المجند الصهيوني.. ودهشة المواطن العربي
2006-07-01
لا بد أن أي متابع عموما قد سمع قصة المجند الصهيوني الذي حشدت لأجله قوات جيوش الاحتلال ، وكان طلبها الأوحد والمعلن هو الإفراج عن هذا المجند الأسير. كيف يمكن للمواطن العربي من المحيط إلى الخليج أن يستقبل مثل هذا الأمر، دولة محتلة، بقضها وقضيضها ، بآلتها العسكرية الضخمة، تحاصر دولة أخرى صاحبة حق من أجل مجند اسير فقط .. مجند وليس ضابطا ، مجند وليس ابن مسؤول ، مجند وليس مديرا عاما، وليس وزيرا ، وليس لصا نظاميا لا يطاله القانون يبيض أمواله على المرتاح ، وليس قريبا لرئيس الجمهورية أي رئيس جمهورية، وليس ابنا لرئيس، هو مجند مسكين وجد نفسه يساق نحو معركة أسر خلالها، فقامت الدنيا ولم تقعد.
أود هنا أن أرسم المشهد على الشكل التالي ، مجموعة رجال مختلفي الأعمار يجلسون في مقهى ما في مكان ما في بلد ما حول طاولة ما من طاولات المقاهي العربية الممتدة من المحيط إلى الخليج، الخبر يذاع على الفضائيات، ويكرر ، ويكرر، والمواطن العربي الجالس في المقهى
معقود لسانه من الدهشة، كيف لا يحدث معه مثل مثل ما يحدث مع هذا المجند، وكيف تقوم آلة الحرب العسكرية وآلة الحفاظ على النظام ، ورجال الأمن باعتقال المواطنين لأقل هفوة يقومون بها ويودعونهم السجن ، ويوجهون لهم تهما ملفقة ، ولا يستطيع أحد أن يسأل عنهم. للحظة يتمنى لو كان مكان هذا المجند، ويرى اهتمام العالم به، أنه للحظة يشعر بالنشوة وهو يتخيل العالم يدافع عنه وعن مصالحه ولكنه ينتبه لحقيقة أن هذا مستحيل وأنه جالس في المقهى مقموع فيه.
يتساءل المواطن العربي المقموع، يتساءل بينه وبين نفسه، لا يجرؤ أن يطرح السؤال بصوت عال، فهو يخشى عملاء رجال الأمن المندسين في كل مكان لنقل خبر يرضي رؤساءهم ، قلت يتساءل بينه وبين نفسه ؛ كيف يحدث هذا ؟ هذا العدو الظالم المستبد المستعد لقتل مئات بل آلاف الفلسطينيين دون سبب محدد ، ولكنه يهتم بمواطنه، ومَن من مواطنيه؟ مجند صغير السن لا يمكن أن يعني أحدا في أي من البلاد العربية. ويكتشف هذا المواطن العربي الجالس أمام شاشات التلفزيون، يستمع إلى آخر أخبار المجند العدو ، لماذا استطاع العدو الصهيوني خلال كل هذا الزمن منذ بدأ يتوافد على الأرضي الفلسطينية ، أن يكون هو الأقوى، وهو المنتصر وهو القادر على السيطرة، لماذا كانت الأنظمة العربية، رغم كل الإنقلابات العسكرية ، وتغيرات أشكال الحكم وإدعاء الديموقراطية ، كيف لم يستطع أن يوقف عنجهية العدو الصهيوني، كيف، ولماذا سمح له بالوصول إلى ماهو عليه الآن؟
يتلفت المواطن العربي حوله خائفا، يرى من على يمينه ومن على شماله يتلفت أيضا خلفه ، يرى كل الرجال الذين حوله ، يتساءل ترى هل يفكرون بما أفكر به أنان يشعر بالرعب، ماذا لو عرفوا بما أفكر، ألا يمكن أن يقوم أحدهم بكتابة تقرير للأمن يقول فيه أن ضبطني أفكر بالمجند الإسرائيلي وأقارن نفسي به، وعلى أساس هذا التقرير سيتم القبض علي و إيداعي السجن لفترة طويلة، يرتسم رعب هائل على وجهه ، ويقف مغادرا وداعيا ربه أن لا يكون واحد من جيرانه قد اكتشف بما يفكر به.
مشكلة المواطن العربي العادي أنه غير قادر على التفكير السليم بسبب الرعب الذي يعيشه دائما ، رعب من المستقبل غير المضمون، رعب من أن لا يجد في الغد لقمة عيشه، رعب من رجال السلطة الذين يسرقون ماله وقوته ولا يستطيع أن يسألهم عن ذلك، رعب من استصدار قوانين اقتصادية تخدم أصحاب رؤوس الأموال وتنسى واقعهم ، رعب ، رعب رعب ، أمضى حياته في الرعب ، رعب من جاره الذي يمكن أن يشي به عند رجال الأمن ، رعب من أن يزج به في السجن لأنه سبق بسيارته واحدا من رجال الأمن الكبار دون أن يدري ، رعب من أن يوقفه شرطي المرور سيارته دون ذنب ، ويضطر أن يدفع له رشوى دون سبب ، رعب من..كثيرة هي الأشياء التي تشعره بالرعب ، وسأكتفي بهذا القدر، فهو باختصار يولد مرعوبا ويموت مرعوبا ولهذا هو غير قادر على التفكير السليم .
لأن التفكير السليم يقول ، أن هذا المجند الإسرائيلي في الحقيقة لا يعني آلة الحرب الصهيوينة في شيء، بل هي استخدمته سببا وجيها لتقوم بعمليتها الضخمة لتخلص من حماس التي تعتبرها قادرة أن تواجهها بعكس أي حكومة فلسطينية أخرى. وهو ، أي المواطن العربي غير قادر على التفكير السليم الذي يقول أن هذا الصمت العالمي على قتل عشرات الألاف من العرب في العراق وفلسطين ، وأماكن أخرى كثيرة في العالم ، في وقت يقومون بتأييد السلوك الصهيوني ويطالبون حماس بالإفراج عن المجند الصهيوني المسكين الذي وقع بأيدي المقاومة الفلسطينية، يعني موت عشرات الآلاف لا يعنيهم بشيء، ولكن سلامة المجند الصهيوني تعني حكومات الغرب ورؤسائه من جاك شيراك وصولا إلى رئيس أصغرجمهورية غربية .
هذا المواطن العربي العادي، لا يستطيع أن يحلل كما يحلل المواطن غير العادي ، الاستثنائي، المثقف ، المتابع، هؤلاء اكتشفوا اللعبة فورا ، ولكن هذا لم يمنعهم من التساؤل، لماذا لا تستطيع الأنظمة العربية بقضها وقضيضها أن تفعل كما فعل العدو الصهيوني.. لماذا لم تستخدم آلتها العسكرية لتطالب بحق أكبر بكثير من مجند لا يحل ولا يربط، لماذا لم تستطع المطالبة بالعدل، بالعدل فقط..
08-أيار-2021
08-أيار-2021 | |
17-نيسان-2021 | |
03-نيسان-2021 | |
27-آذار-2021 | |
27-شباط-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |