الأمزجة بين بلد وآخر. لقد حضرت لعبة بيسبول في أميركا، واستغربت الحماس الأميركي لها والعدد الهائل من المتفرجين عليها في الملعب أو المتابعين لها في التلفزيون. بل إنني لا أستطيع حتى الآن أن أفهم سبب النقل التلفزيوني للعبة الغولف، التي يضرب فيها لاعب بحذر كرة صغيرة لكي تنزل في حفرة. قد يستمتع اللاعب بها، ولكن ما معنى أن تتفرج عليها أنت؟ وقد نبهتني هذه المسألة إلى أمر قد يكون وراءه أحد أسباب إخفاق إعلامنا المرئي. فنحن بالفعل لا نميز بين ما يمتعنا فعله وما يجب، أو لا يجب، أن نراه. فإذا كنت تمارس بعض الأمور باستمتاع ( الأكل والجنس خير مثال)، فإن هذا ليس هو بالضرورة ما يجب أن تراه في التلفزيون، أو ما يمكن أن تستمتع بمشاهدته . تصور أن تتفرج على شخص يأكل، ومن المؤكد أن البالغين الأسوياء قد يتقززون من مشاهد الإباحية ( البورنو ). ولو استعرضنا ما تبثه قنواتنا التلفزيونية لوجدنا أن هناك الكثير مما يبث فيها وهو لا يعني المشاهد على الإطلاق، ولا يثير فيه أي اهتمام ، ولكنه يأخذ ساعات طويلة من أوقات البث. ولنأخذ السياسة مثلا. حين يكون هناك خبر عن زيارة رسمية يقوم بها ضيف كبير إلى بلد ما، فإن الأهمية الحقيقية للزيارة تكمن في الاتفاقيات التي ستتمخض عنها، وربما في النقاشات والمفاوضات التي ستثار في الكواليس و وراءها، أو في النقاشات التحضيرية لها. هذا بالضبط ما يهم المتفرج أو القارئ ( للصحيفة ). و لكن مالا يهم المواطن على الإطلاق هو أن يتفرج على الاستقبال والتوديع في المطار أو استعراض حرس الشرف والتسليم على كبار المستقبلين. وللأسف الشديد فإن طقوس الاستقبال هي كل ما يراه المواطن لساعات طويلة على الشاشة. وتظل الكواليس وما دار فيها مغلقة عليه حتى يأتي المؤتمر الصحفي – وهي عادة جديدة على مسؤولينا العرب – فيستنتج من كلام المجاملات ما يستطيعه، و إلا كان عليه أن ينتظر ما تقدمه له وسائل الإعلام الأخرى، والتي لم تهتم كثيرا بطقوس الاستقبال و التوديع ، من أخبار وأسرار. أتعرف ماذا يعني تركيزنا على هذا الجانب الطقسي ؟ يعني أننا نعتبر – ربما لأن المسؤول نفسه يعتبر – أن الإعلام وجد لأخذ الصور التذكارية له في حفلاته ، وليس لبث المعلومات لمواطنيه . أمور كثيرة لا نميز فيها بين ما هو مفيد أو ممتع بثه للمشاهد ، وبين ما ليس كذلك . وحتى في الجانب الديني، لاشك أن الصلاة فريضة وركن من أركان الإسلام. و لاشك أيضا أن تقديم تلاوة القرآن في التلفزيون مفيدة ومريحة. وهي تعوّد حتى الصغار على الاستماع إلى آي الذكر الحكيم، وما يشيعه من تقوى ومعرفة لغوية . وقد تكون البرامج الدينية ونقل خطبة الجمعة أو الأعياد – الفطر والأضحى والمولد النبوي الشريف وغيرها – من الأمور المفيدة، وربما الممتعة، لما تتضمنه من مواعظ وتذكير بأحكام الشريعة وربط المسلم المؤمن بأحداث عصره، إضافة إلى ما تقدمه من فوائد متعلقة بحياة الإنسان الدينية والدنيوية، وتفسير الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة، إضافة إلى ترسيخ أحكام الشريعة وجوانب من التراث وسير الأولياء والصحابة رضوان الله عليهم أجمعين. ولكن هذا شيء ونقل الصلاة تلفزيونيا شيء آخر. وإذا كان من واجب المرء أن يصلي، فإن هذا لا يعني ، ومهما بلغ إيمانه وتدينه أنه يرى الفرجة على الصلاة ذاتها ممتعة أو مفيدة . وإذا وضعنا في اعتبارنا أن المؤمنين، حتى الذين يستمتعون بالفرجة على الصلاة، سيكونون، وقت الصلاة، في المساجد أو الجوامع – وربما في البيت ذاته – يؤدون هذه الفريضة المقدسة في ذلك الوقت ولا يتفرجون على التلفزيون. و إذا أضفنا النسبة العالية من المتدينين التي ترى مجرد وجود التلفزيون في المنزل حراماً، فكيف بتشغيله والفرجة عليه ؟ نتج معنا أن نقل الصلاة ذاتها لا يضع في اعتباره سؤال: لمن نقدم ذلك ؟ أنا أعرف أن السياسيين لن يحتجوا كثيرا على ما قلته حول اختصاصهم، ولكن قد يحتج رجال الدين على هذا الكلام. و دون تعصب أو عناد مني أحب أن أسمع رأياً أو فتوى من مختص حول هذا الموضوع. التحرير: هذه مادة كتبت قبل وفاة الكاتب المبدع ممدوح عدوان لصحيفة كويتية، ولم تنشر بعد أن اعتذرت الصحيفة للكاتب من خوفها من أن توقفها الرقابة عن الصدور بسبب تعرض المقالة للدين والمتدين. وها نحن ننشرها الآن، ونطالب مع المبدع الكبير ممدوح عدوان برأي مختص أو فتوى بهذا الشأن.
أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...