مبكرا جاءني الاتصال من الدكتور رياض نعسان آغا وزير الثقافة، ولم نكن التقينا منذ ردح من الزمن، رغم معرفتنا القديمة جدا، فهو صار مسؤولا رفيعا، منذ زمن بعيد، وأنا بقيت مواطنا عاديا منذ زمن بعيد أيضا. وشتان بين المسؤول والمواطن. المهم جاء الاتصال عاتبا، ينقل وجهة نظر الوزير بما جاء في افتتاحيتي حول أوركسترا الموسيقى العربية، تحدثنا على الهاتف ثم سألني أن أزوره فلبيت رغبة مني في معرفة وجهة نظره حول موضوع تعيين ابنه مشرفا على أوركسترا الموسيقى العربية. شرح لي أن ابنه قال له أن في البلد موسيقيين لا يجدون عملا بل عاطلين عن العمل، وأن هؤلاء موسيقيين مهمين وموهوبين و و و .. فاهتم وطلب من ابنه تأسيس فرقة بشكل تجريبي يقوم بامتحانها، فإذا كانت على قدر المسؤولية فسيصدر أمرا بتأسيس مثل هذه الفرقة. وقال أنه بعد ثمانية أيام عاد ابنه إليه وقال الفرقة جاهزة، فامتحنها السيد الوزير وبوجود أساتذة كبار وتأكد من أنها أوركسترا بما تعنيه هذه الكلمة من معنى، فأصدر قرارا بتأسيسها وجاءت حفلتها الأولى لتؤكد وجهة نظر السيد الوزير فقد هنأه السادة الوزراء والمدراء العامون، وكبار موظفي الدولة على تأسيس الفرقة وعلى تمييز ابنه الملفت.
وهنا لابد من التأكيد على تميز صوت مجد ودون أية مجاملات، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ترى لو لم يكن مجد ابنا للوزير هل كانت الدولة بقضها وقضيضها حضرت الحفل واهتمت هذا الاهتمام وباركت كل تلك التباريك لا أعتقد أن السيد الوزير قادرا على أن يجب بنعم.
وقال لي أيضا أنه وبعد تسلمه منصبه توالت النشاطات الموسيقية لفرق عديدة تابعة للوزارة، كما سافرت عدة فرق لإقامة نشاطات في الخارج وهذا يعني أنه مهتم بالموسيقى وبالثقافة وسيخدم الثقافة بكل جوانبها ومناحيها. وبالتأكيد هذا جهد يشكر عليه.
كل ما قاله السيد الوزير مقنع، وحقيقي. وهو محق في عتبه على وسائل الإعلام الألكترونية التي تكلمت عكس ذلك. ولكن ذلك لا ينفي ما جاء في افتتاحيتي التي عاتبني عليها السيد الوزير والتي قلت في نهايتها بالحرف الواحد" هناك سؤال يحتاج إلى إجابة لو لم يكن مجد نعسان آغا يريد تأسيس فرقة موسيقية، هل تأسست أوركسترا الموسيقى العربية؟ كنا نتمنى لو كان لدى السيد الوزير عدد كبير من الأولاد خريجون من كليات ومعاهد للفن التشكيلي، ومن محبي الشعر والشعراء، ومخرجون سينمائيون ومخرجون مسرحيون فلربما ازدهرت تلك الفنون في عهده الميمون. “
ما قاله السيد الوزير ، لم ينف، بل أكد على أن هذا التساؤل في مكانه. فالصدفة هي التي جعلت ابن الوزير موسيقيا ومطربا، وهي التي ساقت السيد الوزير لوزارة الثقافة وليس إلى وزارة النفط مثلا، والصدفة هي جعلت مجد نعسان آغا ينتبه إلى وجود موسيقيين عاطلين عن العمل، وهي التي جعلت السيد الوزير يؤسس الفرقة.
في مطلق الأحوال كان تأسيس مثل هذه الفرقة أمرا هاما وجوهريا وملحا، ويشكر عليه الوزير وابنه. ولكن وبعد أن ساقت الصدف الدكتور رياض نعسان آغا لمنصب وزير الثقافة ، نطرح السؤال التالي: هل يجب أن يستلم وزارة الإعلام وزير ابنه صحافي متميز لكي يصبح لدينا صحافيون متميزون يعرفون ما هي الصحافة وماذا تعني؟ وليس كتبة بعضهم لا يعرف كيف يكتب اسمه، فيستلم لموهبته تلك فقط، رئيسا للقسم الثقافي في مطلق جريدة؟ لإن المطلوب من الصحافي في زمن الفساد أن لا يعرف كيف يكتب اسمه . هل يستطيع أحد أن يقول أنه، وخلال عقود بدأت منذ مطلع الثمانينات، أن مطلق رئيس قسم ثقافي أو مدير تحرير للشؤون الثقافية كان يعرف شيئا عن الصحافة؟ بل إن كل من توالوا على تلك المناصب كانوا أسماء صغيرة لصحافة صغيرة، لإعلام صغير.
وهل يجب أن يأتي وزيرا للسياحة لديه ابن مهتم بالسياحة، وبالتسويق السياحي، أو بالتخطيط العمراني أو بأي منحى من نواحي السياحة، لكي تتطور السياحة في بلدنا ونحن في أمس الحاجة لتطويرها.
السيد الدكتور رياض نعسان آغا، شكرا لأن ابنك مجد كان موسيقيا لنتمكن من تأسيس فرقة موسيقى عربية. وشكرا لمجد لأنه بادر تلك المبادرة، ولكن هذا لا يكفي فنحن بحاجة إلى وزارء، لا مستوزرين، يعرفون في عملهم لكي نستطيع أن نصبح أو نعود أمة ذات حضارة حقيقية.